د. فيصل عوض حسن
في مقالتي (السُّودان وتهديدات الإريتريّين المُجَنَّسين) بتاريخ 2 مارس 2022، تَنَاولتُ تنفيذ المُتأسلمين لأعظم وأخطر (خياناتهم) ضد السُّودان، حينما قاموا بتجنيس مئات الآلاف من (اللاجئين الإريتريين)، وتذويبهم في المُجتمعات المحلِّيَّة، بغرض الكسب السياسي وتغذية المليشيات الإسْلَامَوِيَّة بالمُرتزقة/المأجورين، والبطش بالشعب السُّوداني ونهب مُقدَّراته. كما تناولتُ تَغَلْغُل (الإريتريين المُجنَّسين) في مفاصل الدولة ومُؤسَّساتها، وارتكابهم لجميع المُوبقات/الجرائم التاريخيَّة والسيادِيَّة والاقتصادِيَّة والاجتماعِيَّة.
اتَّخذَ المُتأسلمون وأزلامهم المُجَنَّسون الإريتريون، أكذوبتين رئيسيتين لـ(شَرْعَنَة) هذه الخيانة التاريخيَّة، وأطلقوا إعلامهم المأجور لترسيخهما في أذهان العالم أجمع، وليس فقط أذهان السُّودانيين. الأكذوبةُ الأولى هي التَدَثُّر بمُسمَّى (البني عامر)، والأكذوبةُ الثانية هي التَحَجُّج بـ(القبائل الحُدُودِيَّة والمُشتركة)، وعبر هاتين الأكذوبتين تمَّت (شَرْعَنَة) تجنيس ثلاث أرباع (الإريتريين)، وتذويبهم في المُجتمعات المحلِّيَّة بنحوٍ بات يُهدِّد سلامة واستدامة شُعُوب البلد (الأصيلة). ومن الأهمِّيَّة توضيح معلومة غائبة عن غالِبيَّة السُّودانيين، وهي أنَّ (البني عامر) ليسوا (قومِيَّة/عِرق/إثنِيَّة)، حتَّى تشمل قبائل/مُكوِّنات فرعِيَّة، ولكنَّهم بطنٌ (صغيرٌ/محدود) ضمن قومِيَّة/إثنِيَّة التقري الإريتريَّة، وفقاً لمراجع رسميَّة علمية بعضها (إريتريَّة)، كجدول (القوميَّات/الإثنيات) الرئيسيَّة في إريتريا، الصادر عن مكتب التخطيط بوزارة التعليم الإريتريَّة عام 1996، والذي خلا تماماً من اسم (البني عامر)، سواء كقومِيَّة/إثنِيَّة رئيسيَّة أو فرعِيَّة، والجدول موجود في الرابط التالي: https://www.researchgate.net/figure/Eritrean-Nationalities_tbl1_271683514. امَّا القبائل التي يزعمون أنَّها تُشكِّل قوميتهم فهي بأسماء غريبة عن السُّودان، ولا تُوجد لها أراضي ولا آثار ولا حتَّى مقابر للأجداد، لذلك يحرصون على التَدَثُّر بمُسمَّى (البني عامر)!
إضافةً إلى ذلك، توجد خريطة منذ عام 1864 للقبائل (الأصيلة) بمنطقة/إقليم التاكا وما حولها بالإقليم الشرقي، تُوضِّح أنَّ قبائل منطقة التاكا تشمل كلاً من: السبدرات، الحلنقة، المليتكنهاب، الالقدين، بيتاما، الايليت والكوناما. كما حَدَّدت الخريطة أرض الهَدَنْدَوَة في الشمال الجُغرافي لإقليم التاكا، وقبيلة الشُكرِيَّة غرب الإقليم، وفي الجُنوب تقع قبيلة الحُمران. وبالنسبة للبني عامر والحباب، فقد حَدَّدتهم الخريطة في الجُزء الشرقي للسُّودان، وهو دولة إريتريا الحالِيَّة، مما يفضح (أكذوبة) وجودهم التاريخي في السُّودان، وأكاذيبهم وادِّعاتهم (المُتضَخِّمة) بهذا الخصوص. ويُمكن الاطّلاع على الخريطة المذكورة في مكتبة الكونغرس/القسم العِبري عبر الرابط التالي: https://www.loc.gov/resource/g8330.ct003452/?fbclid=IwAR2uka3fl68JISSiyvhagxumXfgbCktM_-zJjFoAYXRtAkiMoDR4EdF_GZ8&r=0.094,0.55,0.589,0.248,0.
