مبارك أردول
فجعنا من صور جثث أطفال مدينة هيبان الذين قصفتهم طائرات نظام البشير في مطلع هذا الشهر الجاري، في جريمة نكراء ضد الإنسانية إرتكبها النظام ومازال بشكل منظم ويجد المباركة بالصمت وقفل العيون وصمم الآذان من إنتهاكاته على المستوى الإقليمي والدولي وحتى المحلي، ولو وجد الإدانة من جهة فهي خافتة خجولة لا ترتقي بأن تجبره لوقف تلكم المزابح، ولا يخشى أو يجد من يوقفه ويصد للقيام بتلك المزابح سوى شح إمكانياته وقلة موارده من وقود وأليات ومعدات وسيولة …الخ، وهي المعيقات التي إن ضغطت عليه كثيراً فسوف توقفه من الإنتهاكات ضد هؤلاء الأطفال وغيرهم، وتتنزل ضغوطه هذه وحدها رحمة على ضحاياه.
ولكن الضمير الإنساني الذي فجع بشكل جماعي من قبل بعد نشر صور للأطفال ضحايا الحروب وعبروا عن صدمتهم الشديدة والغضب الممزوج بالحزن لم نراه متحركاً صوب هذه الإنتهاكات لوقفها، فبعد إنتشار صورة الطفل السوري- الكردي الذي توفي غرقاً وقذفته الأمواج إلى أحد الشواطئ التركية ، الطفل إيلان البالغ من العمر 3 سنوات والذي غرق مع أخيه ووالدته ووجدت جثته على شاطئ المتوسط. هزت صورته العالم بأثره وحركت كل الصحافة وكتاب الأعمدة ورسامي الكاريكاتير والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فقد عبر كل منهما وغيرهم بالطريقة التي يستطيعون بها وبكل اللغات الإنسانية التي نعرفها ولا نعرفها، عبروا في الصحف والدوريات والمجلات والتغريدات والبوستات وحتى المدونات، هبوا مجتمعين كبشر ولم يتركوا الأمر للسوريين الأكراد وحدهم بإعتباره شئ يخصهم، تراصوا بصوت واحد لوقف المعاناة والمأساة الإنسانية التي يرتكبها الرئيس الأسد ضد بني شعبه من مختلف الشعوب في سوريا.
كذلك مشهد أخر لحادثة قتل الصبي محمد الدرة في قطاع غزة في الثلاثين من سبتمبر عام 2000، في اليوم الثاني من إنتفاضة الأقصى، وسط الإحتجاجات التي إمتدت على نطاق واسع في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، وقد التقطت عدسة المصور الفرنسي شارل إندرلان المراسل بقناة فرنسا 2 مشهد إحتماء جمال الدرة وولده محمد البالغ من العمر إثنتي عشرة عامًا، خلف برميل إسمنتي، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية. وعرضت هذه اللقطة التي إستمرت لأكثر من دقيقة، مشهد إحتماء الأب وابنه ببعضهما البعض، ونحيب الصبي، وإشارة الأب لمطلقي النيران بالتوقف، وسط إطلاق وابل من النار والغبار، وبعد ذلك ركود الصبي جثة على ساقي أبيه.
فصورة الطفلان إيلان ومحمد الدرة اللذان رحلا عن العالم ووحد رحيلهما الضمير الإنساني العالم وأرسل رحيلهما رسالة مفهومة للطغاة بأنه لا أحد يستطيع أن يقهر شعب في رقعة جغرافية معينة ومعزولة عن العالم وهو متدثراً بثياب السيادة الوطنية والحدود الدولية وغيرهما من المسميات، ظل هذا الضمير صامتاً ولأهياً ولم نجد منه شي تجاه أطفال مزبحة هيبان الستة، لم يتحرك هذا الضمير الإنساني ولو على مستوى الإدانة الخجولة، تباً لهذا الضمير الذي لا يقاسم الآخرين ويتضامن معهم في محنتهم.
