لندن _ صوت الهامش
دخلت الاحتجاجات المناهضة للحكومة يومها الثامن في السودان” هكذا بدأت “ميدل إيست آي” تقريرها الإنساني حول احتجاجات السودان التي اندلعت في مناطق عدة في البلاد.
ويصور التقرير رجل يبالغ من العمر 44 عامًا، يقف أمام حشد من الناس المنتظرين بفارغ الصبر الكلمة التي سيدلي بها، على أمل أن يسمعوا ما يعالج به مخاوفهم.
“أي شخص يخون الأمة لا يستحق شرف الحياة”.
حيث كان هذا هو الوعد الذي قدمه حاكم السودان الجديد آنذاك “عمر البشير” في كلمة أمام حشد في الخرطوم بعد استيلائه على السلطة عام 1989.
واليوم اتخذت ردود الأفعال المعارضة والصعوبات الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة في ظل حكم البشير الذي استمر 29 عاما شكل احتجاجات مناهضة للحكومة تدخل يومها الثامن.
انتشرت المظاهرات في جميع أنحاء المدن السودانية منذ بدأت لأول مرة في 19 ديسمبر، بما في ذلك إلى العاصمة “الخرطوم” حيث تجمع أمس الثلاثاء حشودًا كبيرةً في وسط المدينة للمطالبة بمغادرة “البشير”.
يقول “سميح الشيخ” المقيم في الخرطوم: “التشابه بين التصريح الأول للبشير عندما جاء الى السلطة في عام 1989 والوضع الاقتصادي الذي نحن فيه حاليًا مثير للتعجب.”
لقد كانت تلك الصعوبات المماثلة في ذلك الوقت من عام 1989 هي ذاتها التي ساعدت الرئيس في الوصول إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري، كما يعتقد “الشيخ”.
وأضاف: “إنه الآن الذي لا يستحق شرف العمل كرئيس للسودان”.
ليس عن الخبز
وأشار التقرير أن النضال من أجل تحقيق الضروريات اليومية مثل الوقود والنقود عاملاً محفزًا كبيرًا للمتظاهرين، حيث أصبحت قوائم الانتظار خارج المخابز ومحطات الوقود والبنوك من المشاهد الشائعة في جميع أنحاء البلاد في العام الماضي، وكثيراً ما يتبين أن الانتظار كان دون جدوى.
يقول “مجتبى موسى” وهو محلل مالي مقيم في العاصمة السودانية: “الحياة صعبة للغاية بكل معنى الكلمة، لا يمكنك أن تتخيل هناك طوابير للخبز والبنزين والغاز ولكن في كثير من الأحيان لا تحصل على شيء في النهاية”.
عندما بدأت الاحتجاجات في مدينة عطبرة، كان سعر الخبز قد تضاعف إلى ثلاثة أضعاف، ما أثار الإحباطات الأولية، لكن كاتبًا سودانيًا أمريكيًا طلب عدم ذكر اسمه، قال لـ “ميدل إيست آي” إن التركيز على هذه القضية وحدها دون سياق أوسع سيكون “صورة سطحية وغير مكتملة بشكل فادح”.
وقال الكاتب: “إن الأزمة الفورية والحاجة الملحة التي دفعت الناس إلى المخاطرة بحياتهم والخروج احتجاجًا، هي المطالبة بخبزهم اليومي”.
“الخبز هو ما دفع الناس إلى الخروج إلى الشوارع ، لكن 30 عامًا من المشقة والقمع العنيف هي ما يبقيهم هناك”.
إن الكثير من التقارير حول المظاهرات ركزت فقط على ارتفاع تكلفة الخبز مما دفع العديد من السودانيين للتعبير عن مشاعر الإحباط.
كما استكمل “موسى” حديثه بأن الاحتجاجات كانت سياسية، وليست مجرد إثارة للقضايا الاقتصادية.
وأضاف: “إذا كانت الاحتجاجات تتعلق فقط بالمسائل الاقتصادية، لكان الناس قد توقفوا عن المشاركة فيها بعد أن أعلنت الحكومة أنها ستخفض أسعار الخبز بعد الزيادة الأولية”.
https://twitter.com/ak47khalid/status/1077541509564690433?s=12&fbclid=IwAR0-kFeKlnzHH_Tz-Ze4i6vpr23OQe4-E6IQHhFTKyMLe5oMG2LjQFs7mxk
مع ما لا يقل عن 37 متظاهراً قيل إنهم قتلوا أثناء الاحتجاجات وفقاً لمنظمة العفو الدولية ، سأل الشيخ: “تخيل قول أم فقدت ابنها في الاحتجاجات وهي تمر بألم لا يمكن تخيله أن هذه الخسارة كانت من أجل الخبز فقط؟”
البحث عن النقد
ونوه التقرير أن نقص النقد في العاصمة السودانية ساهم في إضعاف صبر السكان، وقد ساهم إرتفاع الطلب على النقد بسبب التضخم وعدم الثقة في النظام المصرفي بعد أن أدخل البنك المركزي سياسة تقييد العرض النقدي، لحماية الجنيه السوداني، في أزمة السيولة التي ازدادت سوءًا في الشهرين الماضيين.
