كثر الكلام عن تطوير التعليم بعد ثورة ديسمبر و تعين القرائ مديرا للمناهج ،لمواكبة التطور العالمى ، والهدف الأسمى لهذا التطوير وهو بناء انسان متكامل يستطيع التفاعل مع مجتمعه بالكامل ويمارس دوره الإيجابي في المواطنة لخدمة احتياجات مجتمعات تحترم التعددية وبناء مواطنين فاعلين، يتم تهيئتهم للتعامل مع التحديات المعقدة والقدرة على تحقيق التغيير الإيجابي. بدلا من ذلك، فإن جل التركيز الحالي يعتمد على المؤشرات الدنية والايدلوجية بهدف إذابة هوية الشعب وتدمير التعليم عن قصد بتخريخ أجيال أنصاف متعلمين وجهلة لا يجيدون حتى القراءة والكتابة التي تعد أولي الأهداف العامة للتعليم ، وبالتالي يصير الشعب فاقدا للوعي الثقافي والحضاري والسياسي متجاهلا النوعية، وبذلك لا يتم تحقيق الهدف الأسمى لهذا التطوير. إن التركيز الضيق على التربية الاسلامو عربية يغفل حقيقة أن الازدهار الاقتصادي و الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي ايضا مرتبط بنظام تعليمى يربى مجتمع على قيم العدل والمواطنة المتساوية واحترام التعدد الدينى والثقافى.
ان الهجمة الشرسة من قبل الاسلامين على المنهج الدراسي الجديد الذي يعتبر من المواضيع التربوية المهمة؛ لأنه أساس التربية، كما أنه يحل جانباً متميزاً في الدراسات التربوية القديمة والحديثة، وسبب ذلك أنَّه يُستخدم كأداة مجتمعية ودولية لتحقيق الأهداف التي يسعى إليها لبناء المجتمع، وتحقيق الخطط التنموية الشاملة على المدى الطويل والقصير، وهو وسيلة لتشكيل وتقويم سلوكيات أفراد المجتمع في الحاضر والمستقبل؛ لأنه يزود الطلبة بالمفاهيم والحقائق التي تحفزهم على البحث والاستمرارية في طلب العلم والتعلم، كما أنّه يحد من ظاهرة الاعتماد على النقل والتقليد إن كانت أسسه متطورة وفعالة.
فالتركيز على تلقي منظومة معرفية معينة ذات طابع دينى دون التكامل مع المجتمع بأكمله سينتج أجيالا من المواطنين غير فاعلين فالتركيز على الجانب الدين الواحد فى بلد متعدد بنظره واحادية للتعليم وإغفال جوانب اخرى يمثل إشكالا أخلاقيا ويؤدي بالنهاية إلى هزيمة ذاتية,لا بد من الاعتراف أن النظام التربوي القديم ليست مصمم لتحتضن قيما كالمواطنة المتساوية والديمقراطية. فالنظم المدرسية مصمم لتشجيع المدرسين والمدرسات لتعليم مهارات إدراكية منخفضة المستوى على حساب مهارات اعلى قيمة كالتفكير الناقد والتحليل والتقييم. لذا، فان مدارسنا تنتج خريجين وخريجات ليس لديهم مؤهلات غير مسلحين بمهارات اللازمة للتعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي تواجهنا – إضافة إلى أنها لم تنجح أيضا في تلبية احتياجات سوق العمل.
ان هناك حاجة ماسة لإعادة النظر فى دور وزارة التربية والتعليم، فمركزيتها في صنع القرار واعتمدها على التكفرين الذين ينادون بأسلمت التعليم أدى لانغلاقها المتزايد عبر العقود الماضية وارتباط المؤسسة التعليمة بالاحزب الحاكمه فى كل الانظمة التى مرت على السودان بسياسات مفادها أنها وحدها المناطة بتطوير التعليم دون اعترافها بدور المجتمع بأكمله في ذلك. تحتاج عملية التطوير لجهد مجتمعي تلعب فيه الوزارة دور المشرف والميسر بدلا من دور الحاكم بأمره.لقد أخذ الجدل حول تطوير التعليم في بلادي منحى سلبيا للأسف، بسبب انطباع البعض أن هذا التطوير يشجع الطلاب على التشكيك بأمور دينهم. هذا ليس نقاشا تربويا وإنما سياسي بامتياز. فالتعليم الديني في منطقتنا كان يتضمن تاريخيا التفكير الناقد وكان يهدف الى تعليم الطلاب ليس فقط حفظ النصوص وإنما أيضا تطبيق مفاهيم الدين الأساسية في حياتهم اليومية.
اخيرا يجب ان لا نسمع لدعوات التكفرين والتطرف الدينى ببث افكارهم داخل المؤسسة التعليمية من حقنا أن نطالب بنظام تعليمي حديث؛ يطال القيم وطرق التدريس، قبل أن يطال النواحي التقنية، يعلم الفلسفة والفن والموسيقى، وتعدد الآراء والمذاهب والأديان، كما يعلم الرياضيات واللغة الإنجليزية والعلوم، ويضع كل ذلك ضمن منظومة متكاملة، تشمل تدريب المعلمين وتحسين المناخ المدرسي الذي يشجع ثقافة الحوار. وبث روح الإنسانية والتاسمح في مناهجنا،لأنها التطرف والجهل وتفشى القبيلية التى اديت الى نتائج كارثية وحروبات وسط مجتمعنا ، فإننا نستطيع بناء مشروع تعليمى, تربوي, تنويري متكامل بعيدا عن الانحياز الى اى جماعة دينة او ثقافية تود ان تفرض نفسها.
بقلم / صلاح الدين ابوالخيرات بوش