عبد المنعم سليمان
من الأخبار ما يرسم على الوجه نصف ضحكة .. لأن الضحكة الكاملة أصبحت عملة نادرة في عصر “الأنجاس” الذي تعيشه بلادنا .. فليس هناك ثمة خبر فكه إلا تجده مرتبطاً بالحزن .. مثل هذا الخبر الذي انتشر على وكالات الأنباء أمس .. حيث أوردت الوكالات نقلاً عن صحف سودانية ، ان المركز الاجتماعي بـ”الحلة الجديدة” في الخرطوم ، “أدخل تجربة فريدة من نوعها في منح التغذية المدرسية للمدارس المستهدفة بمشروع الوجبة بتقديم أطباق كبيرة من (فتة الكوارع) – أي والله كوارع – بدلا من ساندويتشات الفول والطعمية والمربى والحلوى المعتادة ، وذلك تحت شعار “كل المدرسة تفطر ” ..
الذي أضحكني في التقرير الذي حمل عنوان : ” فتة الكوارع .. أحدث طرق التغذية المدرسية بالخرطوم” .. أضحكتني هذه الفقرة : ( منظمة التطوع العربي فاجأت الطلاب، والمعلمين بفتة كوارع، حيث تدافع الجميع نحو صحنها أثناء فسحة الفطور وهو التدافع الذي وصفه أمين عام المنظمة (السر وداعة الله) بأنه مطلوب لذاته من أجل تعزيز روح التكافل والتواصل الاجتماعي في نفوس التلاميذ الصغار، ومن خلال تحلقهم حول “صحن الفتة” بدلا من انفراد كل منهم بوجبته
لن أتحدث عن خطل تناول تلميذ في السادسة من عمره من نفس الغذاء الذي يتناوله مدير مدرسة في الـ (60) من عمره.. ولست بصدد الحديث عن خطر تناول أطفال لـ “الكوارع” يومياً ، خاصة وان الأبحاث الغذائية أثبتت انها محض مادة “جيلاتينية” تمتليء بالأحماض الأمينية ليس لها أى قيمة غذائية.. كما لن أتحدث عن ترف العلم وضرورة تناول التلاميذ وجبات غذائية متكاملة تساعد في النمو وليس في التقزم .. فهذا ترف لا يجوز الحديث عنه في زمن “المسغبة” .. بل انني اعتبر ما تقوم هذه المنظمة داخل المدرسة تحقيقاً لقوله تعالي : ( إطعام في يوم ذي مسغبة) .. جزى الله القائمين على “فتة الكوارع” كل خير ، وفتح شهية تلاميذنا الصغار لإلتهام كوارع الأبقار ، وكفاهم شرور تناول أظلاف الحمير والميتة والنطيحة والمتردية وما أكل السبع .. آمين .
نرجع للمضحك في الأمر ، وهو قول السيد “السر” أمين عام المنظمة وبكل وضوح : ان ( الهدف هو تعزيز روح التكافل والتواصل الاجتماعي في نفوس التلاميذ الصغار، ومن خلال تحلقهم حول صحن الفتة بدلا من انفراد كل منهم بوجبته) ولا نملك سوى شكر الأستاذ “السر” على صراحته ، ولكننا نعتب عليه في إطلاق اسم ” “تغذية مدرسية” على مشروعه التكافلي ، فكان من الأحرى ان يسميه : ” كوارع تكافلية” أو ” كوارع التواصل الإجتماعي ” ، تماماً مثلما ألحق أخونا “مارك زوكربيرغ” على مشروعه الخاص “فيسبوك” صفة ” التواصل الإجتماعي” .. و”مفيش ( فيسبوك أحسن من كوارع ” ، كما يقول حبايبنا “أولاد بمبه”
وبما ان وجبة “الكوارع” هذه وبشهادة القائمين عليها القصد منها التكافل والتواصل وتحلق التلاميذ في “صحن” واحد لا التغذية .. أخشى ان تتفتق عبقرية الأخ السر مكتشف نظرية “الكوارع لأجل التواصل” إلى أبعد من ذلك .. فيقرر إدخال “العرقي” ضمن برنامج التواصل .. لأنه ليس هناك ثمة تكافل بكل هذا العالم يشبه التكافل المسائي الذي يحدث في بلادنا .. حيث يقوم مجموعة من الشباب كل مساء بالإشتراك في زجاجة حجم (750 مل) من الخمر رديئة الصنع وبجانبها “حلة” من الكوارع تسر الناظرين ، فيحققون السمر بالتواصل ، وبارك الله من جمع بين الحسنيين ، ورحم من قال ” السودان في ذمة الواعي”.