التقت بالعاصمة الكينية نيروبي، في الفترة ما بين 24- 26 إكتوبر 2016، وبدعوة من المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً، قيادات من القوى المدنية بشرق السودان، للتدارس و للتفكير الإستراتيجي حول قضايا الاستقرار والتغيير في الشرق. وتوصل المجتمعون(ات) إلى جملة من التوصيات وبرامج للعمل المشترك تحت عنوان: “إعلان نيروبي لقضايا التغيير في شرق السودان”.
وهدف اللقاء إلى الوصول إلى رؤية وأهداف مشتركة تعزز من عملية التنسيق و وحدة القوى المدنية في شرق السودان، ودورها في التغيير الإيجابي على المستوى الإقليمي والقومي. شارك في الاجتماع مجموعة من قيادات المجتمع المدني ينتمون لولايات إقليم الشرق الثلاث، وبتنوع ثقافي وإثني عبّر عن التركيبة الإجتماعية للإقليم، إضافة لعدد من قيادات القوى السياسية بالإقليم، وقيادات من المجتمع المدني السوداني، بما فيها مبادرة المجتمع المدني.
وجاء انعقاد اجتماع القوى المدنية حول الشرق متزامناً مع الذكرى العاشرة لتوقيع اتفاق سلام شرق السودان، والذي بالرغم من إيقافه للحرب في الإقليم، وتثبيته واعترافه بالمظالم التاريخية والتهميش الذي يتعرض له إقليم الشرق الكبير، إلا أنه وبعد عقد من توقيعه، قد فشل الإتفاق في إخراج الإقليم من الأزمات المركبة التي ظل ولا يزال يعاني منها.
وأكد المجتمعون(ات) أن قضايا السلطة والعلاقة بالمركز ضمن إتفاق سلام الشرق، قد إنتهت إلى محاصصات سياسية في المناصب دون تحقيق لأهداف التنمية والأمن والمشاركة السياسية، ودون التعامل من الأزمات المتفاقمة الآن. وعليه، فقد دعم اجتماع القوى المدنية أهمية قيام منبر تفاوضي جديد لمعالجة أزمات شرق السودان، في إطار الحل الشامل للأزمة السودانية، وبتنظيم و إدارة القوى السياسية والمدنية بالشرق الكبير، و بمشاركة القوى السياسية و المدنية السودانية، بالإضافة إلى الخبرات السودانية من المتخصصين في مجالات الأمن والإقتصاد والتنمية والحكم الفيدرالي، وذلك بغرض وضع الصور المثلىّ لنظم ومستويات الحكم في الإقليم، و العلاقة والمشاركة السياسية للإقليم في المركز. كما حدد الاجتماع أهداف ومجالات عمل المنبر الخاص بأزمات الشرق، وآليات الضغط من أجل جعله واقعاً سياسياً ومجتمعياً، وبتوفير ضماناته الشعبية والجماهيرية، والضمانات السياسية وسط التنظيمات العاملة من أجل التغيير الشامل، و وسط المجتمع الدولي والإقليمي الداعم لقضايا السودان.
وخلص اجتماع القوى المدنية حول أزمات شرق السودان إلى أن القضية الأمنية لم تعد تتمثل فقط في معالجة مخلفات الحرب السابقة وقضية المسرحين على أهميتها؛ بل تضخمت وتشعبت وأصبحت خطراً يومياً لحياة مواطنيّ الشرق، وإنتهاكاً للسيادة الوطنية، وتهديداً للأمن والسلم الإقليمي والدولي. وشخص المجتمعون نحو (15) مهدداً وقضية أمنية كبرى ماثلة حالياً، منها: صمت النظام الحاكم على انتهاك السيادة الوطنية باحتلال حلايب والفشقة وبعض مناطق جنوب طوكر من قبل دول الجوار، وانتهاك قانون البحر الإقليمي والجرف القاري بالإعتداء السافر على الموارد البحرية، و رسو القطع الحربية الأجنبية في المواني والمياه السودانية وقيامها بأنشطة مهددة للأمن والاستقرار، بالإضافة للقيام بعمليات عسكرية من دول أجنبية داخل أراضي الإقليم، وإنشاء قواعد عسكرية غير معروفة الغرض، مثل القاعدة بساحل عقيق، هذا بالإضافة إلى الاستمرار في تسليح المليشيات، ودمج عناصر من القبائل ضمن ما يعرف بحرس الحدود، وتوطين الآلاف من الأجانب من مجموعات البدون في مختلف مناطق الشرق. ودعا المجتمعون(ات) إلى جعل القضيةالأمنية في صدارة أي معالجات متعلقة بالتغيير والإستقرار في شرق السودان، و إلى أولوية عقد ورشة عمل خاصة لمناقشة القضايا الأمنية في شرق السودان.
