نيويورك – صوت الهامش
نشرت مجلة (ديسينت) تقريرا للكاتبة كيتلين شاندلر، أكدت فيه أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لأن يدفع للحكومات الأفريقية للحيلولة دون وصول اللاجئين إلى أوروبا – حتى لو استخدمت تلك الحكومات قوات شبه عسكرية في سبيل هذا الهدف.
ونوه التقرير إلى أن السودان، الذي اعتاد اللاجئون الأفارقة أن يجدوا فيه مسلكا سهلا إلى أوروبا، بات اليوم ملجأ لأحد أعنف محاولات الاتحاد الأوروبي على صعيد سَجن الأفارقة قي القارة السمراء قبل أن يغادروها إلى الشواطئ الإيطالية.
وأكد التقرير أن الركيزة الأساسية في سياسة الاتحاد الأوروبي الراهنة على صعيد الهجرة تتمثل في الضغط على الحكومات الأفريقية والشرق أوسطية لصدّ تيار الهجرة مقابل المساعدات. ومع تنامي مدّ اليسار المتطرف عبر القارة العجوز وتركيزه على ملف الهجرة، باتت هذه الضغوط تشهد وتيرة متسارعة.
والآن وفي ظل تدفق مليارات اليورو من أوروبا إلى منطقة قرن أفريقيا وغيرها من المناطق لصد تيار الهجرة، وفي ظل انسداد المناطق الحدودية التي كانت ذات يوم مسامية، فإن التكلفة الإنسانية باهظة وبعيدة عن المواطنين الأوروبيين – ولكن إلى أي مدى أوروبا مستعدة لإغلاق حدودها؟
أفضل إجابة على هذا السؤال، حسبما ترى صاحبة التقرير، يمكن أن تأتي من جانب بلدان مثل السودان، وليس من مقرّ الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وتشير الأبحاث إلى أن الأشخاص العازمين على الهجرة إلى أوروبا عبر السودان، إنما يغادرون بلادهم بسبب توليفة من الأسباب، بينها: الاضطهاد الذي تمارسه ضدهم حكومات بلادهم؛ وطول أمد الصراعات؛ والفقر الطاحن.
وقالت صاحبة التقرير إن عددا من الإريتريين الذين يشكلون أغلبية اللاجئين -ممن أجرتْ معهم حوارًا أثناء إقامتها في ولاية كسلا على الحدود بين السودان وإريتريا- عددا من هؤلاء الإريتريين يفرون من بلادهم هربا من التجنيد العسكري الذي يستمر مدى الحياة، إلى جانب انتهاكات إنسانية أخرى يتعرضون لها في إريتريا.
هؤلاء الهاربون من إريتريا يضطرون إلى الإقامة في السودان في أوضاع معيشية مزرية لبضعة أشهر أو حتى لسنوات، يشتغلون في أعمال صناعة الأثاث أو في تنظيف البيوت أو بيع الشاي أو في وظائف أخرى بالسوق السوداء – من أجل ادخار آلاف الدولارات التي يحتاجونها لسد تكاليف رحلتهم عبر ليبيا أو مصر إلى أوروبا.
وبالعمل مع الحكومة السودانية، يرغب الاتحاد الأوروبي في إعادة اللاجئين والمهاجرين إلى أوطانهم أو البقاء في دولة ثالثة (هكذا يشير الاتحاد إلى بلدان كالسودان). لكن الأمر يزيد خطورة بالنسبة للشباب من هؤلاء المهاجرين.
وبدءا من عام 2016، شرعت حكومة السودان في القبض على الإريتريين وترحيلهم بدعوى “دخولهم على نحو غير شرعي” للسودان، وهي الخطوة التي ربطتها منظمات حقوق الإنسان بأجندة الاتحاد الأوروبي الخاصة بالهجرة.
وتعتبر عملية إعادة شخص إلى بلد قد يواجه فيه ضررا جسيما –والذي يتضمن في إريتريا السجن والتعذيب- تعتبر انتهاكا لمعيار دولي معروف باسم “عدم الإعادة القسرية”.ونتيجة لذلك، فإن الإريتريين في السودان كرّسوا كل أوقاتهم وجهودهم وتفكيرهم في هدف واحد: هو التخطيط للخروج.
وأوضح التقرير أن اهتمام الاتحاد الأوروبي بالسودان على هذا الصعيد، بدأ عام 2014، قبل انفجار أزمة اللاجئين السوريين عام 2015 والتي جعلت ملف الهجرة في مقدمة السياسات الأوروبية.
ولمدة طويلة، ظل آلاف الإريتريين والسودانيين وغيرهم يعبرون القرن الأفريقي كل عام وصولا إلى لامبيدوسا أو جزيرة صقلية فيما يعرف بالمسار المتوسطي الرئيسي.
وفي عام 2013، وصل نحو 834ر9 إريتري إلى إيطاليا، لكن في عام 2014، وصل العدد إلى أكثر من ثلاثة أمثاله مسجلا: 329ر34.
وفي أواخر 2014، اجتمع في روما ممثلون عن: الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية ودول أفريقية والاتحاد الأفريقي، وذلك لتدشين مبادرة “عملية الخرطوم” لبحث التحديات التي تمثلها تدفقات الهجرة غير الشرعية واللاجئين وطالبي اللجوء فيما بين دول المنشأ ودول العبور ودول الوجهة (الوصول) بين القرن الأفريقي وأوروبا عبر “روح من الشراكة، وتبادل المسؤولية والتعاون”.
ونبه التقرير إلى أن هذا التعاون، غير الملزِم قانونيا، قد تضمن على نحو مدهش حكومات كانت منبوذة في السابق كالسودان وإريتريا.
وتلاحق المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد أبناء شعبه في دارفور.
