جنيف _ صوت الهامش
أكد تقرير حول الآثار المترتبة على الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها “السودان” ، على أن البلاد تواجه تحديات اقتصادية حادة منذ بداية عام 2018، حيث أدى إلغاء دعم القمح والدقيق في فبراير 2018، إلى جانب انخفاض قيمة الجنيه السوداني المستمر إلى نقص في السلع الأساسية والعملات الصعبة.
وأفاد التقرير الصادر عن مرصد (ACAPS) المعني بمساعدة الجهات الإنسانية الفاعلة على الاستجابة بشكل أكثر فعالية للكوارث، بأن الأزمة الاقتصادية في السودان قد أدت إلى تعطيل الخدمات العامة، مما يؤثر على الأنشطة الزراعية ، ويؤدي إلى زيادة كبيرة في الأسعار بالنسبة للأغذية الأساسية وفقًا لمنظمة الأغذية “الفاو”.
وأثارت تدهورات مستويات المعيشة احتجاجات متجددة في جميع أنحاء البلاد منذ منتصف ديسمبر 2018، كما ازدادت الدعوات إلى استقالة الرئيس “البشير” كما تتزايد المخاوف المتعلقة بالأمن وحماية المحتجين، حيث غالباً ما يتم تفريق الاحتجاجات بعنف ، مما أسفر عن العديد من القتلى أو الجرحى، واعتقال ما لا يقل عن 1000 متظاهر استنادًا إلى تقارير دولية صادرت عن عدة جهات معنية من بينها المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
وسلط التقرير الذي اطلع “صوت الهامش” على نسخة منه الضوء على كفاح الأسر والنازحين في جميع أنحاء السودان لتلبية احتياجاتهم الأساسية، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية للقمح والدخان والذرة الرفيعة بنسبة 150-200٪ في 2018 وفقًا لـ (الفاو).
كما أدت محدودية الحصول على الغذاء وقلة القدرة الشرائية وعدد قليل من بدائل سبل العيش للمزارعين إلى ما يقدر بنحو 5.76 مليون شخص يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، لا سيما في الخرطوم والبحر الأحمر والنيل الأزرق والنيل الأبيض وجنوب كردفان وكسلا والقضارف ودارفور.
وتجدر الإشارة إلى أن السودان قد عانى من عدم الاستقرار الاقتصادي منذ فترة طويلة، حيث تسببت العقوبات المالية التي فرضتها الولايات المتحدة على السودان في عام 1997 جزئياً في ذلك، والتي كانت رداً على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والدعم الحكومي المستمر لـ “الإرهاب الدولي”.
كما أثر انفصال جنوب السودان عام 2011 على الاقتصاد ، حيث خسر السودان 75٪ من حقول إنتاج النفط ، والذي يعد المصدر الرئيسي لدخل الدولة.
وبعد انتقاد مجموعات حقوق الإنسان الدولية، قررت الولايات المتحدة رفع عقوباتها في أكتوبر 2017 لتحفيز الحكومة السودانية على محاربة انتهاكات حقوق الإنسان، بينما تبقى شريكة مع السودان نظراً لدورها الجيوسياسي والأمني الرئيسي في المنطقة.
ومع ذلك، لا يزال اقتصاد السودان هشاً على الرغم من إزالة الجزاءات، لا سيما وأن البلد لا يزال مصنفاً على أنه “راع للإرهاب” مما يحد من إمكانية الحصول على تخفيف لأعباء الديون والمعونة المالية الدولية.
وفي بداية عام 2018، شهد الوضع الاقتصادي تدهورًا شديدًا بسبب مجموعة من إصلاحات إعادة الهيكلة الاقتصادية للوصول إلى النقد الأجنبي والصناديق الحكومية على النحو الذي أوصى به صندوق النقد الدولي.
وعملت الحكومة في نطاق تلك الإصلاحات على خفض دعم القمح والوقود، وتحرير سعر الصرف للعملة الأجنبية ما ساهم في تخفيض قيمة الجنيه السوداني عدة مرات، وارتفاع أسعار الصرف في السوق الموازية.
ولعب تضاعف النقص في العملة الصعبة، دورًا محوريًا في ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى 72.9 ٪ في ديسمبر 2018 ، وهي زيادة كبيرة مقارنة مع 25 ٪ في عام 2017.
وبشكل أدق، فقد عمل ارتفاع معدلات التضخم جنبًا إلى جنب مع ارتفاع الديون الخارجية، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي الوطني، والإهلاك السريع من العملة الصعبة، على اضعاف قدرة القطاع الخاص والحكومة على استيراد السلع الضرورية مثل الوقود والقمح والأدوية .
بالإضافة إلى ذلك، من المقرر إجراء تخفيضات كبيرة في ميزانية عام 2019 كجزء من برنامج تقشف مدته 15 شهرًا، مما يترك الاستثمارات المطلوبة بدون رقابة، ومع ذلك، لا يجري النظر في إجراء أي تخفيضات في الإنفاق الأمني.
ولم تقتصر الأزمة الاقتصادية على زيادة أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية بحدة فحسب ، بل أثرت كذلك على الخدمات الصحية والأنشطة الاقتصادية والزراعية في السودان.
وقال التقرير أن في نهاية عام 2018 ، كانت تكاليف المعيشة في أعلى مستوياتها على الإطلاق ، مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية، في حين لم يتم تعديل الرواتب العامة منذ عام 2012 ، مما جعل العديد من الأسر تكافح من أجل تلبية احتياجاتها الأساسية، كما لم تنفذ الحكومة خطة مقترحة للحماية الاجتماعية لتعويض الأوضاع المعيشية المتدهورة .
وكنهاية متوقعة لهذا السياق، أججت التحديات الاقتصادية وتدهور الأحوال المعيشية مطالب التغيير السياسي، لتشهد السودان منذ 19 من ديسمبر أكثر من 300 احتجاج في 15 يومًا من 18 ولاية في السودان ، بما في ذلك في الأحياء الغنية في الخرطوم.
كما حفز الاستياء المتزايد من استجابة الحكومة لارتفاع الأسعار ونقص السلع الأساسية ، فضلاً عن القيادة القمعية والاستبدادية والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وارتفاع معدلات الفساد، عشرات الآلاف من المتظاهرين في السودان ، لتصبح بذلك أكبر موجة من الاحتجاجات في تاريخ السودان.