أثارت لجنة ازالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو حفيظة آل المهدي اصهار بعض رموز الحزب البائد، وقبل ذلك شهدت المنابر ايضاً تجاذبات بين هذه اللجنة ووزير المالية صاحب الخلفية الاسلامية المعلومة، فهل يا ترى مَن مِن بين هؤلاء يمتلك ناصية الحق وحجية الحقيقة؟، لقد وجدت هذه اللجنة التفكيكية تأييداً شعبياً كبيراً واصبحت مؤتمراتها الصحفية المنعقدة منتصف الليل ملاذاً ومتنفساً للحانقين على منظومة حكم الرئيس المخلوع، وبين هذا التلاحم الثوري مع اللجنة وذاك الشجب والنقد الموجه من بعض المشتبه في علائقهم مع انصار الحزب المحلول، تضيع الحقائق ليجد المراقب نفسه داخل حيّز رؤية ضبابية قد تذوب فيها الأدلة والبيّنات، فالمال العام بعد زوال الحكم المتجبر الذي كان متمكناً من دور القضاء وساحات الاعلام واقسام الاجهزة الأمنية القمعية، اصبح على مرمى حجارة الصحافة الحرة وسهام الاعلام المفتوح بفضل دماء شهداء ديسمبر وابريل، فلا عاصم لكل من تقلد منصباً اقتصادياً ومالياً من نيران مدافع الناشطين والكتاب والصحفيين، وماتزال الغلوطية المفصح عنها من قبل وزير المالية تراوح مكانها، فلا اللجنة التفكيكية تقدمت بسندات القبض الصادرة من الوزارة المختصة التي من اوجب واجباتها أن تكون وصيّة على المال العام، ولا وزير المالية واصل في تصعيده المتحدي للجنة التفكيك بتقديمها لايصالات الاستلام.
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة وغياب الاجهزة الرقابية والقانونية وانعدام الشفافية، بين لجنة التفكيك والجهات ذات الصلة والتي لها حق العلم بالمال المسترد فاقمت الشكوك حولها، ولابد من مكاشفة عاجلة تضع النقاط على الحروف وتبريء الذمم، والمنهج الثوري الذي تتبعه اللجنة وحده لا يكفي لأن ضعاف النفوس المحتملين بين رموز التفكيك قد يستغلون هذه السيولة الادارية والرقابية في ارتكاب مخالفات، وتجربة الحكم التمكيني أثبتت أن ضبط حركة المال العام لا تعتمد على النزاهة الشخصية للأفراد بقدر ما تحتاج الى (سيستم) مؤسسي يلزم المفككين بالسير على خطى مباديء الثورة المملوكة لعامة الشعب ومالها العام، وهنالك مواقف لبعض منسوبي اللجنة يجب أن لا تمر دون التوقف عندها والتثبت حولها، مثل استقالة رئيسها وصراع مقررها مع كبريات شركات الاتصالات ما أدى لاعتقاله ومقاضاته من قبل هذه الشركات الكبرى، فالتهريج الذي يحدث بين وقت وآخر لا يبشر بخير ويشي بأن هنالك أمور غامضة تدبر وتطبخ بليل لا علم للشارع الثوري بها، فعلى الثوار أن لا يمنحوا أي مؤسسة كانت شيكاً على بياض خاصة وأن برلمان الثورة لم يقم بعد.
السلوك العام لمنظومة الانتقال يشير الى أنها لا تحبذ المشي على طريق البائدين بعد سطوهم على سلطة الشعب، لذلك رأينا السير البطيء لمداولات محاكمات الانقلابيين، في لفتة قانونية وقضائية بارعة توحي للناس بأن عهداً قضائياً وعدلياً جديداً قد بدأ، وأن البلطجة الكيزانية لن تكون ديدناً للحكام الجدد فيما يرتبط بتحقيق العدالة بحق الظالمين، فبذات النهج نتساءل لماذا آثرت لجنة ازالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو الاعتماد على الضخ الاعلامي، للمادة المتناولة لنشاط استرداد الأصول والسيولة النقدية التي استباحها التمكينيون؟، كثير من الاداريين في المؤسسات والشركات التي طالتها يد اللجنة شكوا من سوء تقدير الناطقين اعلامياً باسم اللجنة، لعدم اتخاذهم بعض الاجراءات الادارية البديهية التي يجب أن تتخذ قبل اطلالتهم على شاشة التلفاز، وكانت الشكاوى تدور حول أن المؤتمرات الصحفية غالباً ما تسبق الاجراءات الادارية القاضية باكمال عمليات تسريح واقالة رموز مؤسسات النظام الطاغوتي، على سبيل المثال: هناك مدراء بنوك ورؤساء مجالس ادارة هذه البنوك وموظفو بعض الشركات الحكومية يحتفظون ببيانات ومعلومات سريّة يمكن أن تستغل ضد منظومة الحكم الانتقالي اذا ما استخدمها حاملوها استخداماً انتقامياً، فمؤسسات الحكم بعد سطوة الثلاثين عاماً ليست كتلك المؤسسات التي خطفها البائدون من يد آخر حكومة منتخبة.
السهام التي اطلقها وزير المالية صوب اللجنة هزّت كيان بعض منسوبيها،؟ فانداحت في الأسافير مستندات مالية مسرّبة من اضابير مكاتب اللجنة الأمر الذي يقدح في كفاءة منسوبيها وخبرتهم في اداء مثل هذه الواجبات المحاسبية والمراجعية والقانونية الصرفة، وهنا يتبادر للأذهان السؤال المحوري: هل تم اختيار طاقم اللجنة ارتكازاً على الطرائق المهنية أم بناءً على الولاءات السياسية؟، فقد شهدت ساحة الحكم الانتقالي تكالباً على الوظائف التنفيذية والسيادية غير مسبوق، وهذا يعني بالضرورة أن اللجنة المنوط بها إزالة جذور نظام الطاغية ليست ببعيدة عن هذا التكالب، والأيام القادمات ستكشف ما ظل يدور خلف الجدر المعتمة اذا ظلّت الأصوات المشككة في نزاهة اللجنة وحياديتها في تصاعد مستمر، أمس هجم عليها الولي الوصي على المال العام واليوم خرجت كريمة الامام الراحل الصادق المهدي عن صمتها، ولاندري ماذا نشاهد غداً، فالمثل السوداني يقول (العود كان ما فيهو شق ما بقول طق)، وهنالك الكثيرات والكثيرين من المتربصين والمتربصات بالفترة المؤقتة ومعهم الموظفون العميقون والمعيقون الذين يحتفظون بأسرار كبرى، فلقاء الصراحة والشفافية والمكاشفة لابد أن يأتي ولو بعد حين.
اسماعيل عبد الله
[email protected]
4 يوليو 2021