نيويورك – صوت الهامش
كشفت براميلا باتن، الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، عن زيارتها للسودان بدعوة من حكومتها في الفترة من 18 إلى 25 فبراير الجاري.
واستهدفت الزيارة الحصول على معلومات مباشرة عن الأوضاع وتقييم التحديات التي تعترض طريق التصدي للعنف الجنسي في الصراعات بالسودان وتدشين حوار بناء مع السلطات الوطنية في هذا الصدد.
ونبهت المسؤولة الأممية -في تقرير نشرته وكالة أنباء (آي بيه إس)- إلى أن زيارتها كانت الأولى من جانب أي ممثل خاص للأمانة العامة بالأمم المتحدة عن العنف الجنسي في الصراعات للسودان منذ تدشين المكتب بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1888 عام (2009).
ونوهت براميلا عن لقائها في الخرطوم بمسؤولين حكوميين بارزين وبرلمانيين وممثلين عن الحقوق المدنية؛ فضلا عن لقائها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان واتحاد الصحفيين السودانيين؛ كما زارت براميلا وحدة شرطية لحماية المرأة والطفل.
وفي دارفور، زارت المسؤولة الأممية شمال دارفور (الفاشر) وغرب دارفور (الجنينة) حيث التقت مسؤولين كبار ممثلين عن الدولة، فضلا عن لقائها نساء من معسكري “أبو شوك” و”الحجاج” للنازحين ممن تشردوا نتيجة الصراع.
وقالت براميلا إن ملاحظتها الأساسية المبنية على زيارتها للسودان تتمثل في وجود متجذر لثقافة الإنكار التي تعزز وتغذي ثقافة الصمت عن العنف الجنسي. وبخلاف ضحايا جرائم أخرى حيث يدان المعتدون، فإن ضحايا العنف الجنسي عادة ما يصابون بالخزي أو يوصمون بالعار.
ونتيجة لذلك، فإن ضحايا العنف الجنسي، عادة ما يخشون جدا الإبلاغ عن الجريمة أو يطلبون العون، ما يضاعف معاناتهم. وحيث أن العنف الجنسي يتم التكتيم عليه بشكل موسع، فإن عدم وجود بلاغات عن حالات لا يعني غياب العنف.
وأعربت براميلا عن عميق حزنها لسماع المحاورين في السودان يشككون في وقوع ضحايا لهذه الجرائم البشعة. وأكدت أن ثقافة الإنكار السائدة هي أخطر العقبات التي تعترض طريق استئصال هذه الجريمة الشنعاء.
ونوهت المسؤولة الأممية عن أنه وفي العديد من اجتماعاتها مع مسؤولين حكوميين كبار بالسودان، قال هؤلاء إنه لا عنف جنسي بالبلاد لأنه محرم في الشريعة الإسلامية. وأكدت براميلا أنه لا توجد ديانة محصنة ضد العنف الجنسي.
وأشارت إلى ما وصفته بالمفارقة، قائلة إن المؤسسات الدينية يمكن أن تقدم دعما ثمة حاجة إليه على الصعيد العاطفي والاجتماعي، لكن تلك المؤسسات قد تكرّس للصمت عندما تستخدم الدين لإنكار وقوع عنف جنسي في المقام الأول.
وعليه، نادت براميلا القادة الدينيين في السودان للإفصاح عن الحاجة إلى حماية الذين تعرضوا لعنف جنسي ودعمهم وإلى مساءلة المعتدين.
وقالت المسؤولة الأممية إنه على الرغم من مبادرة جمع الأسلحة بالسودان، إلا أن تقارير صدرت عن الأمانة العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2017 كشفت عن أنه لا تزال هنالك بواعث جادة على القلق تتعلق بالعنف الجنسي المرتبط بالصراع في السودان.
وأكدت أنها أثناء زيارتها علمت أن النساء لا زلن يتعرضن للاغتصاب أثناء جلب المياه أو الوقود أو لدى مغادرتهن المعسكرات لمباشرة أنشطة الحياة العادية؛ كما سمعت براميلا عن نساء غير قادرات على العودة إلى ديارهن التي نزحن منها بسبب الصراع وذلك لانعدام الأمن وبسبب الخوف من التعرض للاغتصاب.
