الخرطوم – صوت الهامش
استقالة وزير الدولة بالعمل والتنمية الاجتماعية، استيفن امين ارنو، أعادت الي الاذهان حالة التهميش المؤسسي والترميز التضليلي الذي كان يمارسه النظام البائد، في تعاطيه مع قضايا تقسيم السلطة والتوظيف خاصة مع المتجمعات والمناطق المهمشة في البلاد، وتكشف ان المرض العضال الذي حرم السودان من التقدم، من الصعوبة اجتثاثه، من المؤسسات الرسمية، إلا بإجراءات تغييرات جذرية.
في خطاب اطلعت عليه ”صوت الهامش“ ووجهه الوزير المستقيل لوزيرة العمل والتنمية الاجتماعية، لينا الشيخ، أكد فيه ان الفساد الإداري والمالي، والمحسوبية، لا تزال هي سيدة الموقف في هذه الوزارة، مبينا ان خلال عمله القصير بوزاراته، حدث تجاوزات ادارية حيث يتم تفويض صغار المسؤولين لتمثيل الوزارة، دون التشاور معه، بينما الوزيرة ”لينا“ منشغلة بمناسبات رسمية رفيعة المستوى.
وأضاف انه عندما استوضح الوزيرة بذلك، لم تكترث له، واعتبر ذلك تحد واضح لرسالته، بقصد وان تحفظاته لا قيمة لها في التعاطي مع صغار الموظفين بالوزارة من النواحي الإدارية.
واتهم الوزيرة بتعمد تهميشه، ووضع حواجز أمامه في عمليات التنسيق للزيارات الرسمية، ويقوم بها صغار الموظفين بدلا عنه، مستشهدا بزيارة منظمة العمل الدولية، حيث تصدرها موظفو الوزارة دون إبلاغه، ومنع تفاعله مع قطاع التنمية الاجتماعية، لا سيما مع كبار المسؤولين والموظفين.
وأضاف قائلا: يبدو ان وزير الدولة، ليس لديه أي سلطة رقابية على الموظفين في قطاع التنمية الاجتماعية، وذلك على ان وظيفته معرفة بوزير الدولة بالعمل والتنمية الاجتماعية، وقال ان لينا الشيخ، قامت بتكليف وكلاء الوزارة لأداء مهام الوزير، في غيابها، وفي ظل وجود وزير الدولة، واعتبر ذلك تهميشا وقلة احترام له.
وكشف الوزير المستقيل، عن عمليات فساد إدارية ومالية ومحسوبية بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، مشيرا الي ان خلال فترة عمله، استمرت الوزيرة في حماية الامتيازات التاريخية للأقليات والنظام البائد، وعملائهم الفاسدين بالوزارة، وأعرب عن دهشه لعدم نصح الوزارة لموظفيها بفتح حساب بديل في البنوك المحايدة، بل واصلت عملية دفع مرتباتهم من خلال بنك ”فيصل الإسلامي“ المعروف بانتمائه للنظام البائد.
لافتا الي خطأ قبول اقتراح مفوض الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي لربط المعاشات التقاعدية وجمع برامج الضمان الاجتماعي ببنك البلد ”بنك الشمال“ سابقا، وتساءل قائلا: لماذا لا توجه السياسة المالية في تطوير المؤسسات المصرفية المرتبطة بالوزارة ببنك الأسرة او بنك الادخار والتنمية الاجتماعية؟ وأضاف ”انا اعتبر مثل هذه السياسات المتعمدة نابعة عن جهل، بل انها خيرات مستنيرة“.
ومن جهته قال الكاتب الصحفي، عثمان نواي لـ ”صوت الهامش“ إن خطاب استقالة وزير الدولة السابق للشئون الاجتماعية يشير الى بحثه المضنى عن حقيقة وضعه الدستوري وعن مواصفات وظيفته ومسؤولياتها، وهذا النهج وصفه نواي بـ ”العقلاني“ الذي يتماشى مع وضعية أي دولة حقيقية ذات قوانين ودستور مطبق على أرض الواقع.
مؤكدا بان الممارسة السياسية السودانية، لازالت تصنع المستندات القانونية والدستورية وتصيغ الكلمات المنمقة كمطلوبات شكلية لبقائها فى المنظومة الدولية وكوسيلة فقط للحصول على الدعم والتمويل الدولي ان وجد، وليس كحدود حاكمة داخليا وملزمة.
ونوه الي ان تضيع الحقائق والحقوق فى فوضي من المصالح المتشابكة تاريخيا والعلاقات المشتبكة فكريا او ايدلوجيا داخل دوائر ضيقة، يصعب اخضاعها للمحاسبة او التعديل، وأردف قائلا: ”نجد ان مطالب بناء دولة القانون هي التي يتم التغاضي عنها باستمرار منذ بداية الثورة وهذه الاستقالة تمثل إعلان مبكر عن أزمة كبرى فى هيكلة التغيير التي تتجلى كل يوم“.
