انجمينا – صوت الهامش
بعد المكوث بسلام لـ 14 عاماً في مخيمات للاجئين ، يخاطر البعض بذلك كله ، في سبيل تحقيق حياة أفضل ، لهم و لأسرهم.
طويل، و نحيف، و يرتدي جلباباً أبيض، هو.. “يحي جمعه هارون” ، رجل يجسد اليأس، يمكنك ان تري ذلك في عينيه الحزينتين ، وكتفيه المتدليين ، وأن تسمع ذلك أيضاً في صوته خشن.
يحي لاجئ دارفوري في الـ45 من عمره، وهو مقيمٌ في مخيم “جبل” خارج منطقة ” قوز بيضه ” في شرق “تشاد”.. يقول يحي أنه ذهب إلى شمال تشاد للعمل لمساعده زوجتيه و أطفاله الـ 14 و دفع رسوم المدرسة لهم.
يقول يحيي في تقرير نشرته صحيفة “رفي الفرنسية” : “كنت مع بعض التشاديين، وطلبنا من رجل ما أن يساعدنا، توجهنا شمالاً إلى مناجم الذهب للعمل علي سداد الأموال التي ندين بها لذلك الرجل لإحضارنا إلى هناك” وقد كان ذلك عقب مغادرة يحي مخيم “جبل” في عام 2014.
عمل يحي في مناجم الذهب لمدة عام، قضى الأشهر الستة الاولي في “كوري- بوغودي” علي الحدود مع ليبيا. ولم يخبرهم الرجل الذي كانوا يعملون لصالحه كم كان المبلغ الذي يدينون له به، ولا الأجور التي حصلوا عليها نظير عملهم، وساءت الأمور بمرور الوقت كما يقول يحي.
يحكي يحي: ” حذرنا رئيسنا في العمل من أن الشرطة قادمه، لذا اخذوانا إلى المناجم في “كالينغا” بـ “ليبيا”، وقال لنا إن التشاديين قاموا ببيعنا إلى الليبيين”.
ذهب يحيي بصحبة رجل كان بمثابة زعيم العمال للمطالبة بحقوقهم ورواتبهم، يقول يحي : ” رفضوا التحدث إلينا، وقاموا بضربنا، حاولت بعدها أن أهرب ، لكنهم تمكنوا من اللحاق بي، وضربي مجدداً ”
شعر يحي بالهزيمة والكسر، ولم يقوى على المقاومة بعد ذلك، فقد انفصل عن عائلته لأكثر من عام، وليس لديه أي أمل في الحصول علي رسالة منهم ، أو أن يرسل لهم برساله، وقال: “أعتقدت اني لن أراهم مرة أخرى” ، الا أن بعضاً من التجار السودانيون والتشاديون في المنطقة، وإدراكاً منهم لمحنته، قرروا المساعدة.
يقول يحي: ” رأى التجار الحالة التي كنت عليها، لذا دفعوا ديوني وحرروني ،عدت إلى البيت إلى مخيم “جبل “.
أصيب رأس يحيي ويداه وكتفاه بجروح من جراء الضرب ، لذلك فإنه لم يستطيع القيام بأي أعمال أو أحمال ثقيله، وقد تسببت عودته خالي الوفاض بخسائر نفسية أيضا.
يكمل يحي: “قلت أنني ساذهب لمساعدة عائلتي، حينها كنت قويا، ولكن، بعد تلك المحنة والعودة إلى هنا، أنا حزين جداً، أنا غير قادر علي مساعدة عائلتي”.
تقول “آن شيفر” – رئيسه بعثه المنظمة الدولية للهجرة- بـ” أنجمينا “: “إن قصة يحي تعكس العدد المتزايد في قضايا الإتجار بالبشر، و التي أحالتها السلطات التشادية إلى المنظمة الدولية للهجرة من قبل”
وتضيف “شيفر” :”ان السلطات تقول لنا ، علي سبيل المثال ، انه من المحتمل ان يأتي الشباب بمظاريف من المال لعائلاتهم” ، موضحةً بذلك أن العامل غالبا ما يذهب إلى الشمال للعمل في مناجم الذهب.
وتكمل : ” “يحدث كل هذا بدون عقد عمل، فقط يلقون بأنفسهم في أيدي هؤلاء الناس، ويمضون قِدماً، دون أن يعلموا كم من الوقت سيستغرق ذلك العمل؟ أو أين؟ أو في ظل أي ظروف؟ أو عند أي نقطه سيبدأون في كسب المال لأنفسهم”.
