لندن: صوت الهامش
أثبتت الأيام أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية ليست في الواقع، وربما لم تكن يوما، السبب المباشر في مشاكل السودان الاقتصادية.
وأكد خبراء اقتصاديون ومراقبون سياسيون لموقع (ميدل إيست مونيتور) خطأ وجهة النظر التي تم الترويج لها طويلا من أن الأحوال في السودان ستتغير كثيرا إذا ما تم رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي الذي امتد زهاء 20 عاما.
وفي غضون الساعات القليلة التي أعقبت الإعلان في الـ 6 من أكتوبر الجاري عن رفع العقوبات، حدث أن قيمة الدولار هبطت من 21 جنيها سودانيا إلى 15 فقط في سوق العملة السوداء وذلك للتوافق مع السعر الرسمي الذي وضعه البنك المركزي السوداني، وفجأة ساد شعور جديد بالإنتشاء والارتياح أعقبه شعور حقيقي بالأمل.
وفي غضون الأيام القليلة الماضية، عاد الدولار إلى ارتفاعه للمستوى الذي سجله قبل رفع العقوبات عند 22 جنيها سودانيا، وتشكو البنوك من وجود صعوبات في الحصول على عملية أجنبية في البلاد، كما يتوقع خبراء الاقتصاد آفاقا سلبية، فيما يُنحي ساسة المعارضة باللائمة في تلك الأزمة على القيود الداخلية في السودان وليس على المعوقات الخارجية.
وفي حقيقة الأمر، لقد كان الطريق الذي سلكه السودان للوصول إلى رفع العقوبات طويلا وصعبا ومعقدا: بدءا من إنهاء العلاقات السياسية والاقتصادية مع إيران وحتى استمرار تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الغرب على صعيد مكافحة الإرهاب دوليا؛ وابتداءً من التعهدات بالبقاء في موقف الحياد حيال الصراع في جنوب السودان وحتى وضع نهاية للحرب ضد الجماعات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ومؤخرا إلى التعهد بإنهاء العلاقات الدبلوماسية والعسكرية مع كوريا الشمالية – ويمكن القول أن الوضع كان مؤهلا ليتعثر الاقتصاد السوداني.
ومع ذلك، وإذا ما تشبثنا بالحقائق، فإن ارتباط السودان في الفترة من 2002 إلى 2012 مع المصرف التجاري الفرنسي “بي أن بي باريبا” كان له أثرا كبيرا في الحد من آثار العقوبات؛ ذلك أن هذا المصرف طوال تلك الفترة قام مقام البنك المركزي السوداني، كما أن صادرات النفط ساهمت في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تراوحت بين 5 إلى 7 بالمائة سنويا في الحقبة الأولى من الألفية الجديدة.
وبشكل عمليّ، وفي واقع الأمر، لم تكن العقوبات مُفعّلة بشكل كامل إلا في آخر 3 أو 4 سنوات بعد انفصال جنوب السودان وبعد توقف مصرف “بي أن بي باريبا” الذي اضطر مؤخرا لدفع 9ر8 مليار دولار غرامة عقابا على مساندته غير القانونية للاقتصاد السوداني.
في ضوء هاتين الحقيقتين، وبعد رفع الولايات المتحدة للعقوبات، جزئيا وليس كليا، بدأت صخرة الواقع تصطدم بحكومة جبهة الإنقاذ السودانية وبدا واضحا أمام الخبراء أن رفع العقوبات وحده لن يتمخض عن تغيير هائل للوضع الاقتصادي في البلاد.
إن السودان لا يمتلك احتياطيات أجنبية، كما أن قطاعه التصنيعي لا يزال يسهم بنسبة أقل من 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي معظم الحالات تأتي السلع المنتجة دون معايير الجودة الدولية، كما أن السودان فقد نسبة 75 بالمائة من تدفّق إيراداته البترولية، كما يفتقر إلى الاستثمار في القطاع الزراعي وقطاع التعدين.
فضلا عن ذلك، فإن السودان لا يزال يخضع لعقوبات لأن اسمه لا يزال على قائمة الدول الراعية للإرهاب ونتيجة لذلك فإنه غير مستأهل لأي شكل من أشكال تخفيف أعباء الديون التي تعادل حاليا 60 مليار دولار أو نحو نسبة 70 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويرى الخبراء أن السودان أضاع فُرصًا سنحت له لتنويع موارد اقتصاده والقيام بإصلاحات اقتصادية إبان سنوات الثراء النفطي؛ فضلا عن اشتعال الحروب والصراعات الداخلية المكلفة التي استنزفت ثروات البلاد منذ استيلاء النظام الحالي على الحكم عام 1989.
إلى ذلك، يرى بعض المحللين أن مركزية توزيع الثروة في السودان، واستخدام نظم إدارة بالية، وإهدار المال العام وسوء إدارته – كل ذلك أسهم في تردي الوضع الاقتصادي في السودان.
ويقول خالد التيجاني، رئيس تحرير الصحيفة الاقتصادية (إيلاف):”لن نرى أية تغيرات حقيقية. العقوبات الأمريكية ليست هي المشكلة. وإلى أن يغير السودان تلك الإدارة البيروقراطية المعقدة والتي تسهل سوء الإدارة – حتى ذلك الحين لن يكون ثمة تغير حقيقي”.
ويقول الخبير الاقتصادي حامد علي، إنه “إذا كانت عملية رفع العقوبات الأمريكية قد فتحت الباب للتجارة الحرة والاستثمار، فإن السودان ليس لديه الكثير ليبيعه، ومن ثم فلن يكون هنالك تغيير ملموس في الاقتصاد لبعض الوقت. إضافة إلى ذلك، فإن نسبة 50 بالمائة من المناطق المنتجة في السودان هي الآن ساحات صراع”.
ويضيف حامد علي قائلا إن “نحو ثلث صادرات السودان يأتي من دارفور والنيل الأزرق، فيما تسهم مناطق جبال النوبة بنسبة 10 بالمائة إضافية. وبدون تسوية تلك الصراعات أو دخول عملة صعبة من صادرات النفط أو الغاز فإن التقدم سيكون بطيء الخطى وسيعزف المستثمرون عن ضخ أموالهم في السودان على المدى القصير”.