بالنسبة للأكذوبة الثانية، والمُتمثِّلة في (القبائل الحُدُودِيَّة/المُشتركة)، فيفضحها التوزيع الجُغرافي للقوميات الإريتريَّة المُعتمد في إريتريا نفسها، والذي يُوضِّح وجود تلك القبائل في العُمق الإريتري، أو المُتاخِم لدولٍ أخرى كإثيوبيا والصومال وجيبوتي. ولنتأمَّل في فضيحة (الإريتري) الذي أصبح والياً لحمدوك في القضارف، وهو ينتمي لقبيلةٍ إريتريَّةٍ مع الحدود الجيبوتِيَّة تُسمَّى (الأساورتا)، ولا عِلاقة لها البَتَّة بالسُّودان وحدوده، حتَّى تكون لهم (نِظَارة/عُمُودِيَّة) وحقوق (سِيادِيَّة)، مما أجبر حمدوك على إقالته ولكن دون مُراجعة/تقييم المُخالفات التي ارتكبها إبان عمله كوالي، وهي مُصيبة تُضاف لمصائب العسكر/الجنجويد وحمدوك وقحتيُّوه! وحالة هذا الوالي تنطبق على جميع (اللاجئين الإريتريين)، وعلى رأسهم (الكائنات) التي خَصَّصوا لها مسار الشرق في جوبا، والذين أقَرُّوا بالصوت والصورة أنَّهم (إريتريين)، وتلك الإقرارات كفيلة بطردهم نهائياً من السُّودان، ومُحاكمة كل من ساعدهم دون استثناء! وللمزيد من الاستوثاق، يُمكن الإطلاع على خريطة التوزيع الجُغرافي للقوميات الإريتريَّة في الرابط التالي:
http://www.eritrea.be/old/eritrea-people.htm
وثَمَّة تأكيد إضافي على حَدَاثة الوُجُود (الإريتري) في السُّودان، ذَكَره (Gaim Kibreab) سنة 1987، في كتابه (Refugees and Development in Africa: The Case of Eritrea)، إذ أكَّدَ بأنَّ (تَسَلُّل) الإريتريين للسُّودان بدأ لأوَّل مرَّة في ستينيات القرن الماضي، وأنَّ الحكومة السُّودانِيَّة التزمت بمُعاهدات الحدود السُّودانِيَّة الإثيوبِيَّة، إبان زيارة هيلا سيلاسي للسُّودان في فبراير 1967، ووافقت على تخيير اللاجئين بالعودة لوطنهم، أو الإبعاد (Keesing Contemporary Archives, June 24-July 1, 1967, 22194 A). علماً بأنَّ تقديرات الحكومة السُّودانِيَّة للإريتريين الفارين بسبب الحرب الإثيوبِيَّة على إريتريا في مارس 1967، كانت حوالي 7000 من القوميين الإريتريين (Keesing Contemporary Archives June 24-July 1, 1967, 22104A)، مُعظمهم من النساء والأطفال والرجال المُسنِّين من أصل شبه بدوي، وهذا الكتاب ثمنه 12 دولار ومبذول في موقع أمازون على الرابط التالي: https://www.amazon.com/Refugees-Development-Africa-Case-Eritrea/dp/093241527X