توجه محمد احمد إبراهيم أيضاً إلى مناجم الذهب في شمال تشاد، ولكنه بالإضافة الى أنه كان يأمل في الحصول علي عمل، الا أنه كان يبحث أيضاً عن ابنه البالغ من العمر 17 عاما، و الذي كان قد غادر قبل سته أشهر.
أرغم محمد أيضا علي الاسترقاق، ويقول محمد : “انه من الصعب فهم كيف يمكن ان يحدث ذلك ، ولكن من المستحيل مقاومته، كما أن هناك بُعدٌ إثني أيضا” .
يضيف محمد: ” “لم نتمكن من مقاومة هؤلاء التجار، كان كل ما علينا فعله هو العمل، لم يكن لدينا هواتف حتى لنتصل بعائلاتنا، حتى أن قوات الشرطة كانت متواطئة مع التجار، لذلك فانها لم تقم بحمايتنا” .
كان محمد يعمل ضمن فريق مهمته الأساسيه القيام بحفر الحفر في قاع المنجم لمدة ساعتين من الزمن، ولكن لحسن الحظ، لم يكن في المنجم في منطقه نائيه.
وبالحديث عن الأوقات التي كان يفكر فيها في فرصة هروب محتملة، يقول محمد: “كنا بالقرب من قرية، مع جنود ما، ولكنهم من نفس القبيلة التي ينتمي اليها التجار، كما أننا لم نتمكن من الحديث معهم، فقد كانوا يتحدثون فقط لغتهم الام “.
عاد محمد إلى مخيم “جبل” للاجئين خالي الوفاض، ولا يزال ابنه في مكان ما في شمال تشاد.
شكل جديد من اشكال الاتجار .
حركات الهجرة الجديدة الى الشمال تعتبرخطره، ليس فقط بسبب الخوف من أن تصبح عبداً، ولكن أيضا لأن تغطيه شبكه الهاتف المحمول في تلك المناطق تكاد تكون معدومه، كما أنه لا وسائل نقل أو مواصلات رسمية أو منظمة، كما أن السائقين على تلك الطرق لم يألفوا المنطقة بعد، كما أن سياراتهم غير صالحه للسير، أو حتى لحمل ما يكفي من المياه، أو تجنب الألغام الأرضيه المزروعة في المنطقة، وفق ما ذكرت “شيفر” -رئيسه بعثه المنظمة الدولية للهجرة-.
يقول كلا الرجلين – محمد و يحي- أنهما يحذران الجميع في مخيم “جبل”، من الذهاب إلى مناجم الذهب في شرق تشاد، لأنهما تعرضا للضرب بانتظام، وهما الآن يعجزان عن القيام بأي عمل يدوي.
تقول “شيفر” إن تجارب محمد و يحيي يمكن تصنيفها علي انها اتجار بالبشر، ولكن “الأمر يختلف قليلاًعن تصنيف قصتهما على أنها دوره كاملة من الاتجار”
وتضيف: ” ان المنظمة الدولية للهجرة تجري مزيدا من البحوث لكي تتمكن من فهم هذه المشكلة الجديدة”
وقالت “شيفر” في اشاره إلى الأزمة الإقتصادية، وإنعدام الأمن الغذائي الذي يعصف بالبلاد: “ان التعريف الشائع لتلك الظاهرة لا يبدو عادلاً، وهو محدد تماما للظاهرة التي تحدث هنا”.
الطريق غير الأوروبي
تبين دراسة حديثة، أن 80 في المائة من الأفارقة المهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء، ينتقلون عاده إلى بلد آخر في القارة.
وأكد التقرير أن هذا هو الحال بالنسبة لعدد من اللاجئين الدارفوريين- الذين نجوا من الهجمات المميتة في عام 2003 من “الجنجويد”، – وهي ميليشيا سودانيه مواليه للحكومة مكلفه بقتل الدارفوريين- فقط ليشعر اللاجئين بالإحباط، ويعلقون في شرق تشاد لفترات طويلة.
