ياسر احمد درنجك
هذا السؤال يتكرر بشكل يومي علي مسامعنا ويتبادر في اذهان الاخرين ايضاً
السودان دولة مترامية الأطراف شاسعة المساحة يذخر بالموارد المادية والبشرية والتي بدورها شكلت بيئة اجتماعية متنوعة في ثقافاتها ومعتقداتها وتراثها ولغاتها في سياق تنوعها التاريخي والمعاصر.
فشلت النخبة المهيمنة علي الحكم منذ الاستقلال الكاذب الى يومنا هذا في الإدارة الرشيدة للسودان ومخاطبة التنوع الذي يمثل السمة الأساسية للشعوب السودانية ، وقد تشبثت عقليتها حول فكر المستعمر-فورثت منه أسلوب الانكار واحتكارالحقائق ونفي الاخر المغاير لها، والفتن التي لا تناسب الوضعية التاريخية للمجتمعات السودانية . كما انها قامت بممارسة أساليب الاقصاء والتهميش والاستعلاء، ظهرت جلياً في عمليات الإسترقاق والعبودية والتنزيح الثقافي والهيمنة الاقتصادية من نهب للموارد وإستغلال للأراضي وفرض الأحادية الدينية واللغوية علي المجتمعات.
جعلت من هذه الشعوب رمزاً للفقر والخنوع ووسماً للجهل والتخلف وعرضة للاستغلال الثقافي والديني وجسراً للوصول الى السلطة والثراء.
بفعل الاضطهاد اللاخلاقي وفقد الحس الإنساني دبّ الوعي بالحقوق في معظم أوساط هذه المجموعات وادركت آهمية حقوقها ومعرفة مطالبها المتراكمة تاريخياً ، بالرغم من ان بعضاً منها ما زالت ترزح في قاع الجهل وتدافع عن الظلم المفروض عليها.
فطالبت هذه المجتمعات باللامركزية/الفيدرالية واحياناً بالحكم الذاتي إلا ان المارد في المركز رفض هذه النداءات ووصفها بالعصيان والتمرد عليه. فقرر مواجهتها بشتي أنواع العنف من قتل وتهجير وحرق للقري والاغتصاب الممنهج والذي وصل إلى مرحلة الإبادة الجماعية، فتطورت وتمددت مطالها القديمة المتجددة والتي قادتها إلى التفكير في تقرير مصيرها لكي تحافظ علي نموئها الاقتصادي والإجتماعي والثقافي.
حق تقرير المصير.
حق شعبٍ ما في آن يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظله والسيادة التي يريد الإنتماء إليها.
وتعرفه المادة الآولي من عهد حقوق الإنسان عام ١٩٦٦م بآنه ( حرية الشعوب في تقرير مركزها السياسي وحرية تآمين نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي) ، وذهبت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم ٢٦٢٥ الصادر عام ١٩٧٠م التي تضمن التصريح الخاص بالعلاقات الودية بين الدول وفقاً لميثاق الآمم المتحدة، آن مبدآ التسوية في الحقوق وحق الشعوب في تقرير مصيرها هو من مبدآ القانون الدولي الخاص بهذه العلاقات وجاء فيه ان لكل الشعوب الحق في ان تقرر دون تدخل خارجي مركزها السياسي وآن تسعي لتآمين نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وعلي كل دولة احترام هذا الحق وفقاً لنصوص الميثاق.
تطور مفهوم حق تقرير المصير
نشآ وتطور تاريخياً كرِدة فعلٍ علي تزمّت آنظمة الحكم الظالمة والمستبدة في العصور الوسطي ضد الشعوب التي تحكمها إذ كان إقليم الدولة وسكانه يعدان معاً ملكاً خاصاً للحاكم الذي له بمقتضي سيادته المستمدة من الحق الإلهي. كما يسميه جون بودان ( السلطة السامية غير مقيدة بالقانون اذ يمارس سلطته عليها معاً بصفته مالكاً شرعياً فإذا تصرف بجزء من الإقليم شمل تصرفه سكان ذلك الجزء الذي يرتبطون به ويخدعون لمصيره نفسه).
ومع تطور الأوضاع ومرور الوقت تولد رد فعل علي هذا النوع من الحكم فنمت وترعرعت فكرة ان السلطة انما تكمن في الشعب الذي يتمتع بحق غير قابل للتصرف في تقرير شكل الحكم الذي يرغب فيه والدولة التي يريد الانتماء إليها.