كما أن الرئيس الإريتري اسياس افورقي هو ديكتاتور عسكري يحكم بمنتهى الوحشية منذ 26 عاما هربت فيها نسبة 12 بالمئة من الإريتريين.
لكن الاتحاد الأوروبي، وفي تحوّل ملحوظ عن سنوات سابقة، بات الآن يتعاون مع ممثلين عن أمثال تلك الحكومات القمعية في سبيل هدفه النهائي: منع الأفارقة من دخول أوروبا.
وبحسب التقرير، فإن “عملية الخرطوم” باتت بمثابة نقطة محورية في استراتيجية الاتحاد الأوروبي الشاملة للتصدي للهجرة، والتي بموجبها يمول الاتحاد الأوروبي دولا أخرى لإغلاق حدودها.
وفي نوفمبر 2015، انعقدت قمة “فاليتا” في مالطا حول الهجرة وقامت صراحة على أساس عملية الخرطوم؛ وطالبت الحكومات الأوروبية نظيراتها الأفريقية بالتعاون على صعيد الهجرة مقابل مساعدات قيمتها 1.8 مليار يورو عبر صندوق ائتمان الاتحاد الأوروبي لحالات الطوارئ في أفريقيا.
وبعد نحو عام على مفاوضات الخرطوم، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع تركيا قيمته مليارات مقابل منع تركيا المهاجرين، لاسيما السوريين والعراقيين والأفغان، من استخدام شواطئها للوصول إلى أوروبا.
وفي 2016، شرع الاتحاد الأوروبي في تمويل وتدريب خفر السواحل الليبي للتصدي للقوارب التي تحاول عبور المتوسطي. ويعيد خفر السواحل الليبي هؤلاء اللاجئين والمهاجرين إلى معسكرات اعتقال في ليبيا حيث يواجهون التجويع والتعذيب والاغتصاب. (وتتلقى الوزارة الليبية التي تدير مراكز الاعتقال – تتلقى دعما فنيا ومساعدة من الاتحاد الأوروبي).
على نفس الصعيد، طوّرت دول أوروبية اتفاقات ثنائية مع دول أخرى على طول المسار الذي يسلكه المهاجرون – على سبيل المثال، تتولى حكومة إيطاليا بشكل مباشر مهمة تدريب وتمويل خفر السواحل الليبية بالتوازي مع جهود الاتحاد الأوروبي.
بعض هذه الاتفاقات تؤسس على تاريخ طويل من تحول أوروبا إلى ليبيا لحراسة مياهها – كمثل تلك الاتفاقية الموقعة عام 2008 بين إيطاليا تحت سيلفيو برلسكوني وليبيا تحت معمر القذافي بقيمة 500 مليون دولار ثمن معدات مراقبة إلكترونية على الساحل الليبي.
وقد تمخضت جهود الاتحاد الأوروبي على صعيد السيطرة على الحدود عن تضييق الخناق عبر منطقة القرن الأفريقي، ما جعل الرحلات إلى أوروبا أكثر خطورة عما كانت عليه من قبل.
وكانت عملية الخرطوم قد وُصفت في بادئ الأمر باعتبارها جهدا لحماية اللاجئين والمهاجرين عبر التصدي لمشكلتي التهريب والاتجار. وكان الخلط بين التهريب والاتجار إشكاليا منذ البداية.
وعلى الرغم من أن التهريب يمكن أن يؤدي إلى الاتجار، إلا أن هذا لم يكن هو ما يحدث دائما، وعادة ما يرى اللاجئون المهربين بمثابة الوسيلة الوحيدة للوصول إلى وجهاتهم.
ويبدو أن “عملية الخرطوم” قد تجاهلت حقيقة أن التهريب والاتجار في منطقة القرن الأفريقي قد انتعشت بدعم من مسؤولين حكوميين وشرطة وحرس حدود.
وأكد التقرير أن “عملية الخرطوم” قد بعثت برسالة واضحة إلى الحكومة السودانية مفادها أن السيطرة على تيار الهجرة كان على رأس أولويات الاتحاد الأوروبي – وأن الاتحاد كان جاهزا للدفع في سبيل هذا الهدف.
ولم يمول الاتحاد الأوروبي حكومة السودان بشكل مباشر بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، لكن أكثر من 100 مليون يورو يتم ضخها إلى السودان عبر منظمات دولية متنوعة. وعلى الأرض، من المتسحيل تتبّع مآل تلك الأموال.
وغداة البدء في تنفيذ “عملية الخرطوم”، نشرت الحكومة السودانية مجموعة شبه عسكرية هي “قوات الدعم السريع” أو “الجنجويد” سابقا -وهي متورطة في جرائم حرب ضد أبناء دارفور – على طول الحدود السودانية الشاسعة مع ليبيا لمنع المهاجرين من عبورها.
وتشير تقارير متواترة إلى قيام قوات الدعم السريع بإلقاء القبض على مئات الأشخاص المحاولين عبور الحدود، وإرسالهم في البداية إلى معتقل بمدينة دنقلا ثم إعادتهم إلى الخرطوم، حيث يواجهون الترحيل.
وأكد التقرير أن تحرير المعتقلين من مراكز الاعتقال ومنع ترحيلهم هو أمر ضروري على الصعيد الإنساني، لكن هذا لا يعالج القضية الأساسية والمتمثلة في أن دعم الاتحاد الأوروبي المستمر للجماعات شبه العسكرية وقوات حرس الحدود على الشاطئ الآخر للمتوسطي – هذا الدعم يجبر اللاجئين والمهاجرين بشكل مباشر على العودة إلى أماكن يتعرضون فيها لأخطار بينها الخضوع للبيع والشراء.
المصدر هنا