ألدكتور عمر القرّاي مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي، يرد ببيان هزيل حول المزاعم التي اثيرت عنه بحذفه لتاريخ المهدية من المقررات الدراسية، ويا ليته لم يزج بمثل هذا البيان الذي تصدر صفحات المواقع الالكترونية، إنّ أول ما افتتح به القول هو:(أنا لا أضع المناهج)..!!؟؟، هذا التصريح غير جدير بأن يصدر من المدير والمسؤول الأعلى لإدارة المركز، إنّه محاولة هروب أشبه بالمحاولات اليائسة والمتكررة للعرّاب الإخواني الراحل حسن الترابي في إنكاره وتهربه الدائم من خطيئة إنقلاب الثلاثين من يونيو الدموي والمشؤوم، إن كنت يا أيها القراي ما تزال تدلي بمثل هذا القول الهارب إلى الأمام، وانت تمثل الرجل الأول الجالس على رأس الهرم الإداري لهذه المؤسسة المعنية بتنقيح ووضع المناهج التربوية والتعليمية ، ماذا سيفعل الآخرون الذين أتت بهم الثورة لكي يتحملوا عبء الأنتقال؟، إنّ وصولك المدعوم من الجماهير الثورية وحملهم لك على الأكتاف لتتبوأ هذه المكانة السامية على قمة جبل هذا الجهاز المحوري، تفرض عليك تحمل مسؤولية ما يجري في عملية إصدار الكتب المدرسية الجديدة سواء كان إيجاباً أوسلباً، وليس من الروح الثورية في شيء أن تتوارى هرباً وراء هذه العبارة (أنا لا أضع المناهج)، فالكل يعي ويعلم أبجديات العمل المؤسسي الذي لا يعفي المدير الكبير عندما يخطيء أويصيب الموظف الصغير.
ألبيان التوضيحي الذي أصدره الرجل أزاح الهم وكشف الغم بورود تأكيده المكتوب على حقيقة حذفهم حقبة الخليفة من العهد المهدي، وهذا هو مربط الفرس وموضع الوجع لدى الكثيرين من اصحاب الوجدان الأجتماعي الأحادي الشعور، الذين تجمعهم الثقافة الواحدة التي يريدون تعميمها على كافة الناس، هؤلاء الذين مايزالون لا يقرّون بمشروعية القضية الوطنية التي قاد برنامجها الإمام الأول محمد أحمد المهدي، وهم الذين وثق لهم التاريخ طرد ونبذ هذا الرمز الوطني العظيم من دياره، فقام بتدشين موسم هجرته من الشمال إلى الغرب، ما أدى لاعتماده على الشق الاجتماعي السكاني في الغرب الجعرافي الأشقاء في الدين والوطن لدحر الأستعمار وتحرير البلاد، ثم جاءت ملابسات الانتقال من زخم الثورة إلى بناء الدولة حين تسيد المشهد خليفة المهدي، وقتها ولأول مرة برز الصراع حول الكرسي بين المركز والهامش فيما بين النخبة المركزية والنخبة المهاجرة من الأطراف، هذه حقيقة موجودة في صدور الأمهات والآباء إلى يومنا هذا، فإن أراد واضعو المنهج الجديد أن يقفوا موقف الجبان الرعديد بالقفز فوق هذه الحقائق التي كانت سبباً في أشعال الحروب الأهلية، فاليبشر السودان بعهود مظلمة وكئيبة قادمة من (الدغمسة) لعدم تسمية الأسماء بمسمياتها، وإذا رغبوا في تلقين جيل اليوم ماضي أجداده بخيره وشره فليعتزوا بالخير وليتداركوا الشر اعترافاً وليس حذفاً، وليقم المركز القومي للمناهج بدوره الثوري في وضع فصل كامل لحقبة حكم الخليفة، وعليه الإجابة بكل الصراحة والوضوح والشفافية على السؤالين الواردين أدناه:
لماذا حذفتم ثلاثة عشر عاماً من تاريخ السودان؟
ألإنقاذ كنظام حكم بدأ بإنقلاب عسكري دموي قوّض الحكومة المنتخبة ديمقراطياً، هل يستقيم عقلاً أن نمسح الفترة الممتدة من يونيو 1989 حتى ابريل 2019 بجرة إستيكة؟، ماذا لو لقنا أحفادنا القادمين بأن هذه الثلاثة عقود لم تكن جديرة بالحفظ وعليهم شطبها من الذاكرة؟، وحينها من سيكون المسؤول عن تكرار مسرحية هامان وفرعون (أذهب إلى القصر رئيساً)؟، بالله عليكم ضعوا لنا تاريخنا كما هو، وقولوا لنا أن هنالك رجلاً هولاكياً قتل الناس وسحلهم ومثل بجثثهم ورمى بها في عرض البحر كما تقول الروايات المشكوك فيها من بعض النسوة المسنات، أو خبّرونا عن القائد العسكري الذكي والرجل السياسي المحنّك الذي اتكأ على كتفه ملهم الفكرة مثلما اخبرتنا الأحاجي والقصص وكتابات المؤرخين المحايدين، المهمة صعبة يا لجان مركز المناهج وتتطلب الشفافية وعدم تلقين النشأ الخرافة والأوهام كما قال كبيركم، لذلك الواجب الأخلاقي يلزمكم بكتابة إيجابيات وسلبيات هذه الفترة الواقعية والحقيقية من عمر الدولة السودانية والممتدة لعقد وثلاث سنوات، إنّ الخطيئة الكبرى أن تصمتوا عن الحق بنحر هذه السنين الفاصلة من تاريخ البلاد وبترها من شجرة نسب الأحداث التاريخية للوطن العزيز الذي تغنى به عشقاً العطبراوي، ارجعوا إلى دور وثائق المستعمر البريطاني الذي سيتخذ موقف الحياد في تزويدكم بما يخدم تاريخ بلادكم، قدموا لنا إجابات شافية وشفّافة وكافية لأننا اليوم نتذوق طعم حرية شعارنا الجميل – حرية سلام عدالة – واقنعونا بأن الحذف لن يثير الضغائن في نفوس جزء عزيز من السكان الذين يؤمنون إيماناً يقينياً قاطعاً بأن تلك الحقبة تسكن صميم أفئدتهم سكناً مريحاً.
