الطيب محمد جاده
كل الدلائل تؤكد لنا أن العقل العسكري عقل صفري أُحادي النظرة لايؤمن بالحلول التفاوضية ، وإنما النفسية العسكرية قائمة على فكرة لابد من تكسير الخصم وشل حركته وتدمير قدرته على الحركة وضرب نقاط قوته بقسوة ثم بعدها يبدأ التفاوض والحوار، وهذا قد يكون مفهموما فى ساحات المعارك، لكن المشكلة الكبري تبرز عندما تتولى قيادة عسكرية زمام قيادة دوله ، ستتحرك فى إتخاذ قراراتها بناء على هذه العقلية الصفرية ؛ وهذا يسبب كواراث قاتلة ومصائب كبيرة تحل بالشعب والدولة والسلام العالمي كما حصل الان في بلدنا السودان ، المجتمع المدنى كل يوم هو فى تدافع وتنافس وتشاحن حول العديد من الرؤى والتصورات الخاصة بطريقة إدارة الدولة والمجتمع والناس، فالحياة السياسية قائمة على التناقض و التطاحن بين الأيديولوجيات المختلفة فستجد فى المجتمع أحزاب تتبنى الرؤية الإشتراكية ،وأخرى تُنادي بالليبرالية ،وثالثة تؤمن بالأيديولوجية الإسلامية وفى هذه الحالة لا استقرار للمجتمع إلا بالحوار والتواصل والتفاوض وتقديم التنازلات بين الأطراف وعقد التحالفات والصراع عبر صناديق الإقتراع، وكل هذه الأشياء السابقة لا يتحملها العقل العسكري الذى لايعرف سوى لغة الحسم وتحقيق الإنتصار بالضربة القاضية ولمس الأكتاف .
ويزيد من تعقيد هذا المشهد السابق هو أن العقل العسكري مبنى أيضاً على أن مخالفة الأوامر العسكرية جريمة كبري قد تصل عقوبتها للإعدام وقت الحروب ، فلك أن تتخيل سقف الحرية والعدالة فى المجتمع عندما تتولى قيادة عسكرية زمام الامر فيه ، حيث سيصبح كل مخالف فى الرأى فى خيال العسكر خائن، وضد الأمن القومى ومصالح البلد العُليا ينبغى محاكمته ، والتضيق عليه ، لأن العقل والنفسية العسكرية لم تتدرب على أن تنوع الأراء وتعدد الحلول ثراء للشعب وللدولة ، وإنما النفسية العسكرية تنظر للشعب على أنهم أفراد فى كتيبة عسكرية ينبغى منهم تنفيذ الأوامر بدون مناقشة ولاتفكير ولا أخذ ولا رد.
وبناء على ما تقدم نُدرك جميعا أن المجتمعات والدول التى تريد أن تحقق نهضة وحضارة وتقدم لابد لها من ضبط العلاقات العسكرية المدنية من خلال وضع القواعد والسياسات الكفيلة بتحقيق تناغم ما بين المؤسسات العسكرية والهيئات السياسية والقضائية فى الدولة حتى لا تطغى مؤسسة على مساحة عمل الهيئة الأخري، أو بالمعنى الدقيق حتى لايتفرد عقل مؤسسة ما من مؤسسات الدولة بقيادة الشعب والدولة نحو ما لاتحمد عقباه.