توم رودس / كاودا
لقد اعتاد سكان جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان على المشقة. إنهم لا يحصلون سوى على القليل من المساعدات الخارجية، ولكنهم تمكنوا من زراعة أراضيهم والبقاء على قيد الحياة على الرغم من التحديات المتمثلة في حرب أهلية طويلة الأمد ضد الحكومة السودانية. ولكن هذا قد يكون على وشك أن يتغير.
سوف يؤدي ضعف المحاصيل والاستراتيجية العسكرية التي تتبعها الحكومة السودانية لاستهداف المناطق الزراعية الرئيسية إلى انتشار الجوع الشديد في وقت لاحق من هذا العام واحتمال الموت جوعاً بعد ذلك.
وعلى مدار أكثر من خمس سنوات، خاضت حركة التمرد المعروفة باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال (SPLA-N) حرباً ضد القوات الحكومية ولكن تلك الحرب وصلت إلى طريق مسدودة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الحدوديتين، ولم يحقق أي من الطرفين نصراً عسكرياً كبيراً.
وفي مقابلة مع راديو أم درمان الذي تديره الدولة في شهر يونيو الماضي، نفى والي جنوب كردفان (الموالي للرئيس عمر البشير) اللواء عيسى آدم أبكر فكرة الجمود العسكري وقال أن الجيش السوداني يوشك على تحقيق النصر.
وتجدر الإشارة إلى أن القتال في جنوب كردفان عادة ما يحدث خلال الفترة من نوفمبر إلى يونيو، قبل أن يتسبب موسم الأمطار في المنطقة في إغراق جميع نقاط الوصول إلى معاقل المتمردين في جبال النوبة في الوحل، مما يجعل العديد من الطرق غير سالكة.
وقد شهد هذا العام واحدة من أكبر الحملات العسكرية التي شنتها الحكومة حتى الآن. وهاجمت القوات المسلحة السودانية التابعة للرئيس البشير (SAF) جبال النوبة في أواخر شهر مارس سبع مرات. وقد نجح الجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال في صد كل هذه الهجمات إلا في منطقتين – ولكن الأضرار التي لحقت بالمزارع والأسواق خلفت عواقب وخيمة على المدنيين.
النزاعات المنسية – جنوب كردفان
حرب استنزاف
ومنذ سنوات، تسفر الهجمات التي تشنها قوات البشير والطائرات الحربية التابعة له عن مقتل المدنيين بشكل روتيني. ولكن ما تغير الآن هو أنهم متهمون بشن حرب استنزاف منهجية تهدف إلى إجبار المدنيين على الفرار من المناطق التي يسيطر عليها المتمردون عن طريق تدمير الأراضي الزراعية والأسواق، ومنع المدنيين من زراعة أراضيهم أثناء موسم الأمطار.
وفي هذا الشأن، قال عثمان تولا، المدير التنفيذي لوزارة الزراعة التابعة للمتمردين: “لقد استخدمت الحكومة السودانية تكتيكاً جديداً في الحرب هذا العام – يستهدف صراحة الإمدادات الغذائية. لقد حاول الرئيس عمر البشير من خلال الهجمات البرية التي فشلت حتى الآن، ولذلك فإنه [الآن] يحاول إرغام الناس على الانتقال إلى المناطق التي تسيطر عليها [الحكومة]”.
وقد ذكر رئيس إحدى منظمات الإغاثة (الذي طلب عدم ذكر اسمه)، وهي واحدة من المنظمات القليلة التي تعمل في جبال النوبة، أن القوات السودانية كرست أسبوعاً كاملاً في أواخر مارس ومطلع أبريل لتدمير جميع الأراضي الزراعية ونقاط المياه في منطقة تسمى كركراي، التي تعتبر بمثابة الحزام الأخضر الخصيب ومركز تدفق المياه في المنطقة.
من جانبه، قال علي عبد الرحمن، مدير منظمة النوبة للإغاثة وإعادة التأهيل والتنمية (NRRDO)، وهي مجموعة دعم مجتمعي: “يتم هذا عمداً. إشعال النار في بيوت الناس، وإبعاد المواشي – عمداً لتجويعهم. وبمجرد أن تصبح في هذا الوضع، فإنك إما أن تلقى حتفك أو تنتقل إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، حيث يتم تجنيد الشباب للقتال ضد شعبهم”.
ولم يستجب المتحدث باسم الجيش السوداني للنداءات المتكررة للتعليق على التكتيكات المشبوهة المستخدمة في الحملة.