وعلي الرغم من ان التركيز علي الهجرة قد ووجه بشكل مباشر عن طريق البحر الأبيض المتوسط، إلا أن عبدالرشيد اسحق حسن يروي لنا قصة مختلفةً قليلا، فبوصفه طالباً جامعياً في دارفور، فر عبدالرشيد إلى الخرطوم عندما اندلع القتال في عام 2003 حتى يتمكن من مواصلة دراسته، لكن حملةً قادتها الحكومة علي الطلاب الدارفوريين آنذاك، أجبرته علي الذهاب إلى مصر.
كانت مصر بمثابة ساحة نضال جديده لعبدالرشيد، علي الرغم من أن له صديقاً فيها، وهو موظف و جامعي أيضاً، لم يستطع عبدالرشيد أن يثبت قدماه على أرض مصر.
يقول عبد الرشيد أثناء جلوسه في خيمة التموين في مخيم اللاجئين في “جبل”: “كنا حوالي 15 فرداً، وقررنا عبور الحدود من مصر إلى إسرائيل، كنا نبحث عن الأمن “.
اثناء هروب عبدالرشيد إلى إسرائيل، أطلقت شرطة الحدود المصرية النار علي سته من أصدقائه، وقد أصيب بجروح طفيفه، ولكنه تمكن من الهرب، وقد تبين لاحقاً أن إصاباته كانت سبباً في دخوله إسرائيل، وقد حصل عبد الرشيد علي تأشيرة مؤقتة، لكنه لم يكن يملك القوة للعمل في أعمال البناء في تل ابيب، حيث كانت أعمال البناء هي خياره الوحيد.
وأضاف عبدالرشيد إن الوضع في إسرائيل كان صعباً بسبب المشاعر المعادية للمهاجرين، فضلاً عن لون بشرته، أضف الى ذلك دينه، الإسلام، وهو أكثرما يزعج الإسرائيليين.
يضيف عبد الرشيد: “بعضهم كان طيباً، ولكن معظمهم لا يحبون الدارفوريين، أو السود بوجه عام، ومن وقت لأخر، تندلع الأحتجاجات المطالبة من الحكومة أن تعيدنا إلى وطننا “.
وبعد أن إعتمد عبد الرشيد على عطف زملائه الدارفوريين هناك، والذين وفروا له الطعام و المسكن، طلب العودة إلى دارفور.
يقول عبدالرشيد: ” ان الإسرائيليين أخبروني أنهم مستعدون لإرسالي إلى حيث أريد، طالما كنت اطلب منهم العودة إلى عائلتي”.
طار عبد الرشيد إلى مصر، وحاول التوجه إلى دارفور بنفسه، لكن السلطات المصرية لم تسمح له بذلك، وأصرت علي إرساله إلى الخرطوم عن طريق الطائره.
يحكي عبد الرشيد قائلاً: “عندما وصلنا إلى مطار الخرطوم توقفنا، جاء الأمن، كما لو كانوا يعرفوننا مسبقاً، وقد ميزونا من بين جميع الناس، ونجحوا في فصل اللاجئين الدارفوريين عن اللاجئين السودانيين الآخرين العائدين من مصر”.
وأشار ان الأمن السوداني، أخذ كل متعلقاته، وبدأ يبكي وهو يروي قصته ويقول: “الأمن في الخرطوم عذبنا بشده، لقد وضعوانا في الثلج وفي الماء البارد وضربوانا بشده، لا أستطيع ان أقول لكم كل ما فعلواه في تعذيبي “.
عذب الأمن السوداني عبدالرشيد علي مدي ثلاثة أشهر، واصفاً إياه بـ “الجاسوس” وقال:” لقد أخبرونا بأننا علي اتصال بإسرائيل وأن إسرائيل هي عدونا”.
بعد إطلاق سراحه، سلك عبد الرشيد طريقه إلى أسرته في مخيم “جبل” للاجئين على الحدود السودانية في “قوز بيضه”، شرق تشاد.
“جئت إلى هنا ، بحثاً عن الأمن” كما يقول.
يعيش عبد الرشيد الآن مع عائلته؛ أصبحت أسفاره ودراساته من الماضي، ولكن إصاباته التي لحقت به جراء هروبه إلى إسرائيل، وما تلاها من تعذيب في السودان، منعته من العمل للاسف، شأنه في ذلك شأن العديدين من الرجال، يقول عبدالرشيد صحيح أنه في مأمن الآن في مخيم “جبل”، لكنه لا يزال محبطاً تماماً، بسبب عدم تمكنه من الذهاب إلى أي مكان.