جنيف – صوت الهامش
وصف تقرير نشرته شبكة (إيرين) الإخبارية اتفاق الاتحاد الأوروبي مع حكومة السودان بشأن المهاجرين بـ “المعيب جدا”، مؤكدا أنه بدون التصدّي لمشكلة الهجرة من جذورها، فلن يستفيد من تجريم المهاجرين سوى المسؤولين الحكوميين الفاسدين والمهربين.
واستهل التقرير، الذي اطلعت عليه (صوت الهامش)، بالإشارة إلى أنه وبينما تنساب ملايين الدولارات من صناديق تمويل الاتحاد الأوروبي إلى السودان لوقف تدفّق المهاجرين الأفارقة، فإن طالبي لجوء يقولون إنهم قد أُحيط بهم ويعيشون في حالة خوف واستغلال مستمر في السودان الذي يعتبر دولة مرور أساسية في رحلتهم إلى الغرب.
وسجَّل التقرير شهادة أكثر من 25 طالب لجوء إريتري وإثيوبي في الخرطوم ومدينة كسلا التي تقع إلى الشرق، وشهادة صحفيين محليين ومحاميين يدافعون عن اللاجئين – وهي شهادة تكشف عن انتهاكات شرطية متأصلة تتضمن ابتزازًا للمهاجرين وعنفًا واعتداءات جنسية.
واستدل التقرير من خلال نسَق الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان التي تم الكشف عنها على أن ثمة ما يعزز الشعور بالقلق من أن سياسات الاتحاد الأوروبي الخاصة بالهجرة تزيد الموقف ترديًا.
ورصد التقرير في العاصمة السودانية الخرطوم، تكدُّس نحو 30 ألف لاجئ إريتري وإثيوبي وجنسيات أفريقية أخرى في منازل متهالكة عصيّة على الوصف ينتظرون سنوح فرصتهم للهروب من السودان والقصد إلى أوروبا.
ونبه التقرير إلى أن الحدود الشمالية للسودان مع ليبيا والتي كانت مساميّة في السابق بات عبورها أكثر خطورة بعد أن نشر الرئيس عمر البشير عام 2015 على تلك الحدود حرسًا ممن كانوا يُعرَفون في السابق باسم الجنجويد وهي جماعة شبه عسكرية متورطة في ارتكاب جرائم حرب أثناء صراع دارفور.
وقد أُعيدت تسمية هذه الميليشيا باسم قوات الدعم السريع وضمّها إلى الجيش السوداني في يناير 2017، وهي تقوم بتوقيف طالبي اللجوء وتُسلمهم إلى الشرطة التي تحتجزهم بدورها وتُغرّمهم وترّحلهم بدعوى الدخول غير القانوني للبلاد – دون النظر فيما إذا كانت إعادتهم إلى بلادهم الأصلية ستتركهم عرضة للتعذيب أو السجن.
تعذيب اللاجئين من أجل المال
على مسافة ساعتين من مدينة كسلا على الحدود الإريترية، يقبع مخيم الشجرب للاجئين منسيًا في اللامكان، ويتعين للوصول إليه المرور بسلسلة من النقاط المرورية التي يتطلب اجتيازها تصريحا شرطيا.
وثمة 40 ألف لاجئ، معظمهم إريتريون، مسجلون بمخيم الشجرب، ومع ذلك يبدو المخيم مهجورا. وينظر الكثيرون من هؤلاء إلى المخيم باعتباره مجرد محطة مؤقتة لشهرين أو ثلاثة أشهر قبل المراحل التالية من رحلتهم، إلى الخرطوم ومنها إلى ليبيا أو مصر قبل الوصول للمحطة النهائية – أوروبا.
وبحسب التقرير، فإن وسيلة هؤلاء للوصول إلى هدفهم هي التواصل مع مسؤولين سودانيين مرتبطين بصناعة تهريب المهاجرين.
تاريخ الهجرة
لطالما كان السودان مَعْبرًا للإريتريين وغيرهم من المهاجرين، ولطالما كان السودان بلدًا يفرّ منه أهله.
وقد أدى تجريم السودان للاجئين والمهاجرين، إضافة إلى الأوضاع في ليبيا، حيث الاتحاد الأوروبي يدعم حرس الحدود الليبي في القبض على اللاجئين في البحر وإعادتهم إلى مراكز اعتقال – أدى ذلك إلى تقليص أعداد الذين يصلون إلى شواطئ إيطاليا بشكل ملحوظ؛ ففي 2016 وصل 773ر40 لاجئا ومهاجرا من القرن الأفريقي إلى إيطاليا؛ أما في 2017 فلم يصل سوى 688ر8 فقط.
ويقول شباب (رجال ونساء) من الإريتريين في الخرطوم وكسلا، إنهم لا يعتزمون البقاء في السودان، رغم علمهم بالمخاطر التي تحفّ طريقهم عبر ليبيا ومصر مع المهربين حيث يمكن أن يختبروا التعذيب والموت. وبعض هؤلاء يقولون إنهم بانتظار ظهور طُرق جديدة أكثر أمانًا لرحلتهم، فيما تعمل الكثيرات منهن كخادمات لكسب ما يكفي من المال للشروع في الرحلة على وجه السرعة.
وبحسب التقرير، فإنه وعلى مدار العامين الماضيين، خصصّ الاتحاد الأوروبي أكثر من 200 مليون دولار أمريكي للسودان قيمة تمويلات تتعلق بالهجرة، كجزء من استراتيجية حدودية لوقف تدّفق المهاجرين عبر السودان .
ويتضمن التمويل الأوروبي الخاص بإدارة الحدود: تدريب وتجهيز الشرطة الحدودية بالمعدات اللازمة وتشجيع عمل إصلاحات قانونية وقضائية لزيادة عمليات إلقاء القبض على المهربين والمتّجرين ومحاكمتهم.