لقد حَرَصتُ على الاستعانة بمراجع علميَّة ورسميَّة رصينة، (غير سُودانِيَّة)، تأكيداً للحيادِيَّة وتعزيزاً للوثوقِيَّة (المفقودة) في جميع المراجع المُنتشرة في السُّودان الآن، لأنَّها خَضَعَت لتزييفٍ صارخ بإشراف المُتأسلمين وأزلامهم، وتمَّ نشر وترسيخ معلوماتها المُزيَّفة، خاصَّةً عبر أبناء (اللاجئين الإريتريين) دَّاخِل وخارج السُّودان. ومن أهمَّ الحقائق التي أثبتتها هذه المراجع، أنَّ (البني عامر) ليسوا إِثنِيَّة/قومِيَّة من أساسه، حتَّى تندرج تحتها (قبائل/مُكوِّنات) فرعِيَّة تمتد لدولتين، وفق مزاعم (الإريتريين المُجنَّسين)، كالمملكة المزعومة بشرق السُّودان وغيرها من المزاعم والأكاذيب، التي لم نقرأها في كُتُب التاريخ (قبل الكيزان)، ولم تَرِد في المراجع العلمِيَّة الدَوْلِيَّة/الإقليميَّة الموثوقة. ويَتَبَيَّن من المراجع التي أوْرَدْتُّها أعلاه، أنَّ المُستَعْمِر كان يجْلِب الإريتريين للسُّودان، كـ(عُمَّال) لقطف القطن بمشروع القاش الزراعي، ثُمَّ يُعاد ترحيلهم إلى موطنهم بنهاية موسم الحصاد، وكانوا بأعداد محدودة ومحصورة في عائلات معلومة. أمَّا مدينة كسلا التي تُعدُّ معقل مشيخة البجا الحَلَنْقَة ونظارتها، فلم تكن تعرف ما يُسمَّى البني عامر كـ(قبائل) من أساسه حتَّى عام 1965، وكان الإريتريُّون القليلون المُتواجدين فيها يعرفون باسم (الخاسا)!
كذلك أثبتت المراجع التي أوْرَدْتُّها (أكذوبة) القبائل الحُدُودِيَّة أو المُشتركة، وأنَّ الأعداد المهولة (للاجئين الإريتريين) قادمة من عُمق إريتريا، أو من المناطق المُتاخمة لدولٍ أُخرى كالصومال وجيبوتي وإثيوبيا. وحتَّى لو افترضنا وجود تَقَارُب جُغرافي أو امتدادات هنا وهناك، يَظل عامل (السِيادة) هو الأهمَّ، وهو الذي تحرص عليه جميع الدول. فدول التعاوُن الخليجي بينها قبائل مُشتركة عدّة، لكننا نجد (الدَوَاسْرة) السعوديين والقطريين، وغيرهم من القبائل في بَقِيَّة دول الخليج، يزورون بعضهم لكن دون تَغَوُّلاتٍ (سِيادِيَّة) أو ادِّعاءاتٍ زائفة، على نحو ما يفعله الإريتريُّون في السُّودان! وفي أوروبا كذلك، يبقى البلجيكي بلجيكي والهولندي هولندي، يَتزاورون ويلتقون بحُرِّيَّة، لكن دون تجاوز (الحدود/القيود السِيادِيَّة)، ولم نسمع في كل العالم، عن تجنيس أي كائن بجنسيَّة دولةٍ ما، لمُجرَّد أنَّ ابن عمه نَالَ جنسيَّة تلك الدولة، حتَّى لو حازها بالقانون وليس كحالة (الإريتريين المُجنَّسين) المُتْخَمَ بالتجاوُزات! وإذا كنت تحمل جنسِيَّة أمريكا أو كندا أو غيرهما من الدول المُتقدِّمة، وجَلَبْت زوجتك وأبنائك لتلك الدولة، لا يُمْنَحون جنسيَّة تلك الدولة، إلا بعد قضاء مُدّة مُحدَّدة واستيفاء عدد من الشروط القانونِيَّة، وهذه إجراءاتٌ تضعها الدول وتنفذها بصرامة لحماية سيادتها ومُواطنيها، بما في ذلك إريتريا التي تمنع جنسيتها عن مُواطنيها الذين يأتوننا حُفاة وجَوعى، وبين ليلةٍ وضحاها يَدَّعون (أحقيتهم) بالسُّودان أكثر من أهله!
