تقرير: حسن اسحق
شهدت الفترة الانتقالية عدد من المحكات الرئيسية، أبرزها ملف حقوق الانسان، ظن كثيرون أن شعار الحرية سوف يلقي ارض خصبة له، إلا أن الواقع يقول العكس، نفذت جميع الأجهزة الامنية اعتقالات واسعة النطاق على معارضين لحكومة الفترة الانتقالية، سواء كان من أعضاء النظام السابق، وآخرين معارضين لحكومة الفترة الانتقالية التي خذلت الكثيرون، في ملف اختبار الحريات وتحقيق السلام في مناطق النزاعات. ويتهم كثيرون أحزاب الفترة الانتقالية، أنها غير حريصة على ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في هذه الفترة الحرجة من التحول الديمقراطي الذي يعرقل مسيرته الأحزاب السياسية والمؤسسة الامنية الراسخة في تخريب أي تحول ديمقراطي حقيقي في البلاد.
يوم ١٩يونيو الماضي، اعتقلت قوات الدعم السريع مصطفى خميس من محلية كلبس وهو في طريقه الى الطينة التشادية ، من ثم جرى ضمه الى معتقلين اخرين ، تم نقلهم الى سجن اردمتا بالجنينة ، قضى فيه ثمانية أيام ، ومن ثم تم نقله برفقة ٧١ الى سجن الهدى بامدرمان دون أي إجراء قضائي .
قامت قوات الدعم السريع باعتقال أعضاء من تنسيقية لجان المقاومة بمحلية كاس بولاية جنوب دارفور في يوم السابع من شهر أغسطس، بعد الاحتجاج على تدهور الأوضاع الامنية في المنطقة، وانتقد فشل حكومة الولاية في توفير الأمن للمواطنين، تشير التقارير ان ابرز لجان المقاومة المعتقلين من محلية كأس، محمدين كير، عمر شنقال، عبدالرازق رزقة.
في شهر يوليو الماضي اعتقل جهاز المخابرات العامة القيادي في حزب المؤتمر الوطني المحلول انس عمر، في ذات الشهر اعتقلت الشرطة محمد ابراهيم حمودي عضو الحركة الشعبية بمدينة مايرنو بولاية سنار. اعتقلت السلطات الامنية مدني علي عبدالرحمن المحامي والناشط الحقوقي بولاية شمال دارفور يوم الثالث والعشرين من يوليو الماضي، في مدينة كتم، بموجب قانون الطوارئ، التي أصدرها والي الولاية إثر أحداث فض الاعتصام في مدينة كتم وفتا برنو.
في شهر أبريل الماضي ألقت السلطات الامنية علي القيادي في تيار المستقبل معمر موسي بعد تنظيم احتجاجات جديدة ضد حكومة الفترة الانتقالية، في شهر يوليو اعتقلت قوات امنية مساعد الرئيس للشؤون القانونية ميخائيل بطرس العضو بتيار المستقبل، بعد داهمت قوة أمنية مكتبه بالسوق العربي. بينما في الثلاثين من يونيو الماضي صرح وزير الإعلام السوداني فيصل محمد صالح، ان السلطات القت القبض علي ابراهيم غندور، وزير الخارجية السابق، ورئيس حزب المؤتمر الوطني المعزول.
من أبرز المعارضين لحكومة الفترة الانتقالية دكتور محمد علي الجزولي رئيس حزب دولة القانون والتنمية، اعتقلته القوات الأمنية في أواخر شهر يونيو الماضي.
النيابة العامة هي تصدر أوامر الاعتقال
يؤكد المحامي عبدالباسط الحاج من حيث القانون و الدستور فإن الجهة المخولة بالقبض والإيقاف هي النيابة العامة و جهاز الشرطة كأجهزة عدلية معنية بتنفيذ القانون، أن تكون الإجراءات وفق أسانيد قانونية واضحة، في حال ارتكاب شخص جريمة، أن يوجه له تهمة محددة وفق نصوص القانون الجنائي، أو أي قانون آخر، ويقوم جهاز الشرطة بالقبض في الحالات التي يجوز فيها القبض بدون أمر من النيابة، أو بأمر من النيابة في الحالات المقيدة بموافقة النيابة، ومن ثم التحري الفوري مع المقبوض عليه بعد إبلاغه بالتهم الموجهة له، و الإسراع بتقديمه لمحاكمة عادلة في أقرب وقت ممكن، دون تسويف أو مماطلة في الإجراءات، يشرح عبدالباسط ان هذه الحقوق مكفولة وفق الاتفاقات الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي وقع وصادق عليها السودان، و هي الآن جزء من الوثيقة الدستورية السارية في الفترة الانتقالية و التي افردت مساحة مقدرة في الفصل الأول تحت عنوان (أحكام عامة) المادة الرابعة (حكم القانون) تحدثت عن إلتزام أو خضوع جميع الأشخاص و الهيئات الرسمية بحكم القانون و ان تلتزم السلطة الانتقالية بإنقاذ القانون.
