لندن: صوت الهامش
حذرت باحثة منظمة “شنّ السلام” مادي كراوذر، من أن التصدي للهجرة عبر إبرام صفقات مع أنظمة أفريقية استبدادية كنظام البشير في السودان من شأنه أن يلطخ سمعة بريطانيا دون أن يفعل الكثير على صعيد الحدّ من تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
ولفتت كراوذر، في تقرير نشره موقع ” ريفيوجيز ديبلي”، إلى أن المخاوف من تزايد أعداد المهاجرين إلى أوروبا دفعت صانعي القرار في القارة العجوز إلى قبول المساومة على التزامهم بشأن حقوق الإنسان.
وأشار التقرير، الذي اطلعت عليه (صوت الهامش)، إلى صفقات تم إبرامها تحت غطاء مبادرة الاتحاد الأوروبي والقرن الأفريقي حول مسارات الهجرة، وما يعرف باسم “عملية الخرطوم”، وقد شهدت تلك الصفقات تعامل دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي مع أنظمة قمعية هي الأسوأ سُمْعةً في شرق أفريقيا بينها دول مارقة كالسودان وإريتريا وإثيوبيا.
ونوه التقرير عن أن السودان، هي بالتحديد شريك مثير للمشاكل بالنسبة للاتحاد الأوروبي؛ ذلك أن رئيسها عمر البشير صادر بحقه أمر توقيف واجب النفاذ من جانب المحكمة الجنائية الدولية على خلفية اتهامه بجرائم حرب وإبادة جماعية في منطقة دارفور الغربية المضطربة، ولا تزال حكومة البشير تواصل نفس سياسات التهميش والقمع الممنهج للحريات التي تنتهجها منذ عقود.
وحذر التقرير من أن التعاون مع هذا النظام في الخرطوم، على صعيد الحدّ من الهجرة، يُضفي عليه شرعية كشريك للاتحاد الأوروبي.
هذا فضلا عن أن الأموال التي تذهب تحت غطاء “عملية الخرطوم” هذه لن تذهب فيما هو معلن لها من إنفاق على بناء وتجهيز مؤسسات للتعامل مع الهجرة، وإنما ستذهب إلى قوات الدعم السريع التي هي في أغلبها ميليشيات الجنجويد المتهمة بارتكاب أبشع الجرائم في دارفور.
وأكد التقرير أن القوات الحدودية السودانية متورطة في أعمال الاتجار بالبشر وتهريبهم.
وحذر من أن تقديم ملف الهجرة على ملف حقوق الإنسان هو نهج سيئ من جانب الاتحاد الأوروبي؛ ذلك أنه يخاطر بمحاصرة الناس في أماكن منكوبة بالصراعات بينما لديهم الحق في النزوح منها.
وفضلا عن كون هذا النهج غير أخلاقي، فإنه أيضا غير عملي؛ ذلك أن الحد من أعداد المهاجرين المحتملين الذين يحاولون الفرار من السودان لن يتأتى إلا عبر تسوية الصراعات والقضاء على الاضطرابات التي تدفع الناس إلى النزوح بعيدا عن أوطانهم.
وحذر التقرير من أن التغاضي عن الجانب السياسي في تلك المشكلة كفيل بأن يقوي شوكة أمثال تلك الحكومات المستبدة وأن يطلق لها العنان في إنتاج أو عدم إيجاد حلول للظروف التي تدفع هذه الأعداد الغفيرة من مواطنيها إلى الهجرة… إن السودان إحدى أكبر خمس دول تصدر مهاجرين بسبب الصراعات.
ورأى التقرير أن الاتحاد الأوروبي يفعل خيرًا لو ركز جهوده في توفير مسارات آمنة وقانونية للمضطهدين اليائسين؛ ذلك أجدى في مكافحة الهجرة غير الشرعية.
ونبه التقرير إلى أن التعامل مع أنظمة قمعية للتصدي للهجرة يضطر أوروبا إلى النزول للمساومة على التزاماتها الخاصة بحقوق الإنسان، وبهذا يعتبر ملف الهجرة بمثابة بوابة للأنظمة القمعية لإضفاء الشرعية على نفسها من دون أي إصلاحات حقيقية.
ولفت التقرير إلى أن بريطانيا التي لم تكن تتردد في انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، قد تتوقف عن توجيه مثل هذا النقد بعد إبرام صفقات حول الهجرة مع نظام الخرطوم.
وحذر التقرير من فداحة الثمن المُقدّم في مقابل محاولة تقليص أعداد أناس من حقهم الهرب من وجه أسوأ أنواع العنف.
واختتم بالتساؤل “هل يجدر ببريطانيا التعامل مع نظام يقصف ويغتصب ويقتل بل ويستخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، في مقابل مجرد تقليص أعداد المهاجرين؟ إن إجابة بريطانيا الحريصة على تقديم نفسها كصوت للأخلاق على المسرح العالمي هي “بالطبع لا”.