حسن علي غزالي
“إسرائيل لها مكانة في قلوب الأثيوبيين , واثيوبيا لها مكانة في قلوب الشعب اليهودي ” كانت تلك احدى الأحاديث الجانبية التي تبادلها رؤساء وزارات كل من اسرائيل واثيوبيا خلال مباحثاتهم الثنائية والتي صرح بها نتنياهو خلال خطابه في البرلمان الاثيوبي, تلك الزيارة التي تعد الثالثة لرئيس وزراء اسرائيلي الى افريقيا بعد “ليفي اشكول” 1969 و “اسحاق شامير” عام 1987 وهي الزيارات التي مر علي اخرها 3 عقود, كلمات اوضحت مدى تناغم القيادة الاثيوبية والقيادة الاسرائيلية وكم الوعود التي اطلقها نتنياهو من قمرة البرلمان التي نالت تصفيق لم ينله أحد من قبل حتى أن التصفيق كان منعقداً حتى قبل أن يدخل نتنياهو الى باحة البرلمان ,بدأ نتنياهو خطابه بكلمه “سلام” والتي بالطبع نالت تصفيق حماسي عبر عنه ايضا هو بحماس متبادل على حد تعبيره وبحماس زوجته والوفد المرافق معه والذي ضم برلمانين ابرزهم ” ابراهام نجوسا” عضو حزب الليكود داخل الكنيست الاسرائيلي من اصل اثيوبي وهو نفس الشخص الذى تدور حوله اثارة زوبعة استرداد اسرائيل لممتلكات اليهود فى مصر من خلال “لجنة الهجرة و الاستيعاب والشتات” التي يرأسها داخل الكنيستImage title
.اتسم خطاب نتنياهو بالبساطة والاهتمام بوصول صوته إلى المواطن الاثيوبي البسيط بالإشارة الى تكنولوجيا الزراعة والري التي ستوفرها اسرائيل للمزارع الاثيوبي وكيف ان تلك التكنولوجيا ستصل إلى كل دار اثيوبية, وفي رساله تعجبية اشار نتنياهو الى نقطة تمس الفلاح الاثيوبي ضمن خطابة السلس “يظن الجميع أن البقرة الهولندية والفرنسية هم الاوفر حليبا لكن لا أحد يعلم أن الحقيقة أن البقرة الاسرائيلية هي الاوفر حليبا وستكون البقرة الاثيوبية قريبا ايضا اوفر حليبا” وذلك بحسب الوعود الاسرائيلية بنقل التكنولوجيا من اسرائيل الى اثيوبيا سواء في مسائل الهندسة الزراعية أوالثروة الحيوانية أوالري, وفى عرض تمثيلي متقن تلعب فيه لغة الجسد دورا تسأل نتنياهو كيف انه لا يعلم لماذا تأخرت زيارته الى افريقيا بشكل عام واثيوبيا بشكل خاص وكيف انه يخطط من الان لزيارته القادمة الى اثيوبيا.
خلال سردة الغير مرفق بأي ارقام مدح نتنياهو فى غنى وتنوع وعمق الحضارة الاثيوبية و كيف انها “حبلى بالفرص” على حد تعبيره وهي القيم التي ربطها خلال خطابه بالقيم التي تستند عليها اسرائيل وانها تعد مصدر قوة لدولته , طالما تغنى نتنياهو بالسلام الذى يتمناه مع الفلسطينيين لكنه خلال حديثة امام البرلمان نسف كل فرص السلام ولم يدع مجالا للشك في أن حل الدولتين لن يتحقق في وجودة فخلال خطابة اكد نتنياهو على ابدية القدس كعاصمة للشعب اليهودي رابطا ذلك بأن أحد اجمل شوارع القدس في قلب المدينة يحمل اسم اثيوبيا حتى انه تأثر كثيراً بالكنيسة الاثيوبية في مراحل شبابه وكيف انها تعبر عن روابط خالدة بين الشعبيين في جو عام اراد استحضار النوستالجا الدينية الزائفة خلاله والتي تربط معاناه خروج اليهود من مصر – وهو المصطلح الذى كرره اكثر من 3 مرات – وعبودية الشعوب الافريقية.
