«سلسة مفاهيم وخطوات عملية مرجوة نحو مدنية الدولة السودانية[57]»
بقلم/موسى بشرى محمود على-22/03/2020
الجزء الأول من المقال تم نشره بتاريخ-23/02/2020 ضمن نفس السلسة رقم «51» حيث طرحت مجموعة من الأسئلة للبحث والاجابة عليها وفق التشخيص الصحيح قدر المستطاع من أجل الخروج بحلول مرضية ومتساوية لكل مواطن سودانى وفق حقوق المواطنة المنصوص عليها فى الدستور والشرائع المحلية والإقليمية والعالمية ومن قبلها شريعة السماء من دون تمييز لأحد أو حكر عمل الجيش لفئة معينة من دون بقية السودانيين.
سأدلف الى طرح بعض الأسئلة السابقة هنا للإجابة عليها:-
-ما الذى أدى الى انهيار منظومة الجيش السودانى بأكمله؟
وفق القول المشهور:«ما بنى على باطل فهو باطل» فالجيش السودانى بنيته الأساسية معتمد على الباطل فمن الطبيعى أن نشهد إنهيار مؤسسة الجيش وأى مؤسسة أخرى عسكرية أو مدنية تؤثر الولاءات القبلية، الجهوية،المناطقية،الحزبية،الاثنية وغيرها من الولاءات الضيقة على حساب الكفاءة، المهنية،الجدارة،التساوى وعدم التمييز فى فرص العمل.
قيادة الجيش تتعامل بنفس منطق أحزاب المركز التى لاتريد للأخرين المشاركة فى حكم السودان وإعمال سياسة الأسياد والأتباع التي خلفها المستعمر وتؤمن بفلسفة «الثوابت الوطنية» و«جدودنا زمان وصونا على الوطن»! ويا ليت الوصية للوطن لكن للأسف هى كلمة حق أريد بها باطل وهى تعنى لاتفسحوا الفرصة للأخرين أن يكونوا ضباطا” وصناع القرار فى هرم قيادة الجيش وتقسيم السودانيين وأقاليمهم الى طبقة جنود وضباط صف وضباط!
كل الضباط والهيئات الرفيعة هم فى الأساس من إقليم واحد والضباط فى الرتب الوسيطة من ملازم الى نقيب من أقاليم أخرى والبندقجية من أقاليم الهامش وهذه حقيقة وكل من ينكرها فهو إما متسلق أو من أتباع النظام البائد الذين رضعوا من ثديه أو حاقد لا يريد الخير للأخرين لكى يكون لهم الحق فى المشاركة فى حكم بلادهم وعليهم أن يظلوا فى طبقة الأجراء والطبقة الاقطاعية!
الانتساب الى الجيش والتعيينات والترقيات فيها يتم على أساس إثنى وعرقى بل فى الأونة الأخيرة بعد نشوب النزاعات والحروبات غير المشروعة التي خاضها الجيش ضد مواطنين سودانيين عزل فى ديار الهامش السودانى وشارك فيه بالقتل والابادة الجماعية والتصفيات الاثنية والعرقية والتهجير القسرى والمتعمد لأهل الهامش والقضاء على الأخضر واليابس أصبح حتى الالتحاق فى صفوف الجندية يتم وفق معايير أساسية أولها الانتماء الاثنى والعرقى للجندى وكأن الجيش ملك لنفر كريم من السودانيين لوحدهم دون الأخرين!
انهار الجيش نسبة لتقديم الولاءات السياسية على التعليمات العسكرية وأصبح جيش مؤدلج بفكر الأخوان المتأسلمين.
تخلى الجيش عن عقيدته القتالية ومسؤولياته الرئيسة التى تتمثل فى الدفاع عن البلاد وشعبه من الأخطار المحدقة بهما الى قتال شعبه الذى أتى منه معظم جنده.