وفي 18 يونيو، أعلن البشير وقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة أربعة أشهر بين الحكومة والمتمردين في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق؛ وهي لفتة خلافية إلى حد كبير لأن وقف إطلاق النار يتزامن مع موسم الأمطار، وهي الفترة التي يهدأ فيها القتال بشكل طبيعي. وجاء الإعلان في وقت متأخر جداً من موسم زراعة المحاصيل الغذائية الأساسية، مما سيخلق فجوة غذاء مدمرة في العام القادم.
وعادة ما تنسحب القوات الحكومية قبل أن يشتد موسم الأمطار، خوفاً من قطع خطوط الإمداد ونقاط الخروج الخاصة بهم، ولكن في هذا العام، يبدو أن هذه القوات متأهبة للبقاء في مواقعها الرئيسية، مما يؤدي إلى نزوح السكان إلى أجل غير مسمى ومنع زراعة الأراضي.
وفي حين أن وقف إطلاق النار يحد من القتال، فإنه يسمح أيضاً لحاميات القوات المسلحة السودانية بترسيخ مواقعها في اثنتين من المناطق الزراعية الأكثر إنتاجية في جبال النوبة، وهما الأزرق في محلية هيبان ومارديس في محلية دلامي. وكان المتمردون قد حاصروا الحاميتين، وقطعوا بشكل فعال معظم خطوط الإمداد إلى الجيبين اللذين تسيطر عليهما القوات المسلحة السودانية قبل وقف إطلاق النار، وفقاً للمتحدث باسم المتمردين أرنو نقوتلو وشهود عيان. وقال نقوتلو في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن وقف إطلاق النار يسمح للقوات المسلحة السودانية بالتقاط الانفاس من هذه الهجمات.
والجدير بالذكر أن الوجود المستمر للجيش السوداني في الأزرق ومارديس يمنع السكان من زراعة هذه المناطق الحيوية. وقد أصبح الأشخاص الذين يسيرون عادة لساعات من القرى الخارجية لزراعة التربة الغنية في مارديس، على سبيل المثال، نازحين الآن، ويقيم غالبيتهم في جبال تونغولي، غير قادرين على زراعة الأراضي ذات الإنتاجية المرتفعة.
وقد هرب حيدر أنور من القصف المستمر في مدينة الأزرق. ولم يكن هناك وقت لدى زوجته وأطفاله الخمسة لحمل أي شيء معهم. إنهم الآن يعيشون كنازحين، ويحتمون جزئياً بالجُرُف الصخرية في حجر باكو، وهي قرية مجاورة، وهو يشعر بالقلق إزاء المستقبل.
وقال أنور: “إن الأزرق هي التي تغذي محلية هيبان. إنها منطقة زراعية كبيرة ومراعي جيدة. الأزرق مهمة جداً بالنسبة لنا ولهم [القوات المسلحة السودانية] … قد يموت بعض الناس من الجوع”.
نزوح جماعي
وقد قصفت الطائرات الحربية الحكومية من طراز أنتونوف والطائرات المقاتلة من طراز سوخوي المناطق المدنية أيضاً، وخاصة الأراضي الزراعية، وألقت 185 قنبلة في شهر مايو، وفقاً لوحدة تنسيق ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهي منظمة ترصد الأمن الغذائي والنزوح في المنطقتين. وقد سقطت على محلية هيبان الغنية زراعياً وحدها 62 قنبلة في شهر مايو، بما في ذلك واحدة في بلدة هيبان أسفرت عن مقتل ستة أطفال.
وقال محمد آدم، الذي دُمر منزله جراء هجوم بطائرات أنتونوف على قريته في شهر يونيو: “كما ترون، إنهم غالباً ما يقصفون أهدافاً مدنية، مجرد قصف عشوائي”.
وبعد نزوحهم من أراضيهم الزراعية، وجد العديد من المدنيين أنفسهم محاصرين، يختبئون في الكهوف في الفترة من مارس إلى يونيو. وتعتمد نجاتهم على الفوز في لعبة انتظار مؤلمة.
وقد نزحت فايزة مجار من الأزرق، وفقدت محصول العام الماضي، الذي كانت تعتمد عليه لإطعام أطفالها الخمسة، الذين من بينهم رضيع يبلغ من العمر أربعة أشهر.
“ليست لدي أي فكرة عن المكان الذي سنزرعه، أو حتى عن المكان الذي نستطيع زراعته. إنهم [القوات المسلحة السودانية] سيقصفوننا. وقد كان من الصعب جداً مجرد الحصول على مياه،” كما قالت مجار في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية.
