عبد العزيز التوم
هي تلك الديمقراطية التي جاءت بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سدة الحكم في أعظم دولة ذات تقاليد وممارسة ديمقراطية راسخة، بذات الديمقراطية ظل ترامب رئيسا لجميع الأمريكان؛ مناصريه ومعارضيه ابتداء، وعلى الرغم من طريقته وأسلوبه الفذ والغليظ في التعامل مع الخصوصيات الثقافية والدينية، وحربه الضروس ضد الوسائل الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية، وعلى الرغم من كل هذا وذاك ظل رئيسا بقوة الديمقراطية الأمريكية.
هي تلك الديمقراطية مكنت ” ترامب” الاعتراض وعدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات الرئاسية الذي بموجبه فاز “جو بايدن” بالرئاسة بعدد أصوات لم يسبق له مثيل في تاريخ الانتخابات الأمريكية، كل ذلك بسبب أن الشعوب المتحضرة يعرفون متي وكيف يقدمون الرد العملي الحاسم للقيادات ذو النزعات الاستبدادية والدكتاتورية الذين يستفيدون من ميزة الديمقراطية ويأتون الي الحكم. باسم الديمقراطية ومؤسساتها العدلية والقضائية العتيقة، استطاع ترامب إشباعا لشهواته السلطوية ، أن يخوض حربا قضائيا خاسرا في كل المحاور والجبهات، تشكيكا وطعنا في خاسرة الديمقراطية الأمريكية ،ولعمري لأول مرة أشهد أن يدعي (يقرقر) رئيس ما زال ممسكا بكل زمام الأمور بتزوير العملية الانتخابية ،حقا إنها حلاوة الديمقراطية ورحيق خيرات دولة المؤسسات ، يا تري ماذا يحدث لو كان الحال في السودان أو في أي دولة أفريقية أو عربية ،بالطبع أن الرئيس يملك كل شيء ، يكون الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية تحت إمرته وسلطته ،يستطيع أن يوظفهم لكل رغباته وملذاته الاستبدادية ،حتي الأجهزة القضائية والعدلية يكون في يده ،يعملون ليل ونهار من اجل تزوير إرادة الشعب باسم العدالة والقانون ،وكذلك الفنانون والمغنون ورجال الدين يُطوعون مادتهم الفنية والدينية من أجل القائد والزعيم الملهم .
هي تلك الديمقراطية أتاحت فرصة لرئيس ترامب أن يدعو مناصريه للخروج والتظاهر، بل تحريضهم لاقتحام الكونغرس الأمريكي في محاولة لتعطيل جلسة المصادقة الرسمية على فوز جو بايدن في السباق الرئاسي، هذه الحادثة علي الرغم من أنها أحدثت صدمة كبيرة لمناصري الديمقراطية في العالم ،وعلي الرغم أن الشامتون للنظام الديمقراطي جعلوها ذريعة لنعت وتأكيد مواقفهم بعدم جدوي الديمقراطية في المجتمعات الإنسانية ،إلا أن الحقيقة التي يتجاهله هؤلاء، عمداً أو جهلاً، أن الديمقراطية ليست نظاماً مثالياً، ربما تكون أفضل نظام أنتجته البشرية، بيد أنه طافح بالثغرات والنواقص والعيوب، فقد جاءت الديمقراطية بالفاشية والنازية، وجاءت بالشعبويين من اليمين المتطرف مثل ترامب … لكن السؤال: ما الذي جاءت به النظم الأخرى، من أوتوقراطية وثيوقراطية وغيرها، غير الكوارث والمآسي لشعوبها وأوطانها؟ ، نعم بذات الديمقراطية ومؤسساتها الراسخة سوف يتم محاسبة ترامب عن أفعاله غير القانونية ،وفي هذه المرة لو فلت من لائحة الاتهام المقدمة من الكونغرس لم ولن يلفت من القانون بعد انتهاء ولايته والتي لم يتبقى له سوي أيام قلائل .
عبد العزيز التوم
[email protected]