الدوافع ولأسباب التي تقود إلى المطالبة بحق تقرير المصير
من خلال الحقبة التاريخية لممارسة الحكم من قبل النخب التي حكمت السودان سواء كانت طائفية آو عسكرية نجد آن الأسباب كافية لمطالبة الشعوب السودانية به، كنتاج لعوامل الاضطهاد والقمع والاستعباد والقتل ولاغتصاب الممنهج والاختفاء القسري والتغير الديمغرافي وعمليات الاستعراب والآسلمة ……….الخ
تقليص دور تقرير المصير اذا كانت هناك إرادة
يتقلص دوره في الابتعاد والنآي عن كل ما يسببه ويجعله مشروعاً ومبرراً ويتم ذلك بإرساء وترسيخ معاني الديمقراطية والفصل بين الدين والسياسة ،الاعتراف بالتنوع علي اختلاف أوجهه الدينية، الثقافية، اللغوية، لا مركزية ،السلطة ، الاقتسام العادل للثروة والتنمية المتوازنة والابتعاد عن الاعتبارات الذاتية ،بل وكذلك بالعدالة الاجتماعية والسياسية ،والتعاون الاقتصادي بين الدولة ومواطنيها واحترام الحقوق الأساسية والإنسانية لكل الشعوب السودانية.
مفهوم تقرير المصير لدي الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال
تآتي فلسفة الحركة لمعني حق تقرير المصير في سياق الوضعية التاريخية والوحدة القسرية التي فرضها المستعمر علي الشعوب السودانية ، وفق شروطه التي تخدم مصالحه ومصالح حلفائه الذين حلو محله.
ونتيجة فشل جميع الحكومات والأنظمة المتعاقبة والنخب علي إدارة السودان وإدارة التنوع الذي يذخر به والإصرار المتواصل علي فرض الهوية الأحادية العنصرية بواسطة الدولة علي الشعوب السودانية المتنوعة ثقافياً ودينياً واثنياً ونتيجة لعدم الجدية في تطبيق اتفاقيات السلام المبرمة ونقضها باستمرار.
إذ تتسمك الحركة الشعبية بدعوتها القائمة علي حق جميع الشعوب السودانية في ممارسة حق تقرير المصير ، اما داخلياً آو خارجياً بالتوافق علي نظام حكم ديمقراطي علماني يوفر لتلك الشعوب المهمشة ممارسة حقها في الحكم في اطار الدولة الموحدة ويضمن لها كافة حقوقها . او خارجياً بالاستقلال الكامل لتحرير نفسها ، ومن ثم البحث عن وحدتها الطوعية، والتي تكمن في بناء عقد اجتماعي جديد قائم علي الغاء مشروعية العنف ومشروعية الثيوقراطية ( التفويض الإلهي ) التي يروج لها جماعة الهوس الديني . كذلك وحدة طوعية علي أسس جديدة قائمة علي مبادئ الحرية والعدالة والمساواة بين المجموعات السكانية وتنبني علي التنوع التاريخي والمعاصر للشعوب السودانية.
اذا قرروا شعبي جبال النوبة والفونج مصيرهم نذهب الي ؛؛؛؛؛؛
سيستمر النضال ومع الذين يؤمنون برؤية وأهداف مشروع السودان الجديد الي ان تنال بقية الشعوب السودانية التواقة للحرية حريتها واستقلالها.
عموماً ان تقرير المصير يمثل معيار العيش في الدولة الموحدة القائمة علي الاختلاف والتنوع . فاذا قرر أي من الشعب السوداني مصيره ،فيكون هذا انتصاراً لحرية إرادة الشعب ولا تعتبر ظاهرة اولي بل سبقتها شعوب اخري في العالم وذلك تآكيداً لبقية الشعوب السودانية التي تتعرض لنفس الدوافع والأسباب كي تنال حريتها واستقلالها،ويمثل ايضاً، استشعاراً بالمسئولية والمعرفة بالمظالم التاريخية وانتصاراً اخر للوحدة الطوعية المحتملة التي سوف تكون قائمة علي الرغبة في الاحترام والحرية والمواطنة المتساوية .
جوبا 15 سبتمبر 2019