وفي عام 2015، لم يبدأ هطول الأمطار حتى شهر يوليو، أي بعد مرور نحو ستة أسابيع على الموعد المعتاد، مما تسبب في ضعف المحاصيل في كل محليات جنوب كردفان الخمس. ووفقاً لنظام الإنذار المبكر بالمجاعة، وهي منظمة ترصد الأمن الغذائي وتمولها الولايات المتحدة، من المقدر أن يكون إنتاج الحبوب في الموسم الزراعي 2015-2016 أقل من متوسط الخمس سنوات بنحو 35 إلى 40 بالمائة.
العرض والطلب
في الوقت نفسه، يتسبب تقييد إمكانية الوصول إلى مناطق النزاع وانخفاض إمدادات السلع والعملات في ارتفاع أسعار السوق، مما يجعل جوع المدنيين أكثر حدة. وقال كوكواندي كارلو، المنسق الميداني لوحدة تنسيق ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أنه بالإضافة إلى ضرب المناطق الزراعية، استهدفت قوات البشير أيضاً الأسواق على الخطوط الأمامية، التي تعتبر بمثابة شرايين الحياة لمنطقة النوبة. وقد شنت القوات المسلحة السودانية في شهر مايو هجمات برية على اثنين من الأسواق السوداء الرئيسية التي يوجد مقرها في محليتي غرب كادوقلي ودلامي. ويقال أيضاً أن الميليشيات المتحالفة مع القوات المسلحة السودانية قد خرقت اتفاق وقف إطلاق النار عن طريق مهاجمة منطقة زراعة وتسوق تسمى ليما في 11 و14 يوليو.
وقال التاجر قاسم كوكو لشبكة الأنباء الإنسانية أن “الأسعار ترتفع كل يوم”.
ولا يستطيع المدنيون في جنوب كردفان الاعتماد على جنيه جنوب السودان لأنه شديد التقلب، ولا يملك الجنيه السوداني الأكثر استقراراً سوى قلة من السكان.
“لأنك لا تستطيع الحصول على نقود الخرطوم (الجنيه السوداني)، فإنك تشتري السلع بالدولار، وهذا يعني أنه يتعين عليك تغيير العملة، مما يضيف إلى التكاليف،” كما أوضح كوكو.
ويقول التجار في كاودا، العاصمة التي يسيطر عليها المتمردون، أن حكومة المتمردين حاولت السيطرة على الأسعار ولكن هذا أدى فقط إلى وقف البيع لأنهم لم يتمكنوا من تحقيق أرباح. وقد تضاعفت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الذرة، وقد تصل إلى ثلاثة أضعاف في الأشهر المقبلة. وحتى التجار بدؤوا في تخزين المحاصيل خوفاً من نفاد الإمدادات تماماً.
أزمة قاتلة
والنتيجة الصافية لكل هذه العوامل هي الجوع الشديد خلال “موسم الجدب” في شهر أغسطس من هذا العام، ومجاعة محتملة في عام 2017.
وقد تسبب النزاع بالفعل في أزمة غذائية قاتلة في بعض المناطق. وفي شهر فبراير، قالت الأمم المتحدة أن 242 شخصاً، من بينهم 24 طفلاً، قد لقوا حتفهم بسبب أمراض متصلة بالجوع في ثماني قرى على مدار ستة أشهر في محليتي كاو-نيارو وورني المعزولتين. والمنطقة التي يسيطر عليها المتمردون محاصرة: ميليشيا معادية من جنوب السودان في الجنوب والنزاع في الشمال، مما قطع إمدادات الغذاء عن السكان الذين يقدر عددهم بنحو 65,000 نسمة.
وقال عمدة كاو-نيارو، محمد نالتين أن أولئك الذين تمكنوا من مغادرة كاو-نيارو ساروا على الأقدام إلى مخيمات اللاجئين في جنوب السودان، في ييدا وأجوونغ ثوك، أو إلى المناطق الحكومية في محلية أبو جبيهة. وسار بعضهم طوال الطريق بحجارة مربوطة على أقدامهم لأنهم لم يكونوا يملكون أحذية تصلح للسير على الأراضي المتنوعة والمتموجة.
وقال العمدة لإيرين: “لقد انتهت احتياطيات الناس من الحبوب الآن،” مضيفاً أن الحصص الغذائية نفدت بسبب القصف الجوي الذي تشنه الحكومة منذ أبريل 2015، مما جعل الزراعة ضرباً من المستحيل بالنسبة للسكان.
