أمستردام – صوت الهامش
أوصى تقرير أوروبي دول الإتحاد الأوروبي بتجنب العمل مع قوات الأمن التي لديها سجل لارتكاب الانتهاكات، و عدم غض الطرف عن ما أسماهم بـ “الشركاء الأفارقة” الذين يستخدمون العنف ويرتكبون انتهاكات ضد المهاجرين من القرن الأفريقي بشكل عام ، و “السودان” – بشكل خاص- بهدف تثبيط حركتهم.
كما أوصى بأن يؤخذ بعين الاعتبار سجلات “حقوق الإنسان” المعروفة لبعض قوات الأمن المحلية بمزيد من الحذر، وبالتالي الامتناع عن أي نوع من الشراكة، باسم سياسات الهجرة، مع قوات الأمن في كلٌ من “السودان” و”تشاد” على وجه التحديد.
و جاء تقرير ” المعهد الهولندي للعلاقات الدولية -Clingendael” المعنون ب” ضرر متعدد الأطراف – تأثير سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي على طرق الصحراء الوسطى” كاشفاً لمعاناة اللاجئين من القرن الأفريقي و المهاجرين إلى أوروبا عن طريق اليابسة، و كيف أن الأنظمة و الحكومات الطاردة و الجاذبة للاجئين على حد سواء، ساهمت في تفاقم الأزمة و تحويلها لكارثة إنسانية عبر سياسات و إتفاقات دولية، تخدم مصالحها.
و أستهل المعهد تقريره ببيان تطورت طرق الهجرة السودانية، والتي أصبحت أكثر تنوعاً، حيث اعتاد المهاجرون “الإريتاريون” في الغالب على العبور من شرق السودان إلى مصر، في حين وصل “السودانيون” أيضًا إلى مصر من المنطقة الشمالية بالسودان.
مشيراً إلى أنه في السنوات الأخيرة، تحولت تدفقات المهاجرين نحو ليبيا، متخذةً طريقين رئيسيين، استخدمهما في الماضي مهاجرون “سودانيون” يبحثون عن عمل في ليبيا، ولكنهم الآن يستخدمون من قبل اللاجئين الهاربين من الحروب والأنظمة غير الديمقراطية عبر القرن الأفريقي بأكمله.
و ينشر” صوت الهامش” بعد حصولنا على نسخة من هذا التقرير، بعضاً من أهم النقاط الواردة في هذا التقرير والمتعلقة بآثار سياسات الاتحاد الأوروبي حول قضايا الهجرة و المهاجرين على السودان، مقسماً إلى جزئين.
الجزء الأول:
إضفاء الطابع الخارجي على مراقبة الحدود للسودان: شريك مستبعد
في نوفمبر 2014 ، أطلق الاتحاد الأوروبي “عملية الخرطوم” التي تهدف إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية من منطقة القرن الإفريقي، بما في ذلك السودان. و في عام 2016، أسس الاتحاد الأوروبي أيضًا لحوارٍ رفيع المستوى حول الهجرة مع السودان – من بين 16 دولة ذات أولوية.
أدى ذلك إلى قيام الاتحاد الأوروبي بتمويل 40 مليون يورو نحو برنامج يهدف لـ”إدارة أفضل للهجرة” في البلدان المشاركة في “عملية الخرطوم”، بما في ذلك السودان. ويركز البرنامج على “توفير بناء القدرات للمؤسسات الحكومية” ، و “مواءمة السياسات”، والقوانين ضد “الاتجار بالبشر والتهريب” ، و “ضمان حماية الضحايا وتوعيتهم”.
يتم تنفيذ البرنامج من قبل اتحاد من مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي – بما في ذلك الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) ووزارات الداخلية في كلٍ من إيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا، باللإضافة إلى إتحاد مماثل بقيادة شركة “سيفيبول”، وهي شركة شبه عامة، تملك وزاره الداخلية الفرنسية اغلبية أسهمها، حيث تعمل على بتنفيذ مشروع آخر تبلغ قيمته 5 ملايين يورو، يهدف لبناء مركز عمليات إقليمي في الخرطوم تحت مسمى (روك) ، يعمل على تبادل المعلومات الأمنية بين أجهزة الشرطة في دول القرن الإفريقي، و من المقرر أن يفتتح في نهاية العام الجاري.
في أبريل 2016 ، تبنت المفوضية الأوروبية بالإضافة إلى ذلك ،تدبيراً خاصاً بمبلغ 100 مليون يورو، ثم في أكتوبر 2017 ، تحت ظرف جديد بقيمة 60 مليون يورو، لدعم “النازحين والمهاجرين والمجتمعات المضيفة”.