ويأتي هذا الدعم الأوروبي رغم الوقوف على حقيقة سِجِّل السودان المريع في حقوق الإنسان – فضلا عن حقيقة أن الرئيس السوداني عمر البشير قد صدر بحقه قرارَي توقيف من المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويواجه الاتحاد الأوروبي الاتهامات الموجهة إليه -بالتعامل مع نظام الأمن القمعي السوداني- بالاحتجاج بأنه لا يموّل الحكومة بشكل مباشر، وأنه إنما يضخ مساعداته عبر منظمات دولية منها ما هو تابع للأمم المتحدة.
لكن الواقع، بحسب التقرير، هو أن هؤلاء الشركاء الأوروبيون مستعدون للعمل مع أذرعٍ هي محلّ خلاف تابعة للحكومة السودانية؛ وعلى سبيل المثال، فقد أكدت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة – أكدت لشبكة (ايرين) أنها قدّمت دراجات نارية في كسلا لجهاز المخابرات والأمن السوداني المسؤول عن توقيف وتعذيب واعتقال الناشطين الحقوقيين والمعارضين السياسيين للحكومة.
الابتزاز من أجل الحصول على المال وإساءة المعاملة
يرصد التقرير اعتماد اللاجئين الإريتريين في السودان على إعانات يرسلها إليهم أقاربهم ممّن في الخارج، أما مَن ليس لهم أقارب بالخارج فإنهم يقتاتون على وجبة واحدة يوميا ولا يحصلون على رعاية صحية مناسبة.
وعلى الرغم من أن السودان يعتمد سياسة تقضي بأن يعيش اللاجئون في مخيمات، إلا أن أغلبية الإريتريين إمّا أنهم يتوقفون في تلك المخيمات لفترة كافية فقط للحصول على وضعية اللجوء ومن ثمّ الحصول على بطاقة هوية، أو أنهم يتّجهون من فورهم إلى الخرطوم مباشرة. ويسافر الكثيرون مع مهربين وبعضهم اختبر الاتجار في البشر والعنف والاعتداء الجنسي أثناء عبورهم قادمين إلى السودان أو أثناء إقامتهم به.
تغذية الفساد
كل شهر، تنقل الشرطة السودانية مئات اللاجئين والمهاجرين إلى الخرطوم حيث يتم اتهامهم بانتهاك قانون الهجرة السوداني وتغريمهم بما يعادل 360 دولار، وإذا لم يدفعوا الغرامات يتم ترحيلهم إلى أوطانهم عادة دونما تمكينهم من استشارة محام أو طلب اللجوء.
وبحسب التقرير، فإن مئات الإريتريين تم ترحيلهم على مدار العامين الماضيين، وبينهم مَن كانوا مسجلين كلاجئين؛ وعادة ما يتعرض هؤلاء المرحلين قسريا إلى بلادهم -التي نزحوا عنها هاربين- إلى الاضطهاد في انتهاك صارخ لمعاهدة الأمم المتحدة بشأن اللاجئين.
عملية الخرطوم
بدأ تركيز أوروبا على وقْف سيال الهجرة من السودان في نوفمبر 2014، بتدشين ما يعرف بـ عملية الخرطوم – وهي اتفاق بين الاتحاد الأوروبي ودول القرن الأفريقي لمكافحة الاتجار بالمهاجرين وتهريبهم. وقد أكدت العملية مبدئيا على حماية حقوق الإنسان، لكن من الناحية العملية انصبّ تركيز عملية الخرطوم على صدّ المهاجرين عبر تنفيذ القانون.
وفي 2015، أنشأت بروكسل صندوقا خاصا لمساعدة عملية الخرطوم في معالجة جذور الهجرة ومكافحة التهريب والاتجار في المهاجرين. وبحسب تقرير صادر عن منظمة أوكسفام، فإن الـ 400 مليون يورو المخصصة عبر الصندوق، تم توظيف نسبة 3 بالمائة فقط منها لتذليل طُرق آمنة ومنظمة للهجرة، فيما أُنفقت باقي الأموال على وقف تدّفُق الهجرة.
ويقول مراقبون سودانيون إن الاتحاد الأوروبي يعمل انطلاقا من افتراض مغلوط مفاده أن حكومة السودان صادقة في رغبتها إنهاء ظاهرة الاتجار في المهاجرين.
ويقول رفعت مكاوي، وهو محام في الخرطوم، إنه “لا توجد إرادة سياسية من جانب الحكومة السودانية لمكافحة ظاهرة الاتجار، وما تدشين سياسات جديدة وصياغة قوانين إلا بمثابة إلهاء من الحكومة السودانية للحكومات الغربية، أما على أرض الواقع فعليًا، فلا شيء يتغير”.
ويشير أحد التقارير إلى أن المكاسب من وراء تجارة التهريب عبر الطريق الشمالي الغربي من القرن الأفريقي إلى أوروبا تقدر بنحو 203 مليون دولار عام 2016.
وتؤكد دراسة مجمّعة صادرة عن كل من: المبادرة الدولية لحقوق اللاجئين، والمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الأفريقي، ومركز دراسات حقوق الإنسان في جامعة لندن – أن ثمة ضرورة ملحة لإعادة النظر في اتفاق الاتحاد الأوروبي مع حكومة السودان بخصوص الهجرة.
وتقول الدراسة: “بينما تقام الحواجز دونما تقديم بدائل كافية، فإن المهاجرين يُقدمون على أخطار أكبر وأكبر وتمسي رحلتهم إلى مقصدهم أكثر خطورة … ولا يستفيد من ذلك سوى المهربين والمتّجرين بالمهاجرين”.