والملاحظ هنا ايضا ان نتنياهو خاطب المشاعر القومية الاثيوبية بناءا على محورين اساسيين أولا عندما اشار الى قيمة الحرية التي حظي بها الشعب الاثيوبي طوال قرون حيث انه لم يحتل وقاتل من اجل حريته وكيف استطاع خطابة الربط بين قيمة الحرية كعامل وحدة بين الشعبين (الاثيوبي والاسرائيلي) بالتأكيد على أن ما يحدث في الاراضي المحتلة هو دفاع عن الحرية الاسرائيلية والمحور الثاني هو طموح بناء الامة فهو يرى ان اسرائيل امة في مرحلة البناء وأن العودة الى ارض الميعاد كانت مجرد بداية وهو نفسه المحور الذي يسوقه النظام الاثيوبي للشعب الاثيوبي في مسألة سد النهضة وكيف ان السد هو نقطة البداية لطفرة تنموية شاملة , Image title
وعن الجسر الشعبي الأقوى بين البلدين تحدث نتنياهو عن اليهود الأثيوبيين وكيف ان الالاف منهم يخدمون داخل جيش الاحتلال الاسرائيلي وكيف انهم يمثلون عامل اثراء سياسي و اقتصادي داخل المجتمع الاسرائيلي ناسيا أو متناسيا العنصرية والعنف الذى يوجهونها من قبل قوات الشرطة الاسرائيلية والتي على اثرها اندلعت مظاهرات احتجاجية مشتعلة حتى كتابة التقرير على خلفية تجاوزات عنصرية ليست بالجديدة من جانب الشرطة الإسرائيلية وهي التجاوزات التي ظهرت على السطح بشكل فج في شتاء 2015 ضد جندي اسرائيلي من اصل اثيوبي وهي التجاوزات التي تتسم بتشابه كبير بما يحدث في الولايات المتحدة لكن من وجهة نظري اكثر تهديدا لقوام الدولة الاسرائيلية نفسها عن ما يحدث في الولايات المتحدة فالجندي الاسرائيلي الذى واجه العنصرية لم يواجها من مدنين ولكنه واجهها من افراد ينتمون لمؤسسة دولة مما يهدد تماسك المؤسسات, وهو ما اثار حفيظة بعض الوسائط الاعلامية الاسرائيلية والتي ذكرته صحيفة “جيروساليم بوست” وقتها على لسان الكاتب “روبرت جولدبرج” والذى قال “تل ابيب ليست بالتيمور…. على الاقل حتى الأن, فأن لم يتحرك صناع القرار في الحكومة الاسرائيلية والمسئولين عن عودة يهود الشتات الى ارض اجدادهم واتخاذ اجراءات سريعة تحسن من اوضاع المعيشة لهؤلاء الناس فسيزداد الامر سواء” في اشارة للأحداث المشابهة في امريكا خشية من تطور الوضع.
من المعروف أن فكرة تهجير يهود “الفلاشا” من اثيوبيا الى اسرائيل ظهرت مع بداية الاتفاق الغير معلن بين موشيه ديان عام 77 عندما كان وزيرا للخارجية الاسرائيلية والنظام الاثيوبي آنذاك في مقابل تزويد اديس ابابا بالسلاح وهو الاتفاق الذي لم يري النور لمواقف “منجستو هيلا مريام” رئيس اثيوبيا وقتذاك والتي رأت النور بعد ذلك في العام 1991 ..
نعود مرة اخري الى متن خطاب نتنياهو وقد أكمل نتنياهو خطابة متناولا احدى اهم النقاط التي تسوقها اسرائيل وهي انها واحة الديمقراطية وحريه الاعتقاد في الشرق الاوسط وهذا على حد قوله مصورا ايران الخطر الاكبر على المنطقة فإيران تشكل خطرا بالفعل على المصالح الاسرائيلية فإيران دائرة نفوذها تتسع يوما بعد يوم فقد اصبحت تمتلك حوالى 30 سفارة داخل القارة السمراء منذ بداية التسعينات كما عقدت في 2010 القمة الافريقية الايرانية بطهران بحضور 40 دوله والاهم من ذلك عضوية ايران كمراقب داخل الاتحاد الافريقي وهو ما تطمح اليه اسرائيل .