وقد تم تخصيص 160 مليون يورو للسودان، على الرغم من أن هذا المبلغ لا يركز بشكل صارم على الهجرة، لكنه يشمل بعض برامج التنمية الكلاسيكية، و وفقاً لأحد المسؤلين في الاتحاد الأوروبي فـ “إن الحكومة السودانية بحاجة إلى هذه الأموال، فهي تبدو قليلةً مقارنةً بمصاريفها الأمنية [الأساسية]، ولكن لا يزال هذا أمرًا لا يتعين عليها تحمله من ميزانيتها الخاصة، الوضع الاقتصادي في السودان سيئ للغاية، بحيث لا يمكن رفض 160 مليون يورو”.
وأشار التقرير أن في عام 2016، حصلت وسائل الإعلام الألمانية والبريطانية على وثائق سرية، تكشف عن قيام الاتحاد الأوروبي بتخصيص أموال لتدريب شرطة الحدود السودانية، بالإضافة الى توفير معدات التسجيل والمراقبة للسلطات السودانية، بما في ذلك مراكز الاحتجاز في شرق السودان. و ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الأموال جزءًا من الإجراء الخاص في أبريل 2016، أو منحة “إدارة أفضل للهجرة” أو منحة أخرى.
كما شارك العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك المملكة المتحدة وإيطاليا وألمانيا، مع السودان بشكل ثنائي حول قضايا الهجرة. ففي ذات العام (2016 )، وقّعت وزارتي الداخلية الإيطالية والسودانية مذكرة تفاهم، ذات صلة مباشرة بـ “عملية الخرطوم”، حيث ركزت المذكرة بشكل خاص على “إدارة الحدود” و”تدفقات المهاجرين” و”عودة المهاجرين السودانيين من إيطاليا إلى السودان”. كما بدأت المملكة المتحدة “حوارًا استراتيجيًا” مع الخرطوم، لا سيما حول قضايا الهجرة .
ونوه التقرير أن التعاون بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع السودان بشأن الهجرة، وهو محور “عملية الخرطوم” أدي إلى إثارة نقاشات في أوروبا.
فمن النقاط المهمة في النقد، كما أوضح ممثل الاتحاد الأوروبي السابق (والأخير) للسودان، “روزاليند مارسدن” ، هو أنه “من خلال تصوير السودان في المقام الأول كدولة عبور بدلاً من بلد منشأ، فإن” عملية الخرطوم “تقلل من شأن السودان و دورها كواحدة من أكبر منتجي اللاجئين في العالم، وحقيقة أن العديد من أولئك الذين يحاولون العبور من ليبيا أو المخيمات في أوروبا، هم من سكان دارفور”.
كما أشار “جسبارز” و”بيوكانان سميث” إلى أن “هذا النهج لن يفعل الكثير لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة من “دارفور” ، أي الاضطهاد المنهجي لمجموعات عرقية معينة”.
ولفت التقرير إلي أن السودان هو أحد بلدان المرور العابر الرئيسية للمهاجرين من القرن الإفريقي، وكذلك ثالث أكبر دولة مضيفة للاجئين في إفريقيا، حيث يوجد 800 ألف لاجئ على أراضيه.
ولكن لا يقل أهمية عن ذلك، أنها تمثل أيضاً ثاني أكبر عدد من الأشخاص النازحين داخلياً في القارة ،حيث يقدر عددهم بنحو 3.2 مليون، بالإضافة إلى حوالي 600 ألف لاجئ سوداني في كلٍ من “تشاد” و”جنوب السودان”.
وأوضح التقرير إلي أن موجات النزوح الهائلة، و التي تحدث في الغالب على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية، تعزى أساسًا إلى استراتيجيات الحكومة السودانية لمكافحة التمرد في مسارح الصراع الثلاثة الحالية في البلاد (دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق).
هذه الصراعات المستمرة، فضلاً عن انعدام الحكم الديمقراطي، كانت من بين الأسباب الرئيسية للعدد المتزايد من السودانيين، ولا سيما أهالي دارفور ، الذين يهاجرون إلى ليبيا وأوروبا، حيث بدأت الأرقام في التزايد عام 2013، عندما غادر ما يقدر مابين 30 الى 60 ألف سوداني بلدهم إلى “ليبيا” أو “مصر” .
وأكدت المنظمة في تقريرها أن الأرقام بدأت في ازدياد بين عامي 2014 و 2016، و تضاعف عدد السودانيين الذين يصلون إلى إيطاليا الى ثلاثة أضعاف، وفق ما تم التعرف عليه من طلبات الحماية واللجوء المقدمة في أوروبا، ففي فرنسا – أول بلد أوروبي يستقبل طلبات اللجوء السودانية .
هذا وأكد التقرير أن في عام 2017، كانت السودان أول جنسية من حيث عدد طالبي اللجوء والراغبين في الحصول على وضع اللاجئ، مع نسبة تصل لأكثر من 20 ٪ من جميع حالات القبولبشكل عام، حتى في مرتبة سابقة لسوريا والعراق، غير أن حوالي 75 ٪ من طالبي اللجوء السودانيين في فرنسا حصلوا على وضع اللاجئ أو الحماية في عام 2017. – يتبع –