بقلم : أ. محمود يوسف
يبدو التغيير مستحيلًا مع السيطرة الكاملة لحزب المؤتمر الوطني، حيث استبدلت جماعة الإخوان المسلمين (الكيزان) في عام 1989 ، الجيش والمخابرات العسكرية والمخابرات الوطنية والشرطة والخدمة المدنية برجال ونساء دينيين وعرقيين. شكلوا في السنة الأولى الأمن الشعبي (سابقًا أمن الحزب) والشرطة الشعبية وقوة الدفاع الشعبي بالإضافة إلى تجنيد الشباب بالقوة لمحاربة الجيش الشعبي لتحرير السودان، على سبيل المثال الحملة التي كانت تهدف إلى الاستيلاء على جبال النوبة في 1994 تتكون من 34000 فرد من الجيش، وقوات الدفاع الشعبي، وبعض الأجانب بالإضافة إلى المجاهدين، الذين هم كبار السن والذين يعتقدون أنهم سيذهبون إلى الجنة إذا قُتلوا. أحاطوا بقوات الجيش الشعبي لتحرير السودان البالغ عددها 800 جندي في جبل توشي، برئاسة القائد الراحل محمد جمعة ناير لمدة أربعة أشهر دون إلحاق الهزيمة بهم، وانسحبوا في النهاية. تم تجنيد هذه القوات في المدن والمناطق الريفية بقسوة بالغة. بينما قتلت الحكومة في السنة الأولى كل من وجد بحوزته العملة الصعبة في محاكم عسكرية تفتقد الحد الأدنى من القيم العدلية، وشكلوا معتقلات سرية سميت بيوت اشباح حيث تعرض فيها الطلاب والمعلمون والنقابيون والمعارضون للتعذيب وحتى القتل بوحشية، وقاموا بتنفيذ هذه القيود بينما كانو يستمتعون بالحياة ويختلسون ثروات البلاد كما قاموا ببيع الأصول السودانية داخليا مثل مشروع الجزيرة الذي كان يعتبر أكبرمشروع زراعي في أفريقيا، مع نظام الري المائي المصمم في عام 1926 ليتدفق بشكل إنسيابي طبيعي دون ضخ، قاموا ببيع الخطوط الجوية السودانية وخطوط الشحن السودانية والمباني السودانية في لندن وجنيف والعديد من المدن الأخرى، وتم وصف البشير مع مجموعاته على أنهم جماعا تحكم البلاد كما لو كانوا حفنة من عصابات المافيا. أثناء قيامهم بذلك، كانت لديهم ثقة كبيرة في الحكم إلى الأبد، كما قال الدكتور الترابي أمام الصحفيين العرب من جماعة الإخوان المسلمين في عام 1992 “لن ينجح أي انقلاب عسكري في السودان، ولن تنجح الانتفاضة الشعبية أوالثورة” معددا اسباب ذلك ، وقال نائبه علي عثمان مرة “إن جذور شجرة حزب المؤتمر الوطني عميقة الجذور، ولايمكن إزالتها بسهولة” ، وقال آخر “سوف نسلم الحكم فقط الي المسيح عيسي في مجيئه الثاني!”
