لندن : صوت الهامش
نشر موقع (ميدل إيست آي) تقريرا عن اعتقال زعيم مليشيا الجنجويد موسى هلال وما أثاره ذلك من مخاوف تأجّج الاقتتال في إقليم دارفور.
واستهل التقرير بالقول إنه وبعد مطاردةٍ تشبه مطاردة القط للفأر، بدا أن السلطات السودانية قد أسدلت الستار على قصة موسى هلال زعيم الجنجويد السابق حين اعتقلته يوم الاثنين الماضي في دارفور بالقرب من مسقط رأسه “مستريحة” عشية مصادمات بين قواته وقوات الدعم السريع بقيادة ابن عمه محمد حمدان حميدتي.
ولفت التقرير إلى أن هلال بعد ذلك تم نقله إلى الخرطوم مع عائلته وبعض أنصاره وسط مطالبات من أبناء قبيلته بإتاحة محاكمة عادلة له، لكن مصيره لا يزال غامضا.
ونوه التقرير عن أن التوترات بين الحكومة السودانية وزعيم الجنجويد بلغت أوج حدتها مؤخرا غداة إعلان نائب الرئيس السوداني حسبو عبد الرحمن تدشين حملة لجمع السلاح في الـ 20 من يوليو لمصادرة الأسلحة والمركبات غير المرخصة في دارفور. وقد أصدر هلال عددا من البيانات ردا على ذلك قائلا إن الحملة استهدفت القضاء عليه، مهدّدًا بعمل عسكري ضدها.
وكقائد لميليشيا حرس الحدود، فإن موسى هلال يأتمر بأمره نحو 3 آلاف مقاتل في منطقة خاضعة لسيطرته في شمال دارفور.
ويرى محللون أن اعتقال هلال يُعزى إلى محاولة الحكومة موازنة القوى في منطقة دارفور المضطربة. ويعرب خبراء عن مخاوفهم من تأليب هلال وحميدتي ضد بعضهما البعض وكليهما زعيم عسكري في قبيلة هي الأكبر في شمال دارفور (الرزيقات) وما قد يتمخض عنه هذا التأليب من موجة أخرى من العنف في المنطقة التي مزقتها الحرب لكن هذه المرة ستكون الموجة بين البطون العربية بعضها البعض.
مَن هو موسى هلال؟
حليف سابق للرئيس عمر البشير وعضو سابق في حزبه الحاكم (المؤتمر الوطني) وكان له مقعد في البرلمان السوداني؛ وفي 2008، عيّنه البشير مستشارا خاصا في الحكم الفيدرالي. وهو شيخ المحاميد، أحد بطون قبيلة الرزيقات العربية في شمال دارفور.
كلفه البشير بتشكيل وقيادة الجنجويد التي هي عبارة عن تجمّع فضفاض لميليشيات مسلحة وذلك لقتال المجموعات المسلحة المعارضة في دارفور والتي تتهم الخرطوم باضطهاد الأفارقة السود لصالح العرب عام 2003 .
ولفت التقرير إلى أن الجنجويد وميليشيا حرس الحدود المنبثقة عنها ارتكبت انتهاكات حقوقية ضد القبائل الأفريقية السوداء في دارفور، وهو ما حدا بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن يفرض عقوبات على “موسى هلال” في أبريل 2006.
وبحسب منظمة هيومان رايتس ووتش، فإن “هلال” ورجاله اضطلعوا بدور رئيسي في حملة التطهير العرقي التي استمرت زهاء عامين بقياد الجيش السوداني ومشاركة ميليشيا الجنجويد، حيث يقول شهود عيان إن سلاح الجو الحكومي كان يشن غارات تتبعها هجمات يقوم بها مشاة الجنجويد، وهو ما تنفيه الحكومة.
الخلاف مع البشير
رغم التحالف لسنوات، إلا أن خلافا دبّ بين البشير وهلال عام 2013 انفصل على أثره الأخير من الحكومة وعاد إلى مسقط رأسه في مستريحة شمالي دارفور مسيطرا على منطقة جبال عامر الغنية بالذهب.
ونوه التقرير عن أن الخلاف بدأ في منتصف عام 2013، عندما غادر هلال الخرطوم على أثر رفض الحكومة تنفيذ مطالبه السياسية والتي من بينها تعيينه نائبا للرئيس والإطاحة بعدد من الحكام في دارفور.
غير أن الخلاف احتدّ عشية تعيين البشير ثاني أبرز قادة حرس الحدود –حميدتي- قائدًا ميدانيا لقوات الدعم السريع المتصلة رأسًا بالرئاسة. ولطالما قاتل محمد حمدان دقلو، حميدتي، تحت قيادة هلال في دارفور.
وفي 2014، انسحب هلال من الحزب الحاكم وأسس “مجلس الصحوة” كهيئة سياسية تعبّر عن مصالحه. ويضطلع المجلس بدور إداري وقضائي في المناطق الخاضعة لسيطرة هلال في دارفور.
ومن وقتها وهلال يرفض العودة إلى الخرطوم كما يرفض دعوات المصالحة من جانب الحكومة.
ورصد التقرير اتهامات متواترة وجهها هلال ضد النظام الأمني السوداني بمحاولة اغتياله، كما هاجم هلال نائب الرئيس حسبو عبد الرحمن والجنرال حميدتي، قائلا إن البشير لم يكافئه على ما قام به من دور في القتال إلى جانب الحكومة ضد المعارضة المتمردة في دارفور.
التآمر مع الأجانب
ورصد التقرير تصريحا أدلى به عبد الرحمن الجعلي، المتحدث باسم قوات الدعم السريع، بأن الأوضاع في “مستريحة” باتت هادئة منذ سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة عشية اعتقال موسى هلال.