المُحصِّلة أنَّ هناك (خيانات) عُظمى مُتتالِية ارْتُكِبَت في حق السُّودان، بدأها المُتأسلمون وواصل فيها أزلامهم العَسْكَر/القحتيين، بدءاً بتجنيس شعب كامل و(تذويبه) في مُجتمعاتنا المحلِيَّة، (خصماً) على السُّودانيين الأصيلين. ثُمَّ (تزييف) التاريخ وترسيخ معلومات خاطئة للأجيال الناشئة، كتخصيص مملكة وَهمِيَّة (للاجئين الإريتريين)، وتضمين ذلك التدليس في المُقرَّرات الدراسِيَّة، وسرقة مُحتويات دار الوثائق القومِيَّة، و(التعتيم) المُتعمَّد على تفاصيل تلك الجريمة، وعدم تقديم الضالعين فيها للمُحاكمة حتَّى الآن. وهنالك الجريمة/الخيانة التاريخيَّة والمعرفِيَّة، بحق أعظم وأعرق (سِفْر/مَرجِع) تاريخي، وهو كتاب “جُغرافية وتاريخ السُّودان” لنعوم شقير، الذي تمَّ (فصله) لقسمين (الجُغرافيا والتاريخ) دون توضيح المُبرِّرات الدَّاعِية لذلك، أو الجهات التي (أشرفت) على هذه الجريمة. والأخطر من هؤلاء، الذين ساهموا في (تضخيم) مُسمَّى (البني عامر) وتحويله من بطنٍ قَبَليِ صغير إلى إثنِيَّةٍ كاملة، مُكَوَّنة من (قبائل إريتريَّة) والمُشاركة في تجنيس أفرادها، باعتبارهم مُنتسبين لهذه القومِيَّة (الأكذوبة)، فهؤلاء يستحقُّون المُلاحقة والمُحاكمة بأقصى العقوبات، لفداحة الجرائم التي ارتكبوها وساهموا فيها ضد السُّودان (الأرض والشعب)!
لقد شَكَّلت جحافل اللاجئين المُتزايدة مخاطر ضغوطاً رهيبة على السُّودان، سواء سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، وترتفع الخطورة أكثر بالنسبة (للاجئين الإريتريين)، بأحقادهم وجرائمهم وادَّعاءاتهم/أكاذيبهم المُتواصلة، وأطماعهم الاستيطانِيَّة والاستعمارِيَّة التي أعلنوها صراحةً مراراً وتكراراً، ولنتأمل تصريحات (الإريتريين) القادمين عبر اتفاقيات جوبا الكارثِيَّة، التي نَشَرَتها صحيفة الرَّاكوبة في 13 مارس 2022، نقلاً عن اليوم التالي، وادِّعائهم بأنَّهم (أصحاب الشرعِيَّة القانونِيَّة الوحيدة في الشرق)، بالنسبة للحكومة والمُجتمع الدَّوْليّ، مما يستدعي التعامل معهم بحسمٍ وحزم، وعدم الركون لـ(أكذوبة) القبائل المُشتركة أو المُتداخلة، التي تمَّ دحضها أعلاه، وهذه إجراءاتٌ (حِمائِيَّةٌ) تقومُ بها جميع الدول والشعوب المُحترمة.
ليتنا نعلم أنَّ الأخطار لا تنحصر في شخص أو مجموعة سُودانِيَّة بعينها، كما يُشيع (اللاجئين الإريتريين)، وإنَّما تهديدات مُباشرة تَطَال الوطن بمن فيه، وتُعيق سيادته وأمنه المُسْتَدام، لأنَّنا أمام مُخطَّط استيطاني/استعماري مُكتمل الأركان، ونحن المَعْنِيُّون بحسم وإفشال هذا المُخطَّط، بتعزيز تَلاحُم جميع السُّودانيين (الأصيلين)، ضماناً لأمننا الاجتماعِي وسيادتنا الوطنِيَّة ومُستقبل أجيالنا القادمة، دون مُجاملة وبعيداً عن العواطف.. وللحديث بَقِيَّة فترقبُّونا.