ما هي دوافع عدم الأحتفاء بكرري وأم دبيكرات؟
ألشعوب لا تنسجم إلا مع مفاخرها الوطنية، وماقدمه السودانيون في ملحمتي كرري وأم دبيكرات مصدر عز وفخار لكل الوطنين الشرفاء ولا علاقة له بشخص الخليفة، ولا شائبة من شوائب الخرافة قد شابت هذه المفاخر الوطنية وذلك بشهادة الأعداء، ولو رأى القرّاي وطاقمه الميمون أن هنالك ضرورة أوحاجة لنفض الغبار عن هذه الأحداث فعليهم ترك التكاسل والتواكل وليبحثوا في الوثائقيات والمرجعيات العالمية التي احتفظت بالصور والأقوال والأفعال، ولا أجد مبرراً واحداً لوصف فترة زمنية تعتبر حديثة – الربع الأخير من القرن التاسع عشر – بأنها مزيفة ومزورة وضائعة الملامح، غير الغبينة المدفوعة بدوافع هواجس الخرافة وأوهام الأقاصيص والأحاجي الشعبية المغرضة، فالحقيقة الواثقة عندما واجه الثوار الغازي المعتدي بجبال كرري وتضحياتهم من أجل الذود عن التراب كانت مشهودة لوسائل الإعلام الدولي آنذاك، وقتما كان رئيس الوزراء البريطاني لاحقاً ونستون تشرشل يعمل مراسلاً حربياً مصاحباً للحملة العسكرية الإمبريالية التي قضت على الدولة الوطنية السودانية الأولى، فالملحمة البطولية التي جسّدها الخليفة بأم دبيكرات كانت من الملاحم المشرّفة والداعية لأن يحتفل بها السودانيون، رغم محاولات بعضهم تشويه رمزية الخليفة عندما أقام في أم دبيكرات عاماً كاملاً وثلاثة أشهر معيداً لترتيب صفوف جنده، بعد الهزيمة التي تلقاها في كرري قبل أن يتبلل جسده دماً بقذائف مدفعية الغزاة الفاتكة وهو مسجي على أرض كردفان الغرّة.
ألبعض يرى في انتقاد القرّاي ولجانه الفنية مخالفة لخط الثورة وهذا غير صحيح البتة، فكما لكل جواد كبوة فإنّ كبوة الرجل بائنة في تطرفه المشابه لتطرف الكيزان واستصحابه لمحددات الفكرة الجمهورية معه في حله وتسفاره عبر القنوات التلفزيونية، وقد نصحنا من قبل بأن غالب تدين أهل السودان صوفي بالدرجة الأولى، ومن الأستحالة بمكان أن يتقبل الفرد منا مثول طبيب جراح رأسه مشحونة بالأفكار المزعجة أمام غرفة العمليات التي يوجد بداخلها فلذة كبده المريض، وقد بانت تلك التخوفات والتوجسات الشعبية العارمة إبان ظهور فيديوهات منثورة في الميديا الأجتماعية كان يتحدث فيها مسؤول مركز المناهج عن قضايا فقهية وتوحيدية شائكة لا تتسامح معها التربية الصوفية للفرد السوداني، فالدكتور عمر القراي وهو مايزال قائماً على أمر إعداد المنهج الجديد عليه أن يعلم، بأن شطب حقبة الخليفة من تاريخ البلاد دون سابق فحص وتدقيق بمثابة الإستفزاز المفاجيء لقطاعات عريضة من السكان.
إسماعيل عبد الله
[email protected]
16- نوفمبر – 2020