د. فيصل عوض حسن
انتظم السُّودانيُّون في احتجاجاتٍ شعبيَّةٍ عارِمة، بدأت بمدينتي بورتسودان وعطبرة، ثُمَّ امتدَّت لتشمل العديد من الأقاليم بمُدُنِها المُختلفة (بربر، دنقلا، كريمة، كسلا، الأُبَيِّضْ، القضارف، الجزيرة أبَا، كوستي، رَبَكْ، سِنَّاْرْ، مدني/الهِلاليَّة، النُّهُود، أمدرمان والخرطوم وبحري بأحيائهما المُختلفة)، رغم الانتشار الأمني الكثيف والاستخدام (المُفرط) للقُوَّة من المليشيات الاسْلَامَوِيَّة، بإطلاق الرُصَّاص الحي على المُحتجِّين (السَلمِيِّين)، مما أسفر عن استشهاد وإصابة العديدين، خاصَّةً عطبرة وكريمة والقضارف ومنطقة الحاج يُوسُف بالخرطوم.
بَدَأت الاحتجاجات باجتهادٍ شعْبيِ (خالص) دون أيِّ مُشاركة فاعلة من (الكيانات) السُّودانيَّة (مدنيَّة أو مُسلَّحة)، ولا تزال كذلك، ولو كانت هناك من مُشاركة، فهي (شخصيَّة/فردِيَّة) وفي حدودٍ ضيِّقة من واقع ما شاهدناه جميعاً، سواء من واقع الإصابات أو الاعتقالات أو الصور والمقاطع المُتَدَاوَلَة للاحتجاجات الجماهيريَّة الماثلة. حيث خرج السُّودانيُّون للشوارع فُرادى وجماعات، وبفئاتٍ عُمريَّةٍ مُتفاوتة، ومِهَنٍ وقطاعاتٍ مُتنوِّعة، وبعَفَوِيَّة واضحة دون قيادةٍ مُوحَّدة، يقودون أنفسهم ويحمون بعضهم بعضاً، لهم هدف وغاية واحدة فقط هي الإطاحة بالعصابة الإسْلَامَوِيَّة المأفونة. والواقع أنَّ الشباب السُّوداني، أثبتوا (مُجدَّداً) قدرتهم على تحمُّل المسئوليَّة، بعيداً عن (الأوصياء) و(الانتهازيين)، حيث قادوا الحِراك الجماهيري الماثل، ولا يزالون، بقُوَّةٍ وثقةٍ عالية، وَوَاجهوا الصَلَف والبطش الإسْلَامَوِي بشجاعتهم المعهودة، وهم بذلك أَوْلَى بـ(قيادة) أنفسهم لإحداث التغيير المنشود، وإدارة وتسيير الدولة عقب التغيير بعدما (فَشَلَ/عَجَزَ) الموصوفين برموز، ومن معهم من مُغامرين ونُخَبِ مُتسلِّقة أو تائهة أو أنانيَّة وناكرة للوطن والعَشِيرة!
على الشباب السُّوداني الذي خرج إلى الشوارع ببسالة وَوَاجه الموت بشجاعة، أن يحموا حقوقهم وثورتهم التي دفعوا ثمنها من دمائهم الطَّاهرة وألا يسمحوا بسرقة تضحياتهم، وعليهم الإسراع بالتنسيق في ما بينهم عبر وسائل التواصُل المُختلفة، وينتظموا في جسدٍ واحد ومرجعيَّة شبابيَّةٍ خالصة، يُديرونها بأنفسهم ويُشرفون عليها بعيداً عن طُلَّاب السُلطة وتَجَّار الحروب، وبالطبع سيجدون من يُساندهم من الخُبراء والمُتخصَّصين الوطنيين (المُستقلِّين) متى احتاجوا للعون والاستشارة. وكمرجعيةٍ للعمل الشبابي، أُجَدِّد دعوتي السابقة بتشكيل مجلس قومي من كل أقاليم السُّودان، وفق التقسيم الإداري التالي: دارفور، كردفان، الشرقي، الأوسط، النيل الأبيض، النيل الأزرق، الشماليَّة والخرطوم، وبمُعدَّل شابَّينِ اثنين/للإقليم (16 عُضواً)، يختارهم أبناءُ الإقليم المعني بأعمارٍ تتراوح بين 20-45، بغض النظر عن دياناتهم أو أعراقهم أو أنواعهم (ذكور/أُناث)، وبما يضمن تمثيل كل السُّودانيين في الحكم. ويُمكن لأبناء كل إقليم، التواصُل مع نظرائهم بالأقاليم الأخرى، سواء بالأحياء السكنيَّة أو الجامعات، أو ذوي التخصُّص/المجال الواحد، لإنضاج الفكرة واختيار مُمَثِّلي الأقاليم المُختلفة. وبالنسبة لنظام الحكم (فيدرالي/مركزي/لامركزي)، يتم الاحتكام لمبادئ الإدارة العلميَّة الرَّصينة، حيث يتم اختيار النظام الإداري وفقاً لتوفُّر مُقوِّماته وعوامل نجاحه (إداريَّة، اقتصاديَّة/ماليَّة، ثقافيَّة/معرفيَّة، اجتماعيَّة وسياسيَّة)، بعيداً عن الارتجال و(دَغْدَغَة) مشاعر البُسَطاء، وذلك (بعد التغيير) لفترةٍ انتقاليةٍ لا تقل عن خمس سنوات، يُمكن بعدها إعادة انتخاب أعضاء المجلس وتجديد الثقة فيهم، أو اختيار آخرين بحسب رغبة أبناء الإقليم المعني.
