نيويورك: صوت الهامش
نشرت منظمة (هيومان رايتس ووتش) مقالا لرئيس مكتبها في الجنوب الأفريقي، ديوا مافهينجا، اعتبر فيه أن قرار المحكمة الجنائية الدولية في الـ6 من يوليو الجاري بشأن إخفاق جنوب أفريقيا في توقيف عمر البشير إبان تواجده على أراضيها في زيارة عام 2015 – اعتبر الحكم بمثابة دعوة لجنوب أفريقيا لتجديد التزامها تجاه العدالة العالمية ينبغي عليها قبولها.
ونبّه مافهينجا، إلى أن الجنائية الدولية اعتبرت أن جنوب أفريقيا خالفت التزاماتها القانونية الدولية بعدم توقيفها الرئيس السوداني عمر البشير الصادر ضده من المحكمة حُكمين بالتوقيف على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعملية إبادة جماعية في إقليم دارفور.
واعتبرت المحكمة آنذاك أن إخفاق حكومة المؤتمر الوطني الأفريقي (الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا) في توقيف البشير يعتبر بمثابة تغاضي من جانب الحكومة عن انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان المدني الأفريقي.
وقال أن الحزب الوطني الأفريقي هو ذات الحزب الذي قاده نيلسون مانديلا عام 1994، معلنا أن “حقوق الإنسان ستكون المشعل الذي يضيء طريق السياسة الخارجية للبلاد”؛ لكن في ظل الرئيس جاكوب زوما، تبنى نفس الحزب معايير مزدوجة وأظهر تقاعسًا عن الوقوف في وجه انتهاكات حقوقية في القارة الأفريقية.
وبداية من عام 2003، ارتكبت الحكومة السودانية وميليشيات حليفة، جرائمَ ضد الإنسانية وجرائم حرب، بينها انتهاكات جنسية، كجزء من حملتها المكافحة للمعارضة المسلحة في دارفور؛ وتقدر الأمم المتحدة أعداد القتلى جراء تلك الحملة بنحو 300 ألف إنسان على الأقل سقطوا في هجمات أو قضوا نَحْبهم بسبب المجاعات والأمراض الناجمة عن النزاع، فيما تشرد أكثر من مليوني إنسان اضطروا إلى الفرار بحثا عن النجاة كلاجئين خارج السودان أو في مخيمات داخلية.
ولفت ان بعد 14 عاما من اشتعال أزمة دارفور، لا يزال الضحايا ينتظرون رؤية العدالة تتحقق – غير أن الانتهاكات مستمرة في الواقع؛ وإبان اعتداءات الحكومة في دارفور عامي 2014 و2015، استهدفت عدةُ هجمات مئاتَ القرى التي عانت الإحراق والتدمير بين انتهاكات خطيرة تضمنت عمليات اغتصاب وقتل ترقى لوصف “جرائم ضد الإنسانية”؛ كما شنت قوات الحكومة هجوما رئيسيا برًا وجوًا على جبل مرة في دارفور عام 2016، مدمرة مئات القرى ومشردة نحو 195 ألف إنسان.
وأشار مافهينجا إن أهم أسباب استمرار الصراع مشتعلا يتمثل في الفشل في تحقيق العدالة للضحايا في دارفور وعدم مساءلة المتورطين في اقتراف تلك الفظائع.
وأوضح ان جنوب أفريقيا قد أسهمت بجهود مشكورة في عمليات حفظ السلام بالسودان؛ لكن أيا من تلك الجهود لا يعفي البلاد من التزاماتها تجاه العدالة بمقتضى نصوص القانون الدولي، لا سيما تلك التي تضمنها نظام روما الأساسي – الوثيقة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية.
وإذا كانت جنوب أفريقيا استطاعت على مدى سنوات تشييد نظام قضائي قوي ومستقل ضروري لإدارة شئون العدالة واحترام سيادة القانون في البلاد، فإن دولا أفريقية أخرى لا تستطيع أو لا تمتلك الرغبة في إقامة العدل عندما يعاني شعبها من المظالم.
وأضاف مافهينجا أن مَن يردّدون شعارات أمثال “ثمة حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية”، فينبغي الإشارة إلى أن بروتوكول مالابو – المعتمد في 2014 على أيدي دول أعضاء بالاتحاد الأفريقي لمنح ولاية قضائية جنائية للنظر في جرائم دولية أمام المحكمة الأفريقية للعدل وحقوق الإنسان – هذا البروتوكول لم يحصل بعد على أي من الـ 15 تصديقا المتطلبين لتفعيله.
علاوة على أن التوسّع المقترح في ولاية المحكمة الأفريقية تكتنفه نقطة ضعف تتمثل في أنه سيُحصّن رؤساء الدول وكبار المسئولين في الحكومات من الملاحقة القضائية.
وعليه، فحتى حال وجود محكمة أفريقية تامة التفعيل وذات ولاية قضائية جنائية موّسعة، فإن المحكمة الجنائية الدولية ستظل ضرورية – إن أفريقيا بحاجة إلى مزيد من المنصات لتحقيق العدالة في مواجهة الجرائم المروعة، لا سيما تلك التي يرتكبها ذوو المناصب الرفيعة في الأنظمة الحاكمة.
ولفت إليّ إن الجنائية الدولية تعمل على أساس مبدأ التكامل: فهي تمارس ولايتها القضائية عندما تكون إحدى دولها الأعضاء غير قادرة أو لا تريد محاكمة شخصا متهما بارتكاب بعضًا من أفظع الجرائم العالمية.
ويبقى الفصل في الاتهامات الموجهة للبشير من عملية إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب – يبقى الفصل في تلك الدعاوي بيد هيئة قضائية مختصة.
وكانت دعوات قد صدرت منذ 2009 للاتحاد الأفريقي للمساعدة (عبر تأسيس محكمة محلية) على النظر في انتهاكات ارتُكبت في منطقة دارفور؛ لكن ينبغي على حكومة المؤتمر الأفريقي أن تسأل نفسها ماذا كان مصير تلك الدعوات؟ وهل تمخضت عن أي إجراء صوب تأسيس هذه المحكمة؟
وقال مافهينجا إن أيا من محاكم السودان أو مؤسسات الاتحاد الأفريقي لا تُظهر استعدادا للنظر في جرائم مروعة شهدها إقليم دارفور؛ على أن المحكمة الجنائية الدولية ليست مثالية رغم كل شيء، إلا أنها تعمل كمحكمة الملاذ الأخير للنظر في تلك الجرائم البشعة.
وأبان مافهينجا “من الصعب رؤية كيف سيتسنى لحكومة المؤتمر الأفريقي تأكيد التزامها بفكرة التعددية بينما هي تنظر اتخاذ خطوات على صعيد مغادرة المحكمة الجنائية الدولية، التي لا تزال تعني بالنسبة لكثيرين الأمل الوحيد والملاذ الأخير للعدالة”.
بدلا من ذلك، ينبغي على جنوب أفريقيا تأكيد دعمها للمحكمة الجنائية الدولية والاستمرار في قيادة النضال من أجل الانتصار لحقوق الإنسان والعدالة، كما فعلت في الماضي.
وأشار إن مغادرة المحكمة الجنائية الدولية، لن يؤدي إلا إلى إيجاد سابقة سلبية أمام دول أفريقية أخرى بعضها تمتلك سجلات حقوقية بائسة.
هذا وأكد مافهينجا إن حكومة جنوب أفريقيا ينبغي عليها انتهاز الفرصة التي قدّمها حُكْم الـ 6 من يوليو، وذلك عبر تجديد دعمها للمحكمة الجنائية الدولية ولندائها بالعدالة.