محمد بدوي
(1)
في العام 1983 م واجه إقليم غرب إفريقيا فجوة غذائية قادت إلي حالة من المجاعة ثأثرت بها أجزاء من إقليم دارفور لوقوعها ضمن النطاق الجغرافي كما زاد من ذلك الأثر إستضافة الإقليم للاجئين من دول الجوار الذين دفعتهم ظروف الفجوة الغذائية للجوء، خفف من ذلك الضغط علي الإقليم ذو الموارد الشحيحة رد فعل الحكومة السودانية بإعلان صريح للأزمة حيث ظلت تناشد الدعم تحت شعار (نداء السودان ) الذي كان التلفزيون القومي السوداني يبث مناشداته ، قاد الإعتراف بالأزمة إلي تدفق المساعدات الإنسانية الدولية ساعدت في الحفاظ علي أرواح الناجين الذين قابلوا ذلك بذاكرة شعبية أرخت لذلك العون الإنساني حيث لقبت الذرة ب(أفزعونا) لا تفوت علي حصافة القاري بأن مصدرها (الفزعة و النجدة ) بل مضت ذاكرة التقدير إلي إضفاء لقب اَخر علي الذرة وهو ( ريغان) في نسبتها للرئيس الأمريكي الأسبق (رونالد ريغان) و لعل النحت الأنثربوجي لمدلول اللقب يعبر عن إمتنان للمساعدة المقدمة ، لا تزال بعض الأجيال التي عاصرت تلك الحقبة تحتفظ قواميسها بذات اللقب للذرة الحمراء .
(2)
في العام 2014م حين غمرت السيول مناطق و أحياء بمدن العاصمة السودانية الخرطوم التي لا تكاد شبكات الصرف الصحي تغطي 7% من نطاقها ، هبت مجموعة شبابية لإطلاق مبادرة ( نفير) التي إستضافها مركز جسر للتنمية البشرية بالخرطوم لتمضي الجهود التي تمثلت في تقديم العون و المساعدة للمتضريين و لأولئك الذين هددتهم السيول في ملحمة شبابية طوعية ضمت الالاف من الشباب السوداني ، بل برز خلال الحملة العمق الخلاق للجهد الشبابي في إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي في المساعدة و طلبها ، إلي جانب التنبيه إلي المناطق المتضررة ، مظاهر الأزمة التي تجلت في غمر المياه و إجتياحها لمناطق سكنية ومرافق حيوية مثل الكباري لم يمكن السلطات من إنكار الأزمة فشكلت إعتراف ضمني .
(3)
من خلال التجربتين الدولية و الوطنية يمكن الركون إلي أن أسباب النجاح تركزت حول الإعتراف الصريح في الحالة الأولي و الضمني في الثانية ، من الثابت أنه من العسير في بعض الأحوال أن تتمكن الدولة أو السلطات المختصة مقابلة الكوارث أو حالات الطواري لوحدها ، ولا سيما أذا وضعنا في الإعتبار حالة السودان التي تعاني من تدهور مريع سواء علي مستوي إدارة الأزمات وتوظيف الموارد وفقاً للأولويات ، بالتالي يصبح من واجب الدولة السعي الحثيث إلي طلب المساعدة من المجتمع الدولي أو الإقليمي أو الطوعي الوطني الذي يزخر بكوادر فنية سواء في الداخل أو الخارج علي كفاءة عالية ، لكن كل ذلك يظل رهين بإعلان صريح من جانب السلطات المختصة عن الأزمة و مستوياتها .
