منذ خطاب الوثبة الذي ألقاه الرئيس البشير والذي شهد متابعة منقطعة النظير من قبل الرأي العام في انتظار ما سيتم الاعلان عنه لكن خطاب (الناس كل الناس) كان غامضاً وإنشائياً لم يخرج (الناس) منه بشي سوي بمزيد من الغموض قبل ان يخرج بحوار قاعة الصداقة المعطوب، وكان واضحا للمراقب الحصيف للشأن السياسي بالبلاد طوال الفترة الاخيرة الماضية والحالية ان كل النقاشات والحوارات حول معالجة الأزمة السياسية الخانقة كانت لاتلامس جوهر القضية الحقيقة بالبلاد التي فشلت في ادارة التنوع طوال عمرها منذ الاستقلال وحتي اليوم كما فشلت ايضا في التوزيع العادل للثروة والسلطة والتنمية المتوزانة وفرضت السياسية الحكومية تهميشا ممنهجاً وحرباً شعواء قضت علي الاخضر واليابس حتي مضي الجنوب الي سبيله مكونا دولته المستقلة عن السودان الام وهاهي الحرب اللعينة تستعر في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق،التعليقات السياسية للمراقبون والتي تقلل من مخرجات حوار قاعة الصداقة ودمغها بانها لن تحل ازمات البلاد كانت صادقة وبنظرة خاطفة للتسريبات التي نشرتها بعض الصحف خلال الفترة الماضية حول ورقة الهوية والخلافات حول منصب رئيس الوزراء كانت دليلا دامغا علي صحة تلك الرؤية. ويتهم المعارضون الحكومة بانها أطلقت الحوار للمراوغة وشراء الوقت وأشترطت المعارضة علي ضرورة الحوار المنتج القائم علي استحقاقات واجبة النفاذ وعلي راسها وقف الحرب واغاثة النازحيين واطلاق سراح الاسري والمحكومين في قضايا سياسية والغاء القوانيين المقيدة للحريات وعلي راسها قانون الامن الوطني والنظام العام واتاحة الحريات غير ان الحكومة تتهم المعارضة بشقيها المسلح والمدني بعدم الجدية والرغبة في الالتحاق بالحوار،لكن المراقب الحصيف يري ان الحوار الحقيقي المفضي الي سلام شامل والذي انتهت جلساته بالامس واصدر توصياته هو حلم بعيد المنال،فالحكومة من جهتها والتي لم تترك باباً لشق صفوف المعارضة وتمزقها الا وطرقتها حيث كانت كل خطواتها تراهن على تصدع جدار تماسك وحدة أحزاب المعارضة للنفاذ إلى جلب أطراف (رخوة) تضفي شرعية مزيفة على حوارها الذي كثيرا من تقول ان نحو (74) حزبا سياسيا و(34) حركة مسلحة الي جانب (50) شخصية قومية مشاركة فيه، صحيح ان الحكومة نجحت في جرجرة بعض الاحزاب الرافضة والممانعة والتي خرجت علي الحوار قبل فترة ثم انخرطت في لقاءات مع نداء السودان مثل قوي المستقبل التي شكلت قضية التحقاها بقوي نداء السودان او التنسيق معها (جند) رئيسي في اجتماعات اديس ابابا الاخيرة حيث حوي بيان نداء السودان تفاصيل تلك القضية غير ان الحكومة بعد اجتماعات مكثفة نجحت في اعادة قوي المستقبل الي حظيرة الحوار، ويري البعض ان هذه الخطوة وفرت علي نداء السودان جهود عديدة حال عدم عودة قوي المستقبل الي الحوار بإعتبار ان أطراف عديدة كانت ترفض وبشدة التحاق قوي المستقبل التي كان عدد من قياداتها البارزة حتي وقت قريب من قيادات النظام النافذة. ويقول محللون سياسيون ان الحكومة تلعب بعدد من الكروت في يدها مع المجتمع الدولي ومن بينها كرت الحوار الذي شكلت له حملات اعلامية موسعة لجهة إبرازه للرأي العام، كحل (منقذ) لازمات السودان لكن الحقيقة التي يمكن رؤيتها ببساطة هي ان الحكومة (تمر) بأزمة خانقة لافكاك منها لذلك جنحت للحوار الذي كانت دعوتها له غير مبدئية لإشراك الجميع في اللعبة الديمقراطية، كما ظلت تؤكد في أكثر من مناسبة.