هكذا كان يفكر جماعة الإخوان المسلمين (الكيزان) وكانوا مفعمي بالثقة ، عندما اندلعت الاحتجاجات في الخرطوم والابيض في 30 يوليو 2011 ، وقعت عدة مظاهرات صغيرة أخرى حتى اندلعت مظاهرة كبرى في الخرطوم في 23 سبتمبر 2013، ولما يقارب من ألاسبوعين ، لكنها ووجهت بقسوة مبالغة ، نتجت عن ما يقرب من 300 شهيد ، قتلوا على أيدي عناصر الأمن باستخدام الذخيرة الحية. لقد خرجت الحكومة من تلك التجربة بالثقة المفرطة ، ولكن منقسمين بشكل كبير إلى معسكرين ، المؤيدين للبشير يتكون بشكل أساسي من رجال عسكريين مثل الفريق أول بكري حسن صالح وعبد الرحيم محمد حسين ومعارضيه ، ويتكون من علي عثمان محمد طه والدكتور نافع علي نافع وآخرين. بدأ هذا التقسيم مباشرة بعد توقيع الاتفاق بين دكتور نافع علي نافع ممثلا لحكومة حزب المؤتمر الوطني ومالك أقار أيير رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال في 28 يونيو 2011. في تحليلي فإن السبب يرجع إلي أن البشير بدأ يشعر بالشعور بالذنب للخطاء الذي ارتكبه للسماح لجنوب السودان بالانفصال ، وكانت مجموعة علي عثمان طه ودكتور نافع علي نافع ومالك أقار هي الجهات الفاعلة الرئيسية من حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان الذين بدأوا العملية برمتها من الألف إلى الياء كتحالف استراتيجي لهؤلاء النخبة (إن صحت التسمية) لحكم السودان، وقد قرر البشير معاقبتهم ، وكرد فعل ، منها عارضت هذه المجموعة من الشماليين إعادة انتخاب البشير في عام 2020 ، والتي تتطلب تغيير الدستور في البرلمان ، في بدايتها ، أدي تداعيات هذا الانقسام أيضًا إلى الحرب بين الحركة الشعبية والحكومة في جبال النوبة في يونيو 6 ، 2011 ، ثم تبع ذلك في ولاية النيل الأزرق في 1 سبتمبر 2011 بعد أن رفض البشير إتفاقية نافع علي نافع ومالك أقار فإنهار الاتفاق. من ناحية أخرى ، نجح البشير في جر العديد من الفصائل الدارفورية إلى اتفاقيات الدوحة الاساسية للسلام في عام 2011 ، من خلال ملاحق إضافية حتى عام 2018 [21] ، بالإعتقاد أن ذلك قد يسمح له بالحكم إلى الأبد ، ثم في 27 يناير 2014 ، أطلق مؤتمر الحوار الوطني ، الذي افتتح في 10 أكتوبر 2015 ، افتتحه كرئيس الأول للمؤتمر في قاعة الصداقة في الخرطوم ، حضر كضيوف كل من الرئيس التشادي ، إدريس ديبي ، والأمين العام لجامعة الدول العربية ، نبيل العربي ، ورئيس البرلمان العربي ، محمد الجروان ، ولقد بلغ عدد المشاركين في الجلسة الافتتاحية 92 حزبا سياسيا و 9 حركات مسلحة و 74 شخصية وطنية ، في وقت لاحق ووفقًا للأمانة العامة للمؤتمر ، وصل العدد إلى 108 حزاب و 38 حركة مسلحة و 75 شخصية وطنية ، ويعتقد على نطاق واسع أن عددًا صغيرًا جدًا من الأحزاب المشاركة ، حوالي خمسة ، يتمتعون بنفوذ سياسي حقيقي في حين أن البقية بوزن سياسي ضعيف جدًا وتأثير سياسي أقل ، فهي إما أنشأت حديثًا ، أو فصائل منشقة من الأحزاب الموجودة بالفعل ، أو التي أنشأها النظام لأغراض المكائد ، على النقيض من ذلك ، قاطعت الأحزاب ذات النفوذ السياسي المتحالفة تحت شعار ندآء السودان المؤتمر ، إلى جانب غيرها [22] ، بما أن المؤتمر كان يهدف إلى حل النزاعات السودانية المختلفة (نفس المخطط الذي دمره بإنقلابه قبل 25 عامًا) ، بمشاركة أكثر من 116 حزبًا بما في ذلك حزب الأمة رئاسة الصادق المهدي (قاطع لاحقًا بعد القبض عليه لمدة شهر بسبب قوله إن قوات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان في دارفور (مراسلون بلا حدود) ، في حين أن آخرين مثل الحزب الشيوعي السوداني ، وحزب البعث العربي ، وحركة تحرير السودان – ميني ، وحركة تحرير السودان – عبد الواحد ، وحركة العدل والمساواة ، والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال رفضوا حضور المؤتمر. مثل الاتفاقات المختلفة التي أجراها حزب المؤتمر الوطني ، انتهى المؤتمر بعد ثلاث سنوات ، ووقع البشير علي “الوثيقة الوطنية” في 10 أكتوبر 2016 ، والتي تضمنت بعض التعديلات على الدستور ، مثل إدخال منصب رئيس الوزراء .