وتدارس اجتماع القوى المدنية بشرق السودان القضايا المتعلقة بثروات الإقليم من الموارد الطبيعية والبيئية والمشاريع الزراعية والذهب والموانئ والبترول والتجارة الحدودية والثروات البحرية والسياحة والصناعة، فضلاً عن مركزية قضية الأرض وملكيتها فيما يتعلق بإقتصاد وتنمية الإقليم. و أكد المجتمعون(ات) على استمرار التهميش الإقتصادي في شرق السودان، بما في ذلك فشل صندوق تنمية شرق السودان بالإيفاء بمهامه في النهوض وتنمية الشرق وإنسانه بسبب هيمنة وتحكم المركز، وهدر إيراداته ومساهمات المانحين قبل وصولها للمستهدفين من سكان الإقليم. ودعا الاجتماع إلى اعتماد قضية الموارد والثروات والبيئة في صدارة محاور المنبر التفاوضي الخاص بأزمات الشرق؛ على أن تتضمن أي مناقشات قادمة أهمية تخصيص نسبة لا تقل عن (50%) من إيرادات المشروعات والمؤسسات القومية بالإقليم لدعم التنمية، بالإضافة لمساهمة الدخل القومي بنسب يتفق عليها تخصص للشرق ضمن صيغ التمييز الإيجابي. وأشار الإجتماع إلى وجود قضايا حيوية لم يتم تناولها بالعمق المطلوب، كقضايا الإقتصاد الكلي، و قطاعات الصحة والتعليم والخدمات، وشدد المجتمعون على متابعتها ضمن المجهودات الجارية عبر مشروع السياسات البديلة.
ونبّه الاجتماع إلى الاهتمام الدولي والإقليمي المتزايد حالياً بشرق السودان فيما يتعلق بقضية الهجرة وإتفاقية ” عملية الخرطوم” المشتركة بين الإتحاد الأوربي ودول القرن الإفريقي لمكافحة الهجرة غير الشرعية. حيث ركز المجتمعون على حقيقة أن هذا الإهتمام الخارجي يهمل ويغفل إنسان ومواطنيّ الشرق، و ذلك بجعل أراضيهم ومناطقهم موضوعاً أمنياً في الشراكة مع السلطة المركزية الحاكمة، دون الإهتمام بإشراك المجتمعات والقيادات المدنية والسياسية من الشرق الكبير ضمن ما يدور بين السلطة في الخرطوم والمجتمع الدولي. و ثبت المشاركون(ات) موقفهم القائل بأن قضية الهجرة يجب التعامل معها في إطار و واقع الجريمة المنظمة والتي تشمل تجارة السلاح والإتجار في البشر وتجارة الأعضاء البشرية في الإقليم، الأمر الذي يتطلب إشراك مجتمعات الشرق لتحديد مدى تأثير عملية الهجرة على حياتهم اليومية، وإمكانيات مشاركتهم(ن) في وضع سياسات و آليات للقضاء على هذه الجرائم المنظمة. كما أكد المجتمعون(ات)، وفي ظل اتساع وتطور هذه الجرائم حتى أصبحت أمراً طبيعياً في الإقليم، أكدوا على وجود شبهات لضلوع المليشيات التي تدعمها السلطات الحاكمة في وقوع و إستمرار الجرائم المتعلقة بالهجرة. ودعى الإجتماع إلى قيام ورشة متخصصة تجمع المهتمين(ات) من داخل وخارج الإقليم لدراسة قضية الهجرة وإتفاقية ” عملية الخرطوم” ومدى تأثيرتها على إنسان ومجتمعات وأراضي شرق السودان.
وتدارس الاجتماع قضية التنوع الثقافي بالإقليم، حيث أكد المجتمعون(ات) على أهمية الإحتفاء بتنّوع مكونات الشرق الكبير، وضرورة المحافظة على الإرث الثقافي من لغات وتراث وآداب وفنون تجّسد روح التنوع والتعايش و أهمية تنمية الموروثات والعادات والتقاليد الإيجابية، ونشر وتعزيز ثقافة السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أمن الإجتماع على أهمية قضايا الشباب والمرأة والفئات التي عانت من الفقر والنزوح، و ضرورة وضع قضايا هذه الفئات في صدارة المجهودات و المبادرات التي تعزز مشاركاتها في عملية الإستقرار والتغيير الإيجابي في الشرق الكبير و قومياً.
وفي ختام اللقاء، توصل المجتمعون(ات) من القوى المدنية بالشرق إلى مجموعة من النتائج والتوصيات المفصلة في مجالات: الحكم والسلطة والعلاقة بالمركز، الثروة والموارد والتنمية، الأمن والهجرة والحدود، الهوية و العلاقات الإجتماعية و الثقافية. و كلف اللقاء مجموعة عمل خاصة لوضع الخطط وبرامج العمل لايصال هذه النتائج إلى مواطنيَ(ات) شرق السودان، رفعاً لوعيها و لضمان إشراكها الجاد في عملية الإستقرار والتغيير في الإقليم وقومياً، إضافة إلى كسب دعم و التفاف القوى السياسية والمدنية السودانية حولها، و إيصالها إلى الرأي العام السوداني ومنظمات المجتمع المدني و وسائل الإعلام المحلية والخارجية، وإلى المنظمات غير الحكومية العالمية والبعثات الدبلوماسية بالسودان.