وكما اسلفنا بعالية كيف انها لا تفتأ أن تردد مجرد اكاذيب لتجميل الواقع المرير الذي يعانيه الفلسطينيين واليهود من اصول افريقية داخل الاراضي المحتلة, ولفت الانتباه هنا ما ذكره خلال خطابه عن ما يصفهم بالإرهابين الذى يستهدفون المقاهي والمراكز التجارية و الاطفال والمدنيين في دمج بارع يهدر دم القضية الفلسطينية بوضعها على قدم المساواة مع حركة شباب المجاهدين الصومالية, فقد حملت كلماته بين سطور خطابه ما يلي :
أرى أن ما حدث في منتصف 2015 داخل جامعة “غاريسا” الكينية من جانب شباب المجاهدين عمل بربري راح ضحيته ما يقرب من 150 شخص اغلبهم من الطلاب مرتبط بما يحدث في الضفة الفلسطينية وغزة ضد جيش الاحتلال فجعل الاعمال الارهابية متساوية مع الاعمال النضالية التي تمثل حق مشروع ضد ما يحدث في الضفة من تهجير وما يحدث في غزة من حروب مستمرة بمعدل 3 حروب منذ 2008 حتي الان و إن اختلفت المسميات من ( الرصاص المصبوب – عامود السحاب – الجرف الصامد) واستطاع نتنياهو ان يخضع خطابه في خدمة رؤيته في ان يضع الأفارقة في خندق واحد مع اسرائيل التي تواجه الارهاب بقوله “انهم يروننا جميعاً خصماً واحداً لهم” …. “يجب ان نقاتلهم صفاً واحداً” لكن الطريق الوحيد لضمان الامن كما يراه نتنياهو هو العمل المشترك والذي وصفة بإعلان عودة إسرائيل لأفريقيا بشكل كبير وانه يريد ان يرى سفارات اسرائيل منتشرة عبر القارة وسفارات كل الدول الافريقية داخل اسرائيل لكن ما لم يذكره ان العامل الاكبر للعمل لوجود تلك السفارات ليس فقط لتنشيط العلاقات مع الجانب الافريقي بقدر محاصرة دور ايران الدبلوماسي الذى اشرنا اليه سالفا, وبالنسبة لمسألة المياه والتي تعد محور القلاقل في الشارع المصري أكد ان اسرائيل ستعمل جاهدة وستسخر قدراتها لتصل المياه في كل اتجاه داخل اثيوبيا وبأقل الخسائر وهو ما يعود بنا لدور اسرائيل ليس فقط في ادارة الطاقة التي سينتجها سد النهضة ولكن في ادارة المياه التي ستتكون في البحيرة المرتقبة خلف السد فيما يسمح بتغلغل اكبر لإسرائيل داخل قطاعات كالاتصالات والطاقة والتعليم وصناعة الدواء في تسويق جديد لمفهوم بناء حضاري شامل لأثيوبيا قائم على المياه وهو ما حدث في مصر منذ الاف السنين حيث كان النيل العامل الابرز في التنمية والتقدم .
ختم نتنياهو حديثه مستشهدا بمقولة مؤسس دولة اسرائيل الحديثة ثيودر هرتزيل ” بعد أن نعيد انشاء دولة يهودية فأننا نتمنى مساعدة شعب افريقيا في الحصول علي حريتهم ” ولزيف السخرية فإن اسرائيل كانت احدى الدول المؤيدة لنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا ولعل ذلك يعد سبباً كافياً لثبوت موقف جنوب افريقيا احدى اقوى دول القارة موقفاً مناصراً لقضية الشعب الفلسطيني وايضا هو ما يفسر ما في الكواليس من ان رئيسة مفوضية الاتحاد الافريقي مدام “زوما” قد رفضت استقبال نتنياهو داخل اروقه الاتحاد الافريقي.
نائب الامين العام لاتحاد الشباب الافريقي ومؤسس مكتب الشباب الافريقي