يسرد عبدالباسط كما هو وارد في الفصل الخامس من الوثيقة الدستورية 2019، فيما يتعلق باختصاصات و سلطات مجلس الوزراء الانتقالي المادة (15) الفقرة السابعة بإشراف مجلس الوزراء على إنفاذ القانون وفق الاختصاصات المختلفة و اتخاذ جميع الإجراءات و التدابير الكفيلة بتنفيذ مهام الفترة الانتقالية، يشير إلى أن الفترة الانتقالية جاءت لترتيب مؤسسات الدولة، حيث تكون اكثر التزاما بتنفيذ القانون، وحفظ القانون المهدرة في فترة النظام السابق، ويطالب ان تضبط المؤسسات الامنية الثلاثة المعنية بحفظ الأمن وفق اختصاصاتها وسلطاتها التي يحددها القانون.
تورط المليشيات في الاعتقال
في ذات السياق يوضح المحامي والناشط الحقوقي محمد عبدالله باقان يشير إلى ان الاعتقالات لا زالت مستمرة بعد توقيع الوثيقة الدستورية، يقول محمد لـ(عاين) ان الاعتقال لا يقوم به جهاز الشرطة أو النيابة العامة، بل عن طريق مليشيات الدعم السريع والاستخبارات العسكرية، باعتبارها مهام غير قانونية، يضيف أن دستور نيفاشا 2005 والوثيقة الدستورية اعطت سلطة اعتقال الافراد، ان تكون بعلم من جهاز الشرطة والنيابة العامة، يضيف أن استمرار وتدخل مليشيات الدعم السريع باعتقال العديد من الناشطين، في ولايات دارفور، يعتبرها المحامي انتكاسة في وثيقة الحقوق الدستورية، يعتبره مؤشر لاستمرار ذات النهج القديم الذي كان يمارسه النظام السابق، يطالب وزير العدل والنائب العام، أن يقوما بدورهما القانوني، ولا يسمح لأي جهة بممارسة اختصاصه، وانهم مسؤولين لأي انتهاك يحدث لحقوق المواطنين.
ينبه محمد أن استمرار الأحزاب السياسية وانشغالها بقسمة الكراسي، سوف يعجل بديكتاتورية جديدة، ويتهم قوى الحرية والتغيير بانتهاج نفس نهج النظام السابق، في ممارسة الخداع وسياسة إرضاء القبيلة، تعيين الولاة المدنيين، يراه محاصصة قبلية وحزبية، يضيف هذا الاستقطاب السياسي سوف تزيد حدته في دارفور، كردفان والشرق، احزاب الاسر الخرطومية تنظر للسودان بمنطق
تفكير مثلث حمدي، يختم حديثه من ناحية قانونية المليشيات ليس لها سند قانوني يمنحها ممارسة الاعتقال او القاء القبض على الأفراد.
تواطؤ قوى الحرية والتغيير مع المكون العسكري
ينتقد الكاتب والصحفي محمد صالح جيفارا أن الاعتقالات التي تقوم بها الاجهزة الامنية المختلفة للناشطين ودعاة التغيير بمناطق النزاعات، هي نفس الممارسات التي كان يقوم النظام السابق، أن النظام الحالي الحاكم أنه أمتداد لنظام المؤتمر الوطني، بصراحة ووضوح أن لأن نظام البشير صنع الجنجويد والمليشيات التي انقلبت عليه بتكتيك منهم، وتضامن وتواطؤ مع مع قحت، من أجل استلام السلطة، يوضح اكبر دليل علي ذلك، وجود وصورة قائد الدعم السريع حميدتي بالقيادة من قبل قحت، مكتوب عليها (حميدتي الضكران الخوف الكيزان)، أما وداخل خيمة جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق داخل القيادة العامة أثناء الاعتصام رافعين شعارات منددة بجرائم حميدتي، من هنا بدأت خطط فض الاعتصام.