(4)
الإدراك الواعي من قبل السلطات الصحية السودانية لماهية الأزمة و الدور المناط بها إلي جانب الإلمام بمفهوم الأدوار التكاملية للفاعلين الإقليمين و الدوليين أمر مفترض بداهة في من يتولي منصب يرتبط بالتعامل مع الأزمات ، فتلك الجهود التكاملية أو الاساسية الطارئة التي تقدمها المنظمات الأممية ووكالتها المتخصصة تقف علي أرضية إلتزام أخلاقي تجاه كرامة الأنسان في المقام الأول علي سبيل المثال لا تفوت علي فطنة القاري أحد النماذج الداعمة لما ذهبنا إليه ممثلة في خدمات التحصين التي تدعم جهودها احدي وكالات الأمم المتحدة (اليونسيف) ، و يرتفع هذا الإلتزام إلي إلتزام قانوني في حالة الوبائيات الواسعة النطاق لكون أن الدولة عضو في الأسرة الدولية ، إذن عدم الإعلان عن حالات النولات المعوية (الكوليرا )المنتشرة في بعض أقليم السودان و إخفاء سجلاتها و حرمان المواطنين من الحصول علي أمصال الوقاية تمثل حرمان للمواطن من حق أصيل في المساعدة الطبية من المجتمع الدولي في ظل وقف الحكومة عاجزة عن ذلك.
(5)
الواقع الطبي المتدهور في السودان الذي لا تحظي فيه الصحة بما يتجاوز 2% من الميزانية العامة للدولة أدي إلي إفقار البيئة الطبية و هجرة الكوارد الطبية أضف إلي ذلك التخبط الذي أصبح ملازما للتخطيط الطبي من سياسات تستهدف التخلص بالبيع من المؤسسات الطبية ضمن خطة الإستثمار الحكومية التي تسعي للتخلص من المؤسسات التي تحظي بمواقع حيوية ضمن نطاق المدن الكبيرة ، ما يقرع ناقوس الخطر هو أن حالات الطواري المرتبطة بالوبائيات تتطلب مقابلتها بإجراءات خاصة من تجهيز لعنابر العزل (الكرنتينات) , و عدد كاف من الكوارد الطبية المختصة و الأخري التي تعمل في مجال الإحصاء المعلوماتي .
(6)
المساعدات الطبية سواء من وكالات الأمم المتحدة أو الدول او المنظمات المختصة اثبتت جدواها في ازمة التعامل مع مرض الايبولا في غرب افريقيا تجربة غنية يجب الاستفادة منها إبتداء من الكشف للحالة الاولي التي بدات من دولة مالي الي أن ضرب الوباء دولة سيراليون و أُعلن خلوها من الحالة الاخيرة ، بل السيطرة التي قامت بها كل من نيحيريا و غينيا الاستوائية و السنغال للتعامل مع حالات الايبولا تكشف عن الاهتمام بالطبي بالعلاج و متابعة الحالات علي سبيل المثال إستطاعت نيجيريا تعقب الحالة الاولي لقادم علي متن إحدي الطائرات شغل المقعد رقم (41) ليتم الوصول اليه عن طريق سجل المسافرين وتمتد المتابعة لتشمل الركان المحطين بالمعقد رقم (41) للتاكد من إحتمالات إنتقال العدوي
(7)
ما يثير الحيرة ان السودان ـأعلن حالة الطواري في العام 1989م لدواعي سياسية بل ظلت مناطق كثيرة مثل إقليم دارفور لم يشملها رفع حالة الطواري حتي مع توقيع اتفاق السلام في العام 2005 م ، لاحقا في العام 2012م تم الاعلان عن حالة الطواري شملت بعض الادارات المحلية باقليم النيل الأزرق و جنوب وغرب كردفان و ايضا لاسباب سياسية تتعلق بالعلاقة مع دولة جنوب السودان ، تتفق الأسباب التاريخية لإعلان حالات الطواري في السودان في إرتباطها بدواعي سياسية تحت ذرائع الحفاظ علي أمن وسلامة المواطن وصيانة وصيانة تراب الوطن ( بغض النظر علي اتفاقنا او اختلافنا معها ) إذن انطلاقا من هذه الفلسفة اليس الاجدر اعلان حالة الطواري الصحية في المناطق المتضررة بوباء السحائي فهو يصيب الانسان او المواطن الذي أعلنت حالات الطواري السياسية من اجل أمنه وسلامتة و سيادة الارض التي يقطنها .