تعاطى الجيش للسياسة وعدم الفصل بين مسؤولياته و فقدان التركيز على مهامه المنوط القيام بها والتدخل فى اختصاصات أعمال الغير من الهيئات غير النظامية التى هو ليس طرفا” فيه أيضا” من المؤشرات التى ساعدت على انهيار منظومة الجيش
جيش لايزال يرزح فى أتون الجهوية والعنصرية فى أروقة عمله ويحرم دخول الكليات الحربية وكليات الحرب العليا وكلية القادة والأركان والكليات العسكرية الأخرى لمجموعات عرقية واثنيات بعينها وضد أقاليم بأكملها ويجعلها خطا” احمر لايمكن حتى الاقتراب منه ويحلها على أخرين!
إعتماد نظام التزكية والكوتة و الشلليات والمحسوبية لأبناء منطقة جغرافية معينة للسماح لهم بالدخول والتأهيل الى الكليات المذكورة حتى من دون معاينات وسؤال عن القبيلة والمنطقة ولا مقابلة قائد عام ولا يحزنون.
كفاءاتهم الوحيدة هى:«دا ولدنا»،«لا مانع لدينا»،«خطاب من الوزير الفلانى أو العميد الفلانى»،«دا قريب اللواء الفلانى »،«أنحنا ناس الخارجية ياسعادتك» »،«أبوى قبيل اتصل ليكم»،«دا خالتو لواء بتاع الجوازات»،«هاك دا بابا أتكلم معاهو» »،«أى قال ليكم تعملوا اللازم»«دا أبوهو قيادى في المؤتمر الوطنى»،«ياخى دا ود عمك!»،«قال ليك تضيفنى مع كوتة الجهاز!»«الولد دا أبوهو من الجماعة»،«ياخى دا ود عمك بتاع القصة زاتو»،«أعمل معروف يا سيادتك»،«بالنية»! وغيرها من الأساليب المعروفة وغير المعروفة وحديثا” رسالة واتس أو مسنجر تكفى بينما الأخرين لايتمكنوا من الحصول على استمارة التقديم ولا يعلمون بوجود الفرص التي تتم توزيعها مسبقا” حتى قبل تصديقها من القيادة العامة للجيش مصنع القرارات!
كيف لاينهار الجيش إذا تتم المعاملة بهذه الكيفية حيث ال البيت أو أسرة صغيرة هم من يقررون مصير بلد وشعب بأكمله؟
-كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟ وكيف تستقيم الأمور فى مؤسسة الجيش وكل هذه الممارسات تمارس بصورة ممنهجة منذ الأول من يناير 1956 الى تاريخ يومنا؟
عدم قومية الجيش تعتبر من العوامل الرئيسة وحجر الزاوية أى القشة التي قصمت ظهر البعير وأدى الى انهيار بنيته وقدراته القتالية والتكنلوجية والقدرات العسكرية الأخرى.
-كيف نتوقع أن تكون مؤسسة الجيش قومية وهى تتعامل بطبقية وترقى من تشاء من أهل الولاء الحزبى وال البيت وتكدر من تشاء من لا يسبح بحمدها؟
-إذا لم يمتهن الجيش القومية فكيف يستطيع مقاومة العواصف الرعدية؟
من الصعوبة بمكان أن يصمت الجيش أمام التحديات ويواجه كل المخاطر ويواصل بناء كينونته وترميم ما أفسده الدهر ما لم تتم إعادة هيكلة شاملة لكل الرتب المختلفة من المستجد فى أرض الحرام أو ميدان التدريب مرورا” بالجندى الى المشير مع الوضع فى الاعتبار التمييز النسبى للأقاليم المتضررة والنسب السكانية لكل أقاليم السودان من الألف الى الياء وعندها ستدخل أدبيات القومية الى قاموسه وسيكون من أقوى الجيوش بدلا” من مكوثه فى مربعه الجهوى القديم الذى لم يتحرر بعد!
«نواصل فى حلقات قادمة»