لِيُسَارِع الشباب إلى الالتحام والاتِّحاد الحقيقي باعتباره (المَخْرَج) الوحيد (الآمن)، تبعاً لحَساسيَّة مرحلة ما بعد التغيير، والتي تحتاجُ جهوداً جَبَّارة ومُخلِصَة وأنفسٍ مُتَجَرِّدة، لإعادة بناء وتأهيل السُّودان بالكامل بعدما أصبح خواء، من فرط (نَكَبَات) المُتأسلمين والموصوفين بكيانات لا يهمها سوى مصالحها الماليَّة والسُلطَوِيَّة. وليبتعد الشباب عن أي آمال أو تَوقُّعات دعم خارجي (دولي أو إقليمي)، لأنَّ العالم بكامله (تآمر) على السُّودان وأهله، ويستكثر علينا مُقدَّراتنا، ونحن بالأساس لا نحتاج لدعم وإنَّما (أخلاق/وطنيَّة/تَجَرُّد)، ثُمَّ إدارة علميَّة رصينة لننهض بأنفسنا وبلادنا، وحينها سيأتينا العالم أجمع طالباً القرُب والتعاوُن. ولقد انتهت عهود (الوصاية) والجمود، وحَلَّ مكانها العلم والتخصُّصيَّة، وكثيرٌ من الدول يقودها شبابها، وأثبتوا قُدرتهم على إدارة ونهضة أوطانهم. وأنتم يا شبابنا السُّوداني – رغم الظروف غير المُواتية التي تحيونها – لا تقِلُّون عن نظرائكم في كثير من دول العالم مهارةً، قياساً بنضالاتكم الوطنيَّة ومواقفكم البطوليَّة والإنسانيَّة، وتضحياتكم المشهودة بأرواحكم ومُستقبلكم وثباتكم وصدقكم، الذي يفتقده الكثيرون من الموصوفين بقادة ورموز.
كونوا أنتم الوطَن وقودوه إلى بَرِّ الأمان، وأسِّسوا لثقافة الحُرِّيَّة بأبعادها ومعانيها وقِيَمِها العديدة، دون وِصَاية، ولا تخشوا أو تترددوا في أحلامكم، لأنَّكم (الصُنَّاع) الحقيقيُّون، وستكونون (الضحايا) الحصريُّون لو (تَراخَيتُمْ) في ذلك، فخذوا فرصتكم كاملةً لإدارة وتسيير السُّودان، ولا تدعوا الفرصة لسيادة أجيال جديدة (مُدمِّرة) من المُتأسلمين والانتهازيين، لِيُحَطَّموا آمال وأحلام ثلاثة أجيالٍ مُتتاليةٍ منكم، وابتعدوا عن العصبيَّة والجَهَوِيَّة/القَبَلِيَّة التي صنعها المُتأسلمون وتَاجَرَ بها المُغامرون، وأحذروا من تقسيم السُّودان تحت أي مُسمَّى، لكي لا يتلاشى ما تبقَّى من البلاد وأهلها، وأعلموا أنَّ انفصال أي جُزءٍ من السُّودان، سيكون مصيره فشل ذلك الجُزء ومن بعده بقيَّة الأجزاء، وزوال السُّودان بكامله كنتيجةٍ نهائية، مما يُحتِّم توحُّد الجميع لإنقاذ ما تبقَّى من بلادنا، وتهيئة عوامل النهضة والاستقرار لأجيالنا القادمة.