الخرطوم – صوت الهامش
أعلن رئيس الوزراء بكري حسن صالح، الاثنين، عن عجز الدولة عن توفير مبلغ 102 مليون دولار لعمل صيانة لمصفاة الجيلي.
وفي كلمته أمام البرلمان، عزا بكري حالة النقص الحاد في الوقود التي تضرب البلاد إلى ذلك العجز، قائلا “نعم هنالك صفوف أمام محطات البنزين. لا ننكر هذا الواقع، ولكن هنالك أسبابا فرضت هذا الواقع. نريد 102 مليون دولار لإصلاح مصفاة الجيلي. هنالك شح حقيقي في العملة الصعبة. ثمة ظروف حقيقية. الإنتاج يدور بالبترول. وهكذا “.
ويعاني السودان بما فيها الخرطوم من نقص حاد في الوقود؛ حيث تصطف طوابير طويلة جدًا تستمر لساعات أمام محطات البنزين الناضبة بانتظام.
وأهابت الخارجية البريطانية في بيان لها، الاثنين، برعاياها الراغبين في التحرك عبر السودان أن يتأكدوا في البداية من مخزون كافٍ من الوقود تأمينًا لرحلة عودتهم.
وأكد البيان أن السفارة البريطانية في الخرطوم تحدّ من سفر عناصرها خارج الخرطوم بسبب هذا النقص في الوقود.
وتشهد البلاد منذ بداية العام الجاري 2018 حالة احتقان وغضب شعبية عارمة أدت إلى خروج تظاهرات بدءا من يناير شاركت فيها أحزاب معارضة وناشطون حقوقيون احتجاجا على ميزانية كارثية وارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية الأساسية كالخبز.
وعلى إثر تصريح مشابه لتصريح بكري، أقيل وزير الخارجية إبراهيم غندور من منصبه مؤخرا بعد أن أعلن عجز الدولة عن دفع رواتب الدبلوماسيين لعدة أشهر حتى فاض بهم الكيل وطالبوا بالعودة للنهوض بشئون ذويهم المادية.
الهروب الكبير أضحى وشيكًا
ورأى الخبير الاقتصادي فيصل حسن عوض، أن عجز الحكومة عن توفير 100 مليون دولار لصيانة المصفاة دليل على حقيقة انهيار الدولة السودانية.
ورصد عوض عددًا من القرائن المؤكدة لهذا الانهيار؛ منها: تخلُّص البشير وعصابته من كل مصادر الدخل القومي بما في ذلك منافذنا البحرية والجوية والبرية؛ حتى مطار السودان الرئيسي لم يسلم من عبثهم وإجرامهم فأتاحوه للأتراك بجانب محاولاتهم المستميتة لتسليم ميناءي بورتسودان وسواكن.”
وقال عوض: “قبل ذلك باعوا مشاريعنا القوميَّة الرئيسيَّة كالجزيرة والرَّهد والسُّوكي وقَدَّموا أراضينا بالشرق لفتراتٍ طويلة تمتد لقرن كامل إلا عامًا، دون الإفصاح عن (تفاصيل) تلك الاتفاقات وعوائدها على الدولة والمُواطن.”
ورأى الخبير الاقتصادي أنه “وبقدر ما في ذلك من مؤشراتٍ على إجرامهم، فهي تحمل تأكيدات قويَّة على عدم (رغبتهم) في البقاء مهما زعموا وقالوا من تصريحات هدفها (إلهاء) السُّودانيين وتخديرهم ريثما يكملون مُخططات تفكيك وتمزيق السُّودان وإشاعة الفوضى تمهيداً لهروبهم الكبير.”
وأكد عوض: “إذْ لا يُعقَل التفريط في كل مصادر الإنتاج والدخل القومي وتقول بأنَّك راغب في الحكم! وحديثي بُناءً على المنطق وليس العواطف.”
وحول مستقبل رئيس الوزراء (بكري) في منصبه، قال الخبير: “لنتذكَّر أنَّ بكري شريكٌ أصيلٌ للبشير في كل جرائمه لأنَّه مُلازمٌ له – وإن اختلفت مناصبه الظاهريَّة – لكن مُهمتهم النهائية واحدة، وممارساتهم واحدة.”
وأضاف عوض: “ومع هذا، حتَّى لو تمَّت إقالته (بكري) من منصبه كنائبٍ للبشير أو كرئيسٍ للوزراء، فسيكون ذلك وفقاً لتمثيليَّة جديدة من تمثيلياتهم العبثية التي لا تنتهي لأهدافٍ مرحليَّة مُحدَّدة، وهذا هو ديدنهم معنا منذ مجيئهم، بما في ذلك أكذوبتهم المُسمَّاة (مُفاصلة) والتي ثبت للجميع لاحقاً زيفها، فهكذا هم المُتأسلمون، مجبولون على الكذب والخداع.”
وخلص الخبير إلى القول بأنه، “لا مجال إلا باقتلاع المنظومة بكاملها ومن الجذور، بدءاً بالبشير وانتهاءً بأصغر إسلاموي، مع الحرص كل الحرص على الحيلولة دون هروبهم الذي أضحى وشيكاً في وجود عدد من الأحداث، كالحرائق المنتشرة هذه الأيام في المرافق الحيويَّة والحَسَّاسة كبنك السُّودان وغيره، بما يُشير لإحساسهم بدنو النهاية واجتهادهم في إزالة أدِلَّة فسادهم وإفسادهم واستعدادهم للهروب.”
انهيار الدولة وصل نقطة اللاعودة
ورأى الخبير الاقتصادي حامد التيجاني علي، رئيس قسم السياسات والإدارة العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أن تصريحات بكري هي تأكيد لما قاله غندور من أن الدولة تعاني عجزًا في العملة الصعبة.
وأكد التيجاني أن الدولة السودانية إنما هي تعاني عجزًا في الميزان التجاري. وأنها وصلت لمرحلة من الإفلاس. ويبدو أن هناك صراعا بين المجموعة النيلية ومجموعة بكري من النوبيين وغيرهم ويبدو أنه سيستمر وأتوقع أن ينتهي هذا الصراع إلى “مفاصلة جديدة”.
ولفت التيجاني إلى ظاهرة إحراق وثائق الدولة؛ “فقد احترق بنك السودان ووزارة التجارة والمسجل التجاري، وغدا ربما وزارة النفط … يبدو أن انهيار الدولة وصل نقطة اللاعودة.”
وكان قد أقر وزير النفط السوداني عبدالرحمن عثمان ان أزمة الوقود ناجمة من عدم توفر السيولة اللازمة للايفاء بالتزامات الشركات المستوردة للوقود،حيث ترابط سفن محملة بالوقود في ميناء بورتسودان إلا انها رفضت تفريغ حمولتها لعدم التزام الحكومة السودانية بدفع المبالغ المالية المخصصة لذلك.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن خزانة البنك المركزي خاوية من النقد الأجنبي، في ظل فشل حكومة السودان في جلب مدخرات المغتربين وحصائل الصادرات.
ووصل الإقتصاد السوداني إلى أسوأ حالاته ، حيث لا يزال يعاني بشدة من آثار خسارة ملايين الدولارات من عوائد البترول بعد استقلال جنوب السودان في 2011.