وقال كارلو، المنسق الميداني لوحدة تنسيق ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، أن المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في شمال شرق البلاد مثل العباسية ورشاد لا تزال معزولة أيضاً، وأن الناس هناك يعانون من جوع شديد جداً. وقد لجأ بعض الناس في رشاد إلى تناول جذور مسمومة، وفي بعض الحالات لا يغلون النباتات بالقدر الكافي ويموتون بسبب ذلك.
ويتمثل الخطر الآن في أن مثل هذه المستويات العالية من انعدام الأمن الغذائي قد تنتشر إلى مناطق كانت آمنة في السابق.
وفي هذا الصدد، قال بنيامين كوكو، المدير التنفيذي لمجلس كنائس السودان الجديد، وهي منظمة إنسانية دينية لشبكة الأنباء الإنسانية: “انا قلق جداً. عندما يموت 242 شخصاً في ثماني قرى فقط، فإن هذا يجعلني أشعر بالقلق. ولا أعرف من أين سيحصل الناس على طعام في الأشهر المقبلة”.
وتفيد تقارير المنظمات الإنسانية إلى أن الأطفال في محلية هيبان يعانون من سوء التغذية بالفعل، ولكن عبد الرحمن من منظمة النوبة للإغاثة وإعادة التأهيل والتنمية، قال أن مصدر القلق الحقيقي هو العام المقبل.
“لقد تقاسمت المجتمعات المضيفة طعامها مع النازحين بالفعل، ولذلك لن يتبق شيء لدى أحد،” كما أخبر شبكة الأنباء الإنسانية.
سياسة الوصول
ولا تزال مسألة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين محورية في محادثات السلام التي لا تبدو لها نهاية في الأفق. كما كانت نقطة نقاش رئيسية في محادثات السلام التي عُقدت في شهر مارس، التي كانت المبادرة الحادية عشرة من نوعها، ولكن لم يستطع أي من الطرفين الاتفاق على الطريق المناسب لإيصال هذه المساعدات.
وتصر الخرطوم على أن تنطلق المساعدات الإنسانية عبر خطوط النزاع من الأراضي السودانية، في حين طلب المتمردون أن تنطلق من الدول المجاورة.
وتساءل عبد الرحمن قائلاً: “كيف يمكن أن يكون الشخص الذي يلقي عليك القنابل، ويحرق مخازن الحبوب الخاصة بك، ويطلق النار عليك هو نفس الشخص الذي يمنحك الطعام؟”
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الجدل ليس جديداً: ففي شهر ديسمبر الماضي، كتبت المنظمات والشخصيات السودانية والدولية رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والرئيس الأمريكي باراك أوباما يطلبون منهما تطبيق القانون الدولي الإنساني وضمان تقديم المساعدة لمنطقتي النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
“لأسباب واضحة، لا يثق سكان المنطقتين [جنوب كردفان والنيل الأزرق] في حكومة السودان، وقد ترفض قطاعات كثيرة من السكان قبول المساعدة التي تنطلق من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة،” كما أشارت الرسالة.
ويعتقد الكثيرون في كاودا التي يسيطر عليها المتمردون أن هناك حاجة إلى مجتمع دولي أكثر صراحة وانخراطاً للخروج من هذا المأزق الإنساني.
من جانبه، قال كارلو: “انظروا إلى قضية دارفور. إن الوجود الدولي والتغطية الإعلامية هما اللذان فرضا ضغوطاً على الخرطوم وأوصلا المساعدات إلى المنطقة. لماذا يصمت المجتمع الدولي عندما يتعلق الأمر بنا؟”
ولا ينتظر شعب النوبة الذي يعتمد على نفسه استجابة دولية لمواجهة التحديات المتعلقة بمحاصيلهم. وبسبب الخوف من الهجمات، تلجأ أعداد متزايدة من الناس إلى الزراعة في مناطق جبلية أقل صلاحية للزراعة ولكنها أكثر أمناً باستخدام ري المدرجات بدلاً من الزراعة في الوديان المنخفضة الأكثر خصوبة.
“هذه هي الطريقة التي تمكننا من البقاء على قيد الحياة. قد لا تنتج كميات كبيرة من [الغذاء] ولكننا على الأقل نعلم أننا يمكن أن نأكل غداً،” كما أفاد هاشم عباس، وهو مزارع في إحدى القرى.
توم رودس هو مدير تحرير Nuba Reports
(الصورة في الأعلى: جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال يقومون بدوريات على الخطوط الأمامية. تقارير النوبة/إيرين).