ضعف التوصيات:
حديثنا عن ضعف مخرجات الحوار يمكن قراءته من خلال مقال كتبه رئيس تحرير صحيفتنا الاستاذ محجوب محمد صالح بعنوان (ضعف توصيات الحوار وقضاياه) ان مخرجات الحوار التي تسربت ما زالت يحيط بها الغموض والحديث يتكرر عن تجاوز النقاط الخلافية برؤية مشتركة لكن تلك (الرؤية المشتركة) لا تزال عرضة لشتى التفسيرات،وقال ان ورقة الهوية تمت صياغتها بلغة انشائية رفيعة تتحدث كثيراً ولا تقول شيئاً، وتردد شعارات لا مكان لها علي ارض الواقع، واضاف ما قالته وثيقة الهوية قالته بصورة أو أخرى كل الدساتير السابقة في مقدمتها وديباجتها ولم يلتزم بها أحد، بل قالها الدستور الراهن فتنكر له الحكام واتخذوا من القرارات وسنوا من القوانين ما يتعارض معه تماماً، وتناول صالح قضية منصب رئيس الوزراء وقال كأنما كل أزمة السودان تمثلت في عدم خلق هذا المنصب أو ملؤه، وختم محجوب مقاله بقوله بصرف النظر عما إذا شاركت المعارضة السودانية أو لم تشارك في الحوار فإن مخرجات هذا الحوار لن تجيب عن الأسئلة الجذرية المطروحة وهي على أحسن الفروض قد تمنح بعض الوظائف لبعض المتطلعين– فهل ذلك هو المطلوب.
مبادرة المجتمع المدني:
وفي حديثي مع القيادي بمبادرة المجتمع المدني عبد الله موسي قال ان قاعة الصداقة شهدت اسدال الستار علي مسرحية هزيلة لن تحل أزمات البلاد واوضح موسي للايام ان الحوار الحقيقي يقوم علي ارادة سياسية جادة وتهيئة المناخ وتوفيرالحريات وايقاف الحرب لجهة اخراج البلاد من ازماتها وقال ان الحكومة لا ترغب في ذلك بل تريد حوار يعيد انتاج الازمة ويطيل من عمر النظام واوضح ان الحكومة حاورت نفسها في اشارة الي غياب المعارضة الحقيقية عن الحوار وقال موسي انهم في مبادرة المجتمع المدني ونداء السودان لا صلة لهم بحوار الوثبة وأردف(نحن مع الحوار المنتج والجاد بمشاركة كل مكونات نداء السودان) ومن جهته يقول القيادي بمبادرة المجتمع المدن يمهيد صديق في حديثه مع الايام امس ان الهدف الأساسي للحكومة من حوار الوثبة هو تفرقة وشرذمة المعارضة السودانية، قبل الحاق بعضها بالوظائف الحكومية(وزارات ومعتمديات وولايات وغيرها) وذلك من خلال اتباعها لسياسة (فرق تسد) وشدد هذا الحوار مضيعة للوقت ، وأنه حوار عبثي وتابع فاقد شئ لا يعطيه، فهو منقلب على الشرعية) وشبه مهيد الحوار بالمنلوج الداخلي بين مكونات النظام وتابع(مسلسل قاعة الصداقة هروب من مواجهة الازمة الحقيقية بالبلاد والتي تتمثل في ايقاف الحرب وفتح الممرات الامنة لاغاثة المتضررين واكد ان الحوار الجاد والمنتج يتطلب تهيئة المناخ واستحقاقات واجبة النفاذ ولفت الصديق الي مقدرة القوي المدنية علي اجبار النظام لجهة احداث التغيير المطلوب واردف (القوي المدنية هي راس الرمح في التغيير وانتزاع الحقوق وبناء الدولة المدنية والديمقراطية) واوضح ان نتائج الحوار لن تحمل في طياتها تغييرات جوهرية تتعلق بتطوير المكتسبات الديمقراطية للبلاد، وقال ان تكتيكات النظام من الحوار هي لتسكين حالة الاضطراب السياسي والاجتماعي التي تعيشها البلاد منذ فترة،واستبعد تقديم النظام لاي تنازلات للمشاركين في الحوار واشار الي تصريحات قيادات النظام وقوله بان منصب رئيس الوزراء محسوم للمؤتمر الوطني واضاف الحديث عن التوافق عن الخلافات داخل الحوار (كلام ساكت) وقال أن تنازلات النظام ستقتصر على الجزء البسيط والخاص بالوظائف الحكومية حال تشكيل حكومة جديدة بنهاية الحوار المعطوب.