إضافة إلى ذلك، قالت براميلا إن نساء تحدثن إليها عن عنف جنسي وقع إبان احتدام صراعات قبَلية على الأرض أو الموارد الطبيعية.
وإضافة إلى ضمان الأمن، قالت المسؤولة الأممية إن السلطات السودانية تتحمل مسؤولية تقديم المتورطين في عنف جنسي متعلق بالصراع – للعدالة. وهذا بدوره يتطلب تدشين نظام قضائي جنائي يتضمن مؤسسات لديها الرغبة والقدرة على إجراء تحقيقات ومحاكمات طبقا للمعايير الدولية وإلى تبنّي وتنفيذ تشريع شامل يضمن حماية القانون ويحظر كافة أشكال العنف الجنسي، ويضمن حماية الضحايا والشهود.
كما يتطلب تدشين مبادرات توعية لإرشاد السكان بشأن حقوقهم؛ كما يتطلب تخصيص موارد كافية للمؤسسات القضائية الجنائية ومقدمي الخدمات.
وفي الفاشر، قالت المسؤولة الأممية إنها التقت النائب العام للمحكمة الخاصة بدارفور، التي تختص ولايتها القضائية بالجرائم المتعلقة بالصراع والمرتكبة في دارفور منذ فبراير 2003.
وأكدت براميلا إحباطها عندما علمت أنه لحد الآن فإن مكتب هذا النائب القضائي لم يحقق في قضية واحدة من قضايا العنف الجنسي المتعلق بالصراع.
كما علمت المسؤولة أيضا أنه لا توجد أي امرأة تتولى منصب قاض في أي من ولايات دارفور الخمس. وقالت براميلا إن ثمة حاجة إلى قاضيات إضافة إلى المزيد من محققات ومستجوبات بالشرطة النسائية.
وفي الخرطوم، قالت براميلا إنها التقت ممثلين عن منظمات غير حكومية، بينهم نساء حقوقيات.
ورصدت براميلا ما تعانيه تلك المنظمات من قيود تمنعها عن التعبير عن آرائها أو تنفيذ برامج تتعلق بالعنف الجنسي المرتبط بالصراع – كالخوف من عقاب السلطات وغيرها من التبعات.
ودعت المسؤولة الأممية، حكومة السودان إلى تبني بيان مشترك بين الأمم المتحدة وحكومة السودان، تتعهد فيه الأخيرة بالتصدي للعنف الجنسي المرتبط بالصراع.
واقترحت براميلا أن يركز البيان المشترك على خمس أولويات: وصول الخدمات الطبية والنفسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية لضحايا العنف الجنسي المتعلق بالصراع؛ ومراقبة وتحليل وتوثيق وتبادل المعلومات حول العنف الجنسي .
والاستجابة بسيادة القانون ردا على العنف الجنسي المتعلق بالصراع؛ والتنسيق مع القطاع الأمني؛ والتسيق مع القادة الدينيين والمجتمع المدني.
كما اقترحت براميلا إرسال فريق تقني تابع للأمم المتحدة إلى السودان للعمل على تقييم الاحتياجات وعمل خطة لتنفيذ البيان المشترك.
وأكدت المسؤولة الأممية أن العنف الجنسي في الصراعات يدمر حياة الأفراد ويخرب البيوت ويمزق الشمل ويحول دون وصول المجتمعات إلى سلام دائم. ولمدة طويلة جدا، جرى العنف الجنسي في الصراعات دونما كشف أو عقاب.
وشددت براميلا أنه “لا يجب أن يخامر أحد الشك في أن مقترفي العنف الجنسي أثناء الصراعات وبعدها سيخضعون للعدالة – في سبيل تلك الغاية، يعلن مكتبي الاستعداد لدعم الجهود المبذولة للحيلولة دون وقوع العنف الجنسي في الصراعات والتصدي لها حال وقوعها لكن ذلك لن يتسنى بغير استعداد الحكومات للتعاون على هذا الصعيد وترجمة الالتزامات إلى أفعال ونتائج.