بقلم/ الهادي عبدالله
قبل انطلاقة تظاهرات الثلاثين من يونيو الماضي، بيومين، نظم مواطنو محلية غربي جبل مرة، مسيرات حاشدة، تندد بالانتهاكات الجسيمة التي تركتبها مليشيات الجنجويد، التي ما فتئت تنشط في إقليم دارفور بصورة واسعة، بكامل عتادها العسكري.
كمراقب لمجريات الأوضاع الأمنية والإنسانية في جميع انهاء البلاد، ونأخذ إقليم دارفور كحالة، مع تشكيل الحكومة الإنتقالية، وبدء مفاوضات السلام السودانية في عاصمة جمهورية جنوب السودان، ارتكبت مليشيات الجنجويد أكثر من 80 جريمة انتهاك لحقوق الإنسان تأخذ أشكال عدة ”قتل واغتصاب، ونهب والتهديد بالقتل والاغتصاب والمنع من الزراعة…“، ويحدث ذلك على مدى نظر وسمع هذه الحكومة الوليدة ثورياً! والجبهة الثورية ”مسار دارفور“، وتمضي الأحوال على تلكم الوتيرة، دون أن يحس أحدمها أو كليهما وأتخاذ تدابير لمنع تلك الانتهاكات.
في سياق الحكومة ربما الأمر مفهوم للجميع باعتبار أن ”العسكر الجنجويد“ ما فتئوا يتحفظون ويتبعون نهج نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، في تحقيق مكاسب سياسية، وذلك باستخدم العنف المسلح والاجتماعي وغيرهما، بجانب حاضنة هذه الحكومة، التحالف الانتهازي ”الحرية والتغيير“ الذي لم يكلف نفسه العناء للضغط على حليفه لوقف هذه الانتهاكات، والإثنين أرسلا رسائل قوية للجميع ضمنها ”لا نريد سلاماً“ حتى بعد عزل البشير عن السلطة.
تلك الأسباب وغيرها، رسخت الإيماني بقوة لدى الرأي العام السوداني، مفاده أن هذه الحكومة السادية، لا يمكن أن يرتجي منها، كائن من كان، أن تحقق له أولى الحاجات الإنسانية وهي ”الأمن والطعام والمياه“، ولهذا إتخذ مواطنو مدن ”نيرتتي وفتابرونو، وكبكابية، والحبلُ على الجرار“ قرار الاعتصام كل في مدينته للضغط على الحكومة لتحقيق مطالبهم.
مطالب مواطني، تلك المدن، متقاربة ومتشابه بل متطابقة، وهي ”توفير الأمن“ من خلال نزع ”أسلحة الجنجويد، واقالة مسؤولين سياسين وإدرايين وأمنيين“ في الحكومات المحلية، و”تأمين الموسم الزراعي“ مع حلول فصل الخريف، سيما تقديم ”مساعدات إنسانية للنازحين“، بجانب القبض على ”افراد“ تلك المليشيات دونت ضدهم ”بلاغات جنائية“ لدى الشرطة.
إلى الآن، الحكومة تتقاعس في تنفيذ مطالب مواطني نيرتتي، وذلك رغم تعهدها بتنفيذ بعض منها بصورة فورية، أما بقية المواطنين المعتصمين فلم تكلف نفسها العناء للاتصال بهم، لتطمئنهم على الأقل بأنهم مواطنين وحقوقهم واجبة التلبية والتنفيذ، ولكن من خلال التجربة مع هذه الحكومة السادية، فإن الحقوق دائما متجزءة، ولن تجد طريقها نحو التنفيذ رغم الوعود الجوفاء.
الأمر الآخر، والمفهوم ايضاً، أن بعض الناشطون يشنون حملة في واسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، ضد المواطنين المعتصمين في تلك المدن المذكورة سلفاً، لجهة أن تلك الاعتصامات تشكل خطرة على ”مكاسبهم“ التي دانت من خلال مفاوضات السلام في مدينة جوبا! وتجدر الإشارة إلي أن هذا الاعتقاد جزء منه ”ضمني“ وآخر ”علني“ وهذا الأخير يظهر من خلال مطالبة الناشطون من المعتصمين بتحويل فعلهم هذا، دعماً لما يسمى بمفاوضات جوبا التي لا زلنا في انتظار نتائجها لعدة أشهر خلت.
مطالب هؤلاء المعتصمين ضحايا العنف المسلحة والاجتماعي، لا أحد يجادل أو يرفض شرعيتها إلا إنسان سادي أو انتهازي، وفي الإطار ذاته، لم يكلف تحالف الحرية والتغيير نفسه المريضة بالانتهازية، في أن يعلن تضامنه مع المعصتمين، والضغط على ربيبتها ”الحكومة“ حتى تحقيق تلك المطالب المتواضعة جداً، وهنا أيضاً نفهم هذا موقف القديم المتجدد لهذا التحالف، باعتباره مكون من أحزاب كانت مؤيدة للنظام البائد في شن حربه الضروس ضد مواطني المناطق المهمشة في السودان، وبيد أنها غيرت مواقفها ”نفاقا“ مع مرور وإشتداد المعارك العسكرية في جبهات القتال، وتكرار الهزائم العسكرية وسط مليشيات النظام وقواته، وبعد أن اثبتت حركات الكفاح المسلح، قوتها العسكرية أمام العدو الكيزاني. ولن نمضي كثيرا في هذا المنعطف.
أما الجبهة الثورية، فلماذا لا تستخدم نفوذها كمفاوض للحكومة لإيقاف هذه الانتهاكات قبل وضع حلول لها، للأسف وببساطة فاقد الشئ لا يعطيه.
أخر الكلام، إن حكومة العسكر الجنجويد، والقحاتا، وغدا الجبهة الثورية، لن تستجيب لمطالب الشعب السوداني، في أن يعيش في أمن وسلام، ويتنسم الحرية، ويتحصل على مطلوباته الغريزية المثملة في ”الصحة والغذاء والمياه“ إلا بضغوط شديد الوقع، باستخدام عدة وسائل من بينها الاعتصامات.