ولفت التقرير أن الأمر لا يقتصر على طوابير الانتظار بالنسبة لأجهزة الصراف الآلي واسعة النطاق ، والتي تمتد إلى 20 شخصًا، وتتطلب ما يقرب من ساعة من الانتظار، ولكن محاولة العثور على ماكينة لديها فعليًا أموال نقدية في المقام الأول هو مصدر القلق الأكثر إلحاحًا.
“يضيع الوقت فقط وأنت تبحث عن أجهزة صراف آلي تعمل إذا كانت لديك سيارة، فإنك تهدر الوقود الذي تبحث عنه هو أيضًا، وإذا لم يكن لديك سيارة، فسوف تنتظر وسائل النقل العام غير المتوفرة بسبب نقص الوقود”كما أوضح “الشيخ”.
“إذا استقللت سيارة أجرة، فإنك أيضًا تنفق المزيد من النقود في رحلة البحث عن النقود”.
وأضاف: “من السخف أن نكون صادقين”.
إنه صراع يمكن أن يكون في بعض الأحيان مسألة حياة أو موت، حيث يجب الدفع مقابل العلاج في المستشفى نقدًا.
يقول “الشيخ”: “لا تقبل المستشفيات الشيكات، يجب أن يكون الدفع نقدًا، إنها عقوبة الإعدام “.
وبلغ معدل التضخم في السودان أكثر من 68% في سبتمبر، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم.
السوق السوداء
وأشار التقرير أن بدون الحصول على الأموال من البنوك وأجهزة الصراف الآلي، فإن الكثيرين لم يشعروا بأي خيار آخر سوى اللجوء إلى السوق السوداء، ولكن الحكومة السودانية خفضت قيمة الجنيه في أكتوبر، لذلك فقد كان سعر الدولار الأمريكي غير متوقع.
يقول “موسى”: “في بداية هذا الشهر، وصل الدولار إلى 85 جنيهَا سودانيًا (1.79 دولار) والآن يبلغ 62 جنيه، وسوف يرتفع مرة أخرى”.
و أشار “موسى” في حديثه إلى أن هناك ثلاثة أسعار للدولار، تحدد على حسب المكان الذي تذهب إليه.
فقد قال: “هناك السعر الذي تحصل عليه رسميًا في البنك، وسعران في السوق السوداء، ستحصل على المزيد إذا ذهبت بشيك وأقل إذا ذهبت نقدًا بسبب ارتفاع الطلب على النقد”.
المشقات اليومية
وكان للأزمة الاقتصادية تأثير ملموس على تطلعات العديد من جيل الشباب في البلاد.
طالبة في كلية الطب وتعيش في الخرطوم، تحدثت إلى “ميدل إيست آي” بشرط عدم الكشف عن هويتها، أوضحت كيف أن ارتفاع تكاليف المعيشة يعيق قدرتها على الوصول إلى مكان عملها.
تقول الطالبة: “يجب أن أذهب إلى الدورات السريرية في المستشفيات، ومعظمهم بعيدون عن منزلي، لذا فإنني أعتمد على تطبيقات المواصلات مثل “كريم “و” ترحال ” (خدمات ركوب السيارات) ما يكلفني 300 جنيه سوداني في اليوم الواحد، لقد كان هذا المبلغ أولاً يصلح لشراء الطعام والملابس والشراب، أما الآن لا يفعل شيئًا “.
وأظهرت فواتير شراء فورية تعود لتجار وبائعين في السوق، أن تكلفة كيلو من الدقيق ارتفعت خلال الشهر الماضي بنسبة 20% واللحم البقري بنسبة 30% والبطاطس بنسبة 50%.
كما قفزت الأطعمة في كافيتيريا طلاب الجامعة من 25 جنيه سوداني إلى 45 جنيهًا، وهو ما يشير إلى أن تناول الطعام في الخارج لم يعد خيارًا متاحًا.
“لقد اضطررنا إلى إلغاء معظم خروجاتنا مؤخرًا لأننا لا نستطيع أن نهدر المال على هذه الأشياء عندما يكون من الصعب كسب المال هذه الأيام”.