لا شك أن اجهزة الاعلام والروابط والفرق الفنية والموسيقية لها دور محوري في تهذيب النفوس وصقلها بقيم التسامح والتصالح المجتمعي، هذا الدور يأتي على رأس الأولويات التي تسبق تفعيل القانون الخاص بمحاربة الكراهية الذي اعدّه وزير العدل، لقد درجت بعض الفرق الكوميدية والمسرحية طيلة سنين الدولة السودانية الحديثة على زرع بذور الكراهية بين مكونات المجتمع السوداني، وذلك بتنميط الشخصية السودانية بناءً على الأساس القبلي والجهوي، ومثال على ذلك تنميط المواطن القادم من اقليم الجزيرةبشخصية افتراضية اسمها (اهل العوض)، هذا على سبيل المثال وليس الحصر، لأن الأمثلة كثيرة اذا اخذنا في الاعتبار أن ذات التنميط قد لحق بالمواطن الجنوبي والشرقي والشمالي والغربي، هذه الفرق الكوميدية والروابط المسرحية يا سعادة الوزير يقع على وزارتكم عبء تصحيح مسارها الخاطيء، الذي ما يزال يصب الزيت في نار التماسك السكاني، فلايمكن ان تتمركز مادتها الدرامية في دق اسفين الكراهية والاستعلاء الجهوي والقبلي بين مواطني الوطن الواحد، ولا يعقل ان يدور محور الرفاه وتسلية الروح حول موضوع القبيلة، هذا السلوك الممارس من قبل المؤسسات الفنية والثقافية التي يرجى منها المساهمة في رتق اللحمة الوطنية، لا يتناسب مع اهداف ثورة ديسبمر المجيدة التي تمثل فيها وزارتكم حائط الصد المنيع وخط الدفاع الأول.
التناقض في موجهات الرسالة الاعلامية للاجهزة المعنية بتصحيح المفاهيم المنطلقة من مركز القرار الثقافي، يتضح في أن طرحها العام لا بأس به في خصوص محاربة الكراهية، لكنها تسمح لبعض الواجهات الثقافية باستمراء السير على درب هذا التناقض، فبعض اذاعاتنا تضج بالاصوات المنادية بتضميد جراحات الصراع القبلي في دارفور، وهذا عمل يجب ان يثمن، لكن في الوقت ذاته تجد هذه الاذاعات والقنوات التلفزيونية تقدم برامج مثيرة للتمايزات القبلية والمفاخر الجهوية، مما يجعلها فاقدة للأمانة الاعلامية وغير مؤهلة اخلاقياً للعب الدور الاصلاحي المضمد لجراحاتالوطن، لو نظرنا للانسان في اقليم دارفور المنكوب الذي اكتوى بفتنة الصراع العرقي، حينما يأتي هذا الانسان الى حضن بلاده التي يفترض ان تكون عزيزة به وان يكون هو عزيز فيها، يصطدم هذا المقهور بقسوة (المرحاكة) المركزية القابضة التي تمارس عليه الاقصاء الثقافي والاجتماعي، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، لقد شهدت ساحات التواصل الاجتماعي هذه الايام بروز اصوات التعالي الجغرافي الأخرق، نسبة للتقصير التوعوي والتثقيفي الواجب على وزارة الثقافة والاعلام القيام به، وازالة التمكين ليست مطلوبة في جانبها السياسي والاقتصادي وحسب، فالتمكين الثقافي هو الاخطر والاعظم لأنه يغذي شجرة فساد الأخلاق.
على اقسام وادارات التحرير عدم مجاملة كتاب الاعمدة الرئيسية في الصحف، اذا ما تعلق الامر بتهديد الأمن والسلم المجتمعي باثارة الكراهية بين المواطنين، ووزارة الثقافة والاعلام لها سهمها الرقابي على هذه الصحف التي في بعض الاحايين يستغل صحفيوها مساحة الحرية المتاحة بضرب قيم التسامح السوداني، في البلدان المحققة لمعايير دولة المؤسسات لا تجد مثل هذه الفوضى الثقافية الحاصلة في بلاد السودان، هنالك خطوط حمراء خطرها يماثل خطورة المواد البترولية القابلة للأشتعال، وهي (اثارة الكراهية)، حينها لا قدسية لكاتب عمود ولا عذر لمقدم برنامج تلفزيوني ولا حجة لارقوز مسرحي ساذج يحسب نفسه انه يحسن صنعا، وتزين له نفسه انه يقدم ابداعاً يشفي به ضجر النفوس الملولة، فما شهدته منصات الميديا من تشاحنات وتباغضات يجب ان يكون لوزارة الثقافة والاعلام دورها الفاعل في كبح جماح تمدد هذا السرطان الفاتك بجسد الوطن، فالنار من مستصغر الشرر والحرب اولها كلام، ولما للكلام من أثر عميق في تحريك المشاعر السالبة والايجابية للانسان، على الوزارة المسؤولة من ضبط هذا الكلام المكتوب والمسموع ان تراقب وتحاسب قائله وكاتبه وناشره اذا ما جنح الى ايذاء الآخرين.
المجتمعات السودانية في طور التخلق والتحول نحو التمدن والتموطن والتواجد تحت (سيستم) دولة المؤسسات، فهي مجتمعات اما ريفية او بين التريف والتمدن لم تصل بعد لمستوى المواطن المدائني الكامل الدسم، والدليل على هذا القول سيطرة المفهوم المغلوط عن النكتة وربطه بالقبيلة، وترقب هذا في حصر النكتة داخل الاطار والقالب القبلي الصرف – جعلي، رباطابي، شايقي، هدندوي – لا يمت الى المدنية التي نادى بها ثوار ديسمبر بصلة، فبلادنا مكتظة بأكثر من خمسمائة قبيلة ولغة حيّة، واذا ما سرنا على هذا الدرب واتينا بالكاهلي والركابي والزغاوي والهواري والكباشي والنوباوي والبطحاني والشكري والحلنقي والمسيري، اعتقد أننا سنعود الى جاهلية داحس والغبراء لأن لا أحد يقبل بأن يكون دون الآخر من خلال الرسائل المبطّنة لهذه النكات المغرضة، على وزارة الثقافة والاعلام واجب وطني عظيم في وقف هذه المهزلة، حتى يتفرغ الناس لبناء دولة المؤسسات التي ينشدون، على الاقل عليها ان تقوم بذلك على مستوى المواد المحررة والمنشورة في الصحف واذاعات (الاف ام) والقنوات التلفزيونية، أما الناشطين الصائحين عبربوابة مارك زوكربيرج فالأولى بضبطهم هو قانون الجرائم الالكترونية.
اسماعيل عبد الله
20-03-2021