وأضاف الجعلي قائلا إن تحقيقات تجريها السلطات السودانية مع معتقلين بينهم جزائريٌ وأجانب آخرين قد بدأت.
ونبه التقرير إلى أن حسبو عبد الرحمن نائب الرئيس، كان قد اتهم موسى هلال في أغسطس الماضي بالتآمر مع الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر ودشن معه اتصالات؛ وفي نفس الوقت، اعتقلت الحكومة العديد من رجال هلال بينهم حارسه الشخصي بينما كان هؤلاء يدخلون دارفور قادمين من ليبيا.
وتعتبر الحكومة السودانية، الجنرال حفتر، عدوا. وتتهمه بدعم المجموعات المسلحة لزعزعة استقرار دارفور، وهو اتهام يرفضه هلال واصفا إياه بأنه “محاولة مفبركة” لإسقاطه محذرا من مغبة أمثال تلك المحاولات.
وأصدر مجلس الصحوة الذي أنشأه هلال بيانا في هذا الصدد قال فيه: “إن سلامة قائدنا موسى هلال هي مسؤولية الحكومة التي ندعوها إلى عدم محاولة إيذائه أو فبركة أية اتهامات ضده.”
القربان
ونقل التقرير عن عضو البرلمان، فتحي عثمان مادبو، تصريحا انتقد فيه سياسات الحكومة في دارفور، قائلا إن تلك السياسات قد تسببت في تجذير المظالم بين القبائل العربية والأفريقية، متهما الحكومة بالمسؤولية في تسليح القبائل العربية ضد المعارضة الأفريقية.
وقال مادبو: “ليس عدلاً أن تقوم نفس الحكومة المركزية التي سلحت وأوجدت تلك الميليشيات بنزع سلاحها دونما إرساء قواعد للسلام”؛ كما أن القبائل العربية أيضا تخشى من إلقاء سلاحها دونما ضمانات بأن الأطراف الأخرى ستفعل نفس الشيء.
ويقول موسى حامد، المحلل السياسي السوداني إن “موسى هلال يتم تقديمه كقربان لمغفرة الجرائم التي وقعت في دارفور.”
ولفت التقرير إلى أنه على الرغم من ثبات الاعتقاد بأن حكومة البشير هي المسؤولة عما حدث في دارفور حيث قُتِل ما يزيد عن 300 ألف إنسان وتشرّد ما لا يقل عن مليونَين آخرين منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2003- على الرغم من ذلك إلا أن طريق تقديم البشير للعدالة يكتنفه الكثير من العقبات.
وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرَي اعتقال بحق البشير وبحق مسؤولين كبارا آخرين على خلفية اتهامهم بارتكاب عملية إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور بعد إحالة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ملف القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية عام 2005.
لكن في 2015، وبّختْ فاتو بنسودا، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية – وبّختْ مجلس الأمن على “وعوده الجوفاء” بإحضار البشير إلى ساحة المحكمة.
وبحسب موسى حامد، فإنه “لن يكون صعبا على الحكومة أن تلقي بالمسؤولية على كاهل موسى هلال.”
لكن البشير سيحتاج إلى ترضية قوات الدعم السريع؛ وتخشى حكومة الخرطوم من مغبة وقوع مواجهات مع هلال قد تفتح الباب لانشقاقات واسعة في صفوف قوات الدعم السريع؛ فيما تقول تقارير إن حميدتي يخشى أن يؤدي تنفيذ خطة الحكومة بنزع السلاح في دارفور إلى نشوب مواجهات عسكرية مع هلال.
وبحسب خبراء سودانيين، فإن موسى هلال يمثل تهديدا عسكريا وسياسيا لحكومة البشير؛ ذلك أن لديه معلومات وأدلة تتعلق بالمراحل الأولى في صراع دارفور.
ويقول موسى حامد في هذا الصدد: “إن الموجة الراهنة من العنف قد تمحو موسى هلال، لكنها لن تمحُ حقيقة الجنجويد كميليشيا حاربت إلى جانب الحكومة في مناطق صراع.”
تفرقة طائفية
يرى محللون، بحسب التقرير، أن حكومة البشير لم تفرّق فقط بين القبائل العربية والأفريقية في المنطقة، ولكنها بذرت كذلك بذور التفرقة بين القبائل العربية بعضها البعض.
وفي هذا الصدد، يشير الخبير الأمني السوداني، محمد الأمين، إلى هشاشة الأوضاع الجيوسياسية داخل وحول جنوب السودان، محذرا من أن دارفور الواقعة في مفترق الطرق قد يؤدي انفجار الأوضاع فيها إلى موجة أخرى من العنف بين القبائل العربية والميليشيات.
ويوضح الأمين أن “قيام الحكومة بتأليب قائدَي الميليشيا (هلال وحميدتي) ضد بعضهما البعض لكي تفرّق بينهما وتسيطر هي على دارفور، كفيل بأن يقضي عليهما معا.
ويؤكد موسى حامد، أن “الاستغلال المُتعمّد لـكل من هلال وحميدتي من جانب الحكومة المركزية قد قاد إلى الوضع الراهن.”
فيما يحذر الأمين من أن المواجهات قد “تقود إلى هجمات مضادة وقد تمهد الطريق أمام تدخلات إقليمية في البلاد.”
ويضيف الأمين قائلا: “في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة في المنطقة، لا سيما هشاشة الوضع في دارفور وانعدام الاستقرار في جنوب السودان وليبيا، فإنه من قبيل المجازفة أن تعمد الحكومة إلى قتال حليفها في دارفور.”