نداء السودان:
ويوم السبت الماضي ومن خلال مؤتمر صحفي لها قالت قوي نداء السودان انها لاعلاقة لها بحوار قاعة الصداقة وحذرالقيادي بقوي نداء السودان ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير الحكومة من إعتبار الحوار الوطني(سدرة المنتهى)وتشكيل حكومة مابعد هذا الحوار،وقال أن ذلك يمثل تراجعاً عن اتفاق خارطة الطريق الإفريقية الموقعة بين الجانبين، وجدد الدقير تمسكهم بعدم المشاركة في حوار يعمل على ترقيع الحكومة القائمة، وتابع(نحن ليس معنين ببدايات أونهايات هذا الحوار) ورهن دخولهم في حوار مع النظام بعقد المؤتمر التحضيري لمناقشة شروط الحوار التي تشمل تهيئة المناخ وإطلاق الحريات والاتفاق على رئاسة الحوار وإجراءته، وخير الدقير النظام بين تصعيد الحراك السياسي الجماهيري السلمي لتحسم الجماهير المعركة وتحمله على القبول بالحوار المنتج، أو إسقاطه والذهاب لمزبلة التاريخ،وقال الدقير ان النظام الذي يضيق ذرعا بالحريات الصحفية ويكمم الصحف ويصادرها لن يتيح الحريات للاحزاب والقوي المعارضة. وفي ذات السياق جدد الدكتورجبريل ابراهيم التزام نداء السودان في الدخول في الحوار الجاد والمنتج وأعتبرحوار قاعة الصداقة بانه حوار لشراء الوقت وإعادة تركيع النظام من خلال وضع بعض المساحيق وتابع(هذا لا يحقق السلام ولا الاستقرار في البلاد) واردف (نحن لسنا طرفا في ذلك ويوم العاشر من اكتوبر يعتبر تاريخ مهم للمعارضة لتوحيد صفوفها عقب وضوح الرؤية وتماييز الصفوف في طريق الانتفاضة )وقلل ابراهيم من نجاح الحكومة في التطبيع من المجتمع الدولي والغرب وقال النظام لايقراء الاوضاع بشكل جيد وتابع(التطبيع ليست بالامر الهين والتطبيع مع الشعب وليس مع الاجنبي)
الامة:
وفي بيان له امس الاول قال حزب الامة القومي، إن سعي النظام الحاكم المحموم لإلحاق بعض القوى المعارضة بالحوار الوطني أمر (يائس وبائس)، وقال أن حوار الوثبة ليس إلا اجتماعاً للطرف الحكومي بحلفائه، وتابع: ليس للعنتريات المعلنة أي جدوى في إقناعنا أو تخويفنا، وأضاف الحزب أنه يعلم أن ما وصفها بالمسرحية الحالية تحبك من أجل مشهد ختامي تخاط فيه توصيات على مقاس الثلة المتحكمة، وتنتهي إلى حكومة يلجها كل منخرط قديم أو جديد، في أكبر تضييع للفرص الوطنية، وبعثرة لمال الشعب المقهور المسحوق -على حد قوله.
الشيوعي:
وفي ذات السياق قال الحزب الشيوعي السوداني الحوار الوطني لن يفضي لحلحلة قضايا الوطن، معتبراً أنه لن يزيد أزمات الوطن الا عمقاً واستفحالًا، ووصف الشيوعي الحوار بأنه مؤتمر للحزب الحاكم والأحزاب والجماعات التي تدور في فلكه، مطالباً جماهير الشعب السوداني بتصعيد النضال في كل الجبهات لإسقاط النظام واسترداد الحرية والديمقراطية.وقطع الشيوعي بعدم مشاركته في أية حوارات مع النظام مالم يقبل بشروط المعارضة المتمثلة مطلوبات وقف الحرب، وتوصيل الإغاثات للمواطنين المتضررين من الحرب وويلاتها، فضلاً عن إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وفي مقدمتها قانون الأمن الوطني، الذي يحكم به النظام البلاد،بجانب قانون الصحافة والمطبوعات، والنقابات وغيرها، وطالب بتكوين حكومة إنتقالية قومية، تقوم بتفكيك دولة الحزب الواحد، وإعادة قومية أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، وإستقلال القضاء، ومكافحة الفساد ومحاربة المفسدين واسترداد أموال الشعب المنهوبة وتحقيق العدالة، وتحسين الظروف المعيشية للمواطن، على أن تشرف تلك الحكومة على عقد المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الإنتقالية، لوضع دستور دائم يتوافق عليه كل أهل السودان، يؤدي لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية أساسها المواطنة، يعقب ذلك إجراء الانتخابات، حتى يتم التداول السلمي للسلطة، مما يقود لإستقرار الوطن وسلامته من التشظي، مشيراً الى أن الحزب الحاكم رفض هذه المطلوبات كسباً للوقت والبقاء في السلطة خوفاً من المحاسبة على الجرائم المرتكبة في حق الشعب والوطن، وأكد الشيوعي في بيانه عدم استفادة الحكومة من مواقفها السابقة تجاه الشعب واختيارها لما أسماه بحوار الطرشان.
ختاما:
وأمس اسدل الستار علي الحوار بعد اجازة توصياته التي وصفها البعض بالضعيفة بينما وصف مؤيدو الحوار يوم امس بالتاريخ والمفصلي وما بين هذا وذاك تظل الهموم والتحديات باقية وتدورفي حلقة مفرغة لا أحد يدري متى ستغادرها إلى مربع جديد يمكن معه استشراف مستقبل البلد. لكن من الواضح ان الازمة الاقتصادية وقضايا الحرب والحريات ستلقي بظلالها على حياة الناس، وتحملهم أعباء جديدة بشرتنا بها موزانة العام المقبل والارتفاع الجنوني للاسعار بالاسواق فضلا عن تراجع الصناعة واغلاق العديد من المصانع وغيرها من التحديات.