بقلم عثمان نواي
انتشر منذ يومين هاشتاج #سكاتكم-شين، والموجه من قبل بعض الشباب تجاه قيادات المعارضة بالداخل. وهو عبارة عن دعوة لقادة القوى السياسية لتقدم الركب والسير في الخطوط الأمامية في مسيرة احتجاجية ضد الارتفاع الجنوني غير المسبوق للأسعار بعد رفع الدولار الجمركي والذي اثر بشكل مباشر على أسعار المواد الغذائية الرئيسية وأهمها الدقيق الذي بلغ الجوال من المطاحن 350 جنيه بالامس بينما خرجت صحف اليوم معلنة وصول الأسعار لجوال الدقيق إلى 550 جنيه، اي نصف مليون جنيه بالقديم لجوال الدقيق واصبح سعر الرغيف الواحد الف جنيه بالقديم.
ان هذه الأسعار هي بمثابة إعلان رسمي بتجويع الشعب السوداني الفقير اصلا. وبينما كان الناس يرزحون تحت ألم أسعار الدواء والوقود والمواصلات والتعليم هاهو الخبز الذي يقيم الجسد قد وصل إلى حد جنوني. وبينما يستورد السودان معظم غذائه من الخارج بعد التحطيم التام للإنتاج الزراعي وكافة المشاريع الزراعية المنتجة وإشعال الحروب في الأراضي الأكثر خصوبة في البلاد وتشريد أهلها، وبيع بقية أراضي ومياه السودان للأجانب من خليجيين واتراك وغيرهم، فإن النظام الان يقوم كما يبدو بحملة للتخلص من بقية الشعب الفضل.. البقية التي لم تهاجر أو تموت، أو لئك المغلوبين على أمرهم من أهل السودان الذين يعيشون في وطن هو عبارة عن رهينة تحت حكم البشير، الذي يستخدم الشعب كدرع بشرى لحمايته من الاعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
وللأسف أن هذا الشعب المسكين يجوع وهو الذي يحترق بجمر الأسعار في كل ولايات السودان التي لا توجد فيها حروب بينما يحترق سكان مناطق الحرب بالجوع عبر منع الإغاثة الإنسانية. والحصيلة هي أن الشعب السوداني الان في الطريق إلى أن يصبح موحدا في الجوع.. هذا على الرغم من أنه ما زال متفرقا على أسس أخرى، وان كان بالأمس جوع أهل مناطق الحرب بعيدا هناك في الهامش، هاهو الجوع يغزو اليوم كل بيت سوداني، الا من بيوت المفسدين والكيزان.
من المؤسف جدا إن الشعب هو الذي يكتوي بنار الجوع ولكن قادة المعارضة الصامتين في انتظار أن ينتفض الشعب، لا يريدون أن يقوموا بدورهم القيادي في قيادة الناس لانتزاع حقوقهم.. فهم يريدون ممارسة عادتهم السرية القذرة في سرقة جهود ودماء الشعب السوداني وثوراته والركوب على الموجه الصاعدة وليس صناعة رياح التغيير التي تصنع الموجات العالية التي تغرق الشوراع بالغضب وتطيح بهذا النظام. ففي سبتمبر خرج صغار الشباب وطلاب المدارس واستشهد منهم 200 لازالت حقوقهم ضائعة بلا محاكمة الجناة ورغم ذلك ركبت المعارضة سرج تلك الهبة الشعبية وحاولت استغلالها. والآن لا فائدة ابدا من توجيه نداء لمعارضة لا تانس في نفسها سوى قيادة الشارع بعد أن يثور لحصدوا ثمار الثورة بلا تضحيات حقيقية. لذلك القيادة التي لا تقود هي ليست بقيادة ولا يجب توجيه نداءات لها أو وضع امل فيها. ان كان للشباب طريق للخلاص فعليه أن يقود نفسه ويعي حقيقة أن لا قيادة للشعب السوداني من بين صناع أزماته من نخب لا تريد مراجعة نفسها ولا أخطائها التي أدت إلى تشرذم العمل المعارض وذهبت به إدراج الرياح خلال ال 28 عاما الماضية .
بعيدا عن قيادات المعارضة وعجزهم بالمعنيين عجزهم عن الفعل وشيخوختهم.. ان الشعب السوداني الان لا يبحث فقط عن اسقاط النظام، أن الشعب السوداني يبحث أيضا عن الطعام، والجوع كافر.. وكفر الجوع لا يؤدي فقط إلى كفر بالنظام كما تأمل المعارضة وقادتها النائمين ولكنه يؤدي إلى كفر بالمعارضة أيضا وكفر بقادتها.. كفر الجوع لن يرحم لأنه قد يؤدي إلى الكفر بالوطن نفسه.. فاطعموا جوع الوطن إلى قيادة تحس بآلام شعبها قيادة مستعدة لدفع ثمن الخلاص موتا بالمقاصل والرصاص.. والا فأن الجوع الذي لو كان رجلا لقتله سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، سيكون هو الرجل الذي سيقتل ما تبقى من السودان وطنا وشعبا! …
nawayosman@gmail.com