وقال الوزير في بيان استقالته حصله ”صوت الهامش“ على نسخة منها، ان المجتمع السوداني، يعاني كل أنواع العنف البنيوي والمؤسسي، وفي بيئة الحروب العبثية على مدار ثلاثين عاما، غير انه تفاجأ بتدجين دوره لخلق صورة زائفة بإظهار وجه مشرق لحكومة تراعي التعددية بالسودان وهي ابعد من ذلك بكثير.
وأعرب عن امتنانه للتعيين “المعيب” الذي قال جعله يدرك بأن السودان ما زال بعيدا عن طريق التغيير المنهجي والمؤسسي، ودعا القائمين بالأمر، بتدارك الوضع ”المائل“ قبل فوات الأوان.
مؤكدا على ان مجيئه لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية في ظل الحكومة المدنية للقيام بأعمال جادة والتعاون في إحداث التغيير المنشود يفيد السودانيين رغم التباينات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والجغرافية، ولأجل الدفع بعجلة التغيير .
وأضاف ان سياسات الحرمان أصبحت تستهدف قطاعات معينة من المجتمع السوداني وان كل الخدمات الأساسية لأطفال والأدوية والأدوات المنقذة للحياة يتم تحديدها من هذه الوزارة، وأن اغلب السياسات التمييزية في التوظيف بالخدمة العامة والعون الإنساني وبرامج خفض الفقر تؤطرها الوزارة، مؤكدا تمكين الوزارة بعض سياسات تدخل الدولة في الشؤون المسيحية من خلال اتخاذ قرارات بشأن تصاريح العمل والإقامة لرجال الدين والهيئات التابعة للكنيسة.
وشدد على وزارة العمل تبنت في عهد النظام البائد، دور التنسيق لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من خلال السياسات التي قدمتها المؤسسات المختلفة التي كانت موجودة من قبل والتي تقع الآن تحت وزارة العمل والتنمية .
ونوه الي ان المسافة ستكون بعيدة بين المركز والهامش، وفقدان الثقة، وبالتالي يكون تحالف الحرية والتغيير، قد ضيع فرصة تاريخية لبسط العدالة ورتق النسيج الاجتماعي بالسودان.
وفي الإطار نفسه، قال الصحافي شمسون يوحنا لـ ”صوت الهامش“ إن ما حدث وزير الدولة استيفن أمين أرنو، ليس سلوكا جديدا من قبل ”أبناء المركز“ تجاه ”أبناء الهامش“ وتابع قائلا: ظلت هذه الممارسات قائمة منذ الاستقلال حتى سقوط النظام البائد، ولكن المؤسف أن يتكرر السلوك نفسه في ظل حكومة تدعى أنها حكومة ثورة، وتنادي بـ ”الحرية والسلام والعدالة“.
وأوضح يوحنا ان استقالة أرنو، كشف المستور وتقطع الشك، وسط أبناء الهامش الذين انخدعوا بعضهم بأن العنصرية قد انتهت في السودان، واستدرك بالقول: السلوك يؤكد بأن العنصرية لازالت قائمة، وان الشعارات التي رفعت أيام ثورة ديسمبر، كانت سياسية، والهدف منها كسب عواطف أبناء الهامش وتمرير اجندة أبناء المركز، بتوحيد الشارع للاصطفاف خلفهم، وهتاف ”يا العنصري المغرور كل البلد دارفور“ خير دليل.
وشدد يوحنا بان الاستقالة كشفت سياسة استراتيجية، ظلت تمارسها الحكومات السودانية لأكثر من ستة عقود، ألا وهي المشاركة الصورية أو الرمزية لتضليل الرأي العام وخداع ضعاف النفوس من سكان المناطق المهمشة بأن الحكومة تمثل كل الشعب السوداني، ولكن فعليا هي حكومة أبناء الشمال النيلي، وهذا ما رفضه، الوزير المستقيل استيفن أرنو، واوصل رسالته مفادها، ”أن أبناء الهامش لا يمكن ان يصيروا إتباع للآخرين أكثر من ذلك“.
ونوه الي ان المسافة ستكون بعيدة بين المركز والهامش، وفقدان الثقة، وبالتالي يكون تحالف الحرية والتغيير، قد ضيع فرصة تاريخية لبسط العدالة ورتق النسيج الاجتماعي بالسودان.
تعليقان
ما زال الطريق و المشوار بعيد كل البعد عن العدالة و المساواة التي تغنا بها اهلنا في الهامش، من الصعب أن يتنازل الجهوين عن مبادئهم المتوارثة.
يؤسفنا هذه النوع الممارسات غير الراشدة من الوزيرة، والتي من الواضح لا تعي ان الثورة جاءت لنصرة اهلنا المهمشين قبل كل شئ، وان الشعب هو الذي جاء بها لهذا الكرسي، وإن لم تعي درس الاستقالة الذي لقنه له سعادة وزير الدولة، فالثوار الذين رددوها بأعلى صوت للطاغية البشير ” كل البلد دارفور” قادرون على تغييرها.