يؤكد جيفارا أن الاعتقالات التي تنفذها الاجهزة الامنية بجبال النوبة، ودارفور واماكن النزاعات، يعتبرها امتدادا لسياسة النظام السابق، يقوم بها قائد الدعم السريع لتصفية الخصوم، أن هذه الاعتقالات مرتبطة بمطالب السكان الاصلين بطرد المستوطنين الجدد، اما قائد الدعم السريع يرفض فكرة ارجاع الاراضي لاصحابها، لذلك قاموا باعتقال شباب الثورة بالمدن المختلفة، وهذا الحكومة كما سماه محمد جلال بالانقاذ 2، وتعبير محمد يطابق لما تقوم به قوات الدعم السريع، وتكرار هذه الاعتقالات لا تنفصل عن طبيعة جذور الأزمة السودانية، يعرفه جيفارا انه صراع الأرض والهوية، ويتنبأ أن هذه الممارسات هي امتداد لحرب قادمة سوف تكون أسوأ من سابقاتها، لان المجرم حميدتي، الان هو نائب الرئيس الفعلي للسودان، في السابق كان يصدروا له تعليمات القتل، والآن هو من يصدر تعليمات للمليشيات، وهنا المفارقة، ويتسائل اين التغيير الذي يتشدقون بها دعاة التحامل العرقي، ايضا الحقائق علي الارض من اعتقالات واغتصابات، وقتل وحرق القرى في عهد حكومة الثورة المزعومة، لذا لم يكن هناك تغيير يذكر بل القادم سوف يكون أسوأ وأفظع.
يتهم جيفارا القوى الحاكمة في البلاد في الفترة الانتقالية، أنها تلتزم الصمت عن الجرائم التي ترتكبها قوات الدعم السريع والمليشيات، باعتبارها امتداد للمساومة، وخيانة الثورة التي حصلت بين العسكر وقحت من أجل تقاسم السلطة، والإبقاء على الوضعية السودانية القديمة، لأن أي تغيير جزري، سوف تضعف من حواضنه الاجتماعية، يعطي دليل على ذلك، تصريحات بعض قيادات قحت، عندما صرح إبراهيم الشيخ داخل الاعتصام، بعد خروجهم من الاجتماع الذي عقد بينهما والعسكر، عندما قال ’’اذا رفضتو العساكر سوف تكون هناك دم في السودان‘‘، يوضح جيفارا من هنا اتضح شكل التواطؤ الأيديولوجي بين قحت والعسكر من أجل المحافظة على شكل الدولة العنصرية، وينبه ان قحت ليس له مصلحة أن تدافع عن سكان مناطق الهامش.
.يضيف جيفارا أن الوثيقة الدستورية ذاتها وثيقة ضبابية وأعطى شرعية للعسكر وشرعية للدعم السريع، واعترفت بهم قوات رسمية، لذا الان كل الاعتقالات ينفذها الدعم السريع والاغتصابات وحرق القرى، بمناطق النزاعات، يتهم قحت بالمساهمة بالوصول إلى هذه الوضعية، يستبعد أن أن تقدم شي ولو خطاب إدانة، ترفض قوي الحرية والتغيير ادانة ما يدور في مناطق الحروب بالبلاد، وتصمت عن القتل وحرق القري والجرائم ضد الإنسانية في ذات الوقت.
توعية المواطنين بالحقوق
بينما يدين حافظ عريبي عضو الحرية والتغيير بولاية شمال كردفان، الابيض الاعتقالات ضد الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان من قبل أجهزة الدولة الرسمية في هذه الفترة الحساسة من تاريخ البلاد السياسي، ينفي وجود اعتقالات رصدت في الولاية، يعتبر أن سلوك الاعتقال مرفوض، لأنه يصادر الحريات التي كفلها الوثيقة الدستورية، يطلب حافظ بوجود قوى ثورية حية تنشر الوعي، وتوضح للمواطنين حقوقهم الدستورية، باعتبار عدد كبير من المواطنين غير واعين بتلك الحقوق، لان من أهداف الثورة تحقيق الحرية السلام العدالة، يؤكد ان استمرار هذا النهج يؤثر بشكل سلبي على عملية التحول الديمقراطي في البلاد.
اخيرا وليس اخرا
اخيرا ان احزاب قوى الحرية والتغيير التي تشارك العسكر الحكم مع منظومته الامنية القمعية، يفكرون فقط في المحافظة على مقاعد السلطة التي ورثوها من شعارات الثورة حرية سلام عدالة، أصبحوا لا يهتمون بالحرية ولا يبالون بالعدالة، أما السلام قد رموه في سلة المحاصصات الحزبية وحدها، اما الشارع السوداني سوف يقول كلمته كما قالها امام جبروت الجلاد السابق، ليس ببعيد أن نسمع شعارات أخرى يرددها الشارع تسقط قحت كما سقط النظام السابق، بهذا السلوك العنجهي من قوى الحرية والتغيير، هي ذاتها قابلة للسقوط، اذا استمرت تهادن المنظومة الامنية الجديدة التي تستخدمها منظومة قوي الحرية والتغيير الفاسدة في معاقبة ومصادرة حرية من يعارضونها، هي بذلك ضربت بشعارات الثورة عرض الحائط.
تعليق واحد
قيام الدعم السريع بعملية الاعتقالات تعتبر انتهاك لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية وخرق للوثيفة الدستورية الشرطة والنيابة فقط الجهات المعنية بعملية القبض والتحري بعد إخطار الشخص المعنى بأن هناك تهمة أو شخص ما قام بفتح بلاغ الخ.