إن نفس هؤلاء الأطفال الذين وقفنا معهم يوم الأمس ربطتنا بهم الإنسانية فقط وسنقف معهم في الغد واليوم بنفس الرابط، ولكننا لم نجد من الضمير الإنساني ولو على المستوى المحلى في السودان والإقليمي في إفريقيا تعاطف ومواساة لأسرة أطفال مزبحة هيبان الستة، فاليوم وكل يوم قادم الضمير الإنساني أمام إختبار حقيقي للوقف مع الأطفال ضحايا القصف الجوي في السودان في المنطقتين ودارفور عموما ومنطقة هيبان على وجه الخصوص، وسيحفر رحيل هؤلاء الأطفال ثقوباً عميقاً في ثياب الإنسانية شئتم أم أبيتم صمتم أم صرختم.
لقد رايت صور الأطفال الستة ضحايا الغارة الجوية لطيران نظام البشير على بيتهم في مدينة هيبان بعد قصفهم مباشرة قبل أن تجف دماءهم الطاهرة، ورايت صورهم كذلك أشد إيلاماً قبل مواراة جثامينهم في الثرى، الأطفال لعائلة واحدة هم نضال عبدالرحمن إبراهيم (12عام) وإبراهيم عبدالرحمن إبراهيم (10 أعوام) وجهان عبدالرحمن إبراهيم (5 أعوام) وحافظ محمود(10 أعوام) وكوكو دولى(4 أعوام) ويوسف يعقوب(4 أعوام)، وقد نشر أسماهم وصرورهم ناشطين عاملين في الحقل الطبي في المنطقة وأكد عليهما الناطق الرسمي بإسم الحركة الشعبية أرنو نقوتلو لودي في بيان المؤرخ بتاريخ الأول من مايو 2016م، كان لهؤلاء الأطفال نفس أحلام الطفولة بحياة جميلة وباهية كانوا يلعبون ويرسمون في بيتهم وتشع من وجوههم الطفولة والبراءة والحب.
لا أريد أن أتسال لما لم يجد هؤلاء الأطفال التعاطف من الآخرين هل لانهم يستحقون الموت والآخرين يستحقون الحياة، أم إن الضمير الإنساني متجزئ والإنسانية منقسمة على أسس أثنية وعرقية وجهوية؟ لا نستجدي ونطلب من أحد التعاطف والوقوف مع الضحايا غصباً عنه ولكننا لانفهم الإنسانية المنتقأة هذه التي تفرق بين الأطفال حتى في الموت.
نطرح جملة من الأسئلة في ختام المقالة هذه، علها تجد الإجابة عند كل من يطلع على المقالة هذه، الأسئلة تذهب للقتلة المخططين والمنفذين أولاً، هل من قتل هؤلاء الصبية ونفذ الغارة الجوية ومن أصدر التوجيهات هل ذهبوا بعدها خاصة الطيار ووقع على دفتر مهمته وأشار بتنفيذها بنجاح، هل ذهب بعد ذلك ونام غرير العين وهاتف أو إحتضن زوجته وإطمئن على أطفاله وكأنه لم يفعل جرم وكأن شيئاً لم يحدث، ولم يتزكر أو شك بأن تطاله يد العدالة والقصاص في يوماً ما، أو خاف على أسرته وأطفاله من أن تطالهم يد الإنتقام من أسر الضحايا هؤلاء إعمالاً بقاعدة السن بالسن والعين بالعين والجروح قصاص؟ هل إطمئن على إن والد وأهل الأطفال هؤلاء سيبكون ويكفكفون دموعهم وينتهي العزاء بإنتهاء مراسم الدفن؟ أم إنه راى نفسه نفذ تعليمات مرؤوسيه فقط وهو ليس بمسئول عنها نتائجها وتبعاتها، وكل المسئولية تذهب الي الرؤساء؟.
لا أريد أن أشحن الغبن والتحريض للإنتقام من سندة النظام ومدافعيه، فالبيوت السودانية لديها ما يكفيها من غبن ومحرضة تجاه هؤلاء السدنة، ولكنني أريد يعرف الجميع الأثار المترتبة على تصرفاتهم والأضرار التي لحقوا بها والألام التي خلفوها في تنفيذهم لتلكم التوجيهات، وإن الرصاص والمقذوفات التي ضربوا بها هؤلاء الأطفال وغيرهم يمكن أن تخترق كل شخص في ظل اللامبالاة وتنفيذ الأوامر الهوجاء.
ملحوظة : تعتذر صوت الهامش لنشر الصور البشعة والمؤلمة ولاكن هذا هو واقع هامش السودان