برشلونة – صوت الهامش
بات من المؤكد أن حكومة “جنوب السودان” ستنفق الأسبوع المقبل ملايين الدولارات، للاحتفال بإتفاق سلام “نهائي” لإنهاء حرب أهلية دامت خمس سنوات .
ولا تكمن المشكلة في انفاق تلك الملايين، إنما تكمن في تردد زعيم المتمردين، الذي وافق على تقاسم السلطة، وكان حجرا أساس لهذا الإتفاق، في العودة إلى دياره.
و ذكرت وكالة “أسيوشيتد برس” الأمريكية في تقرير لها اليوم، إن تردد “رياك مشار” وسط المخاوف الأمنية، هو أحدث علامة على أن واحدة من أكثر الصراعات فتكاً في أفريقيا قد تتوقف فقط، لكنها لن تنتهي.
و يذكر التقرير أن المراقبين بقلق لإتفاق السلام السوداني، يمكنهم أن يزدادوا قلقاً إذا ما أضافوا إلى قائمتهم عدة نقاط تتعلق بالإتفاق، كعدم الوفاء بالمواعيد النهائية للتنفيذ الرئيسي، و استمرار خروقات إتفاق وقف إطلاق النار، وسط الانتهاكات المروعة للمدنين، كما يظل المحتجزين الذين إطلاق سراحهم بقرارات قضائية، خلف القضبان.
يقول “ديناي جيه تشاجور” – رئيس حزب المعارضة التابع للحركة المتحدة في جنوب السودان، و المساعد في التفاوض على محادثات السلام- : “لا توجد مؤشرات على أن إتفاق السلام كان ناجحا”
كما أكد “تشاجور” في حديث له لـ “الأسوشيتد برس” أنه من غير المرجح أن يُقدم كلاً من “مشار” أو الرئيس “سلفاكير ” ، و الذي تسببت محاولاته السابقة لتقاسم السلطة في إطلاق النار، على العمل معاً مرة أخرى، على الرغم من مصافحاتهما الأخيرة.
وبموجب إتفاق السلام ، من المفترض أن يعود “مشار ” إلى منصبه كنائب لـ “كير” ، حيث أدت التوترات بين مؤيديهم إلى اندلاع الحرب الأهلية في أواخر عام 2013 ، واستمرت المحاولة الثانية التي قام بها “مشار” كنائب للرئيس بموجب اتفاق سابق قبل بضعة أشهر، لكنها لم تمنع من تجدد القتال في عام 2016 ، ما دفعه للهرب إلى المنفى.
وفي رسالة إلى “كير” في الأسبوع الماضي، قال “مشار” إنه لن يعود لحدث الثلاثاء، إلا إذا تمكن الرئيس من تحقيق ثلاثة مطالب، تتمثل في رفع حالة الطوارئ، والإفراج عن جميع أسرى الحرب، والسماح بحرية الحركة لأحزاب المعارضة الموجودة حالياً في الخارج.
وفي السياق ذاته، تحدث “لام بول قابرايل ” -المتحدث باسم المعارضة- لـ”أسيوشتد برس” قائلاً : “سيكون من غير المحترف على الاطلاق ومن الخطأ الامني (للمعارضة) السماح “لمشار” بالذهاب الى “جوبا” دون قوات الحماية التابعة له، مع الاخذ في الاعتبار عدم رغبة النظام في الالتزام بوقف اطلاق النار” و أضاف : ” يتعين على الحكومة إظهار التزامها باتفاق السلام من خلال خفض الأسلحة أولاً”
و حاول الرئيس “كير” هذا الأسبوع أن يطمئن المراقبين و المتابعين للإتفاق، حيث أكد في حديث له لقناة “سيتيزن تي.في” الكينية، إن أمان مشار مضمون من قبل الحكومة.
ووفقاً للتقرير الذي اطلعت عليه (صوت الهامش( ، فقد تسببت الحرب الأهلية في جنوب السودان في شلل تام للشعب الجنوبي ، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 400 ألف شخص جراء العنف والمرض وفقاً لتقديرات حديثة، كما لم تتوقف الهجمات برغم تفاوض الطرفان المتحاربان على اتفاق السلام ، حيث اتُهمت كل من المعارضة والقوات الحكومية بالقيام بعملية انتزاع نهائية للأراضي قبل توقف القتال.
و يذكر التقرير أن “الاغتصاب” كان سلاحًا واسع الانتشار للحرب، حيث اتهم تقرير صادر عن “الأمم المتحدة” هذا الشهر المعارضة باختطاف نساء وفتيات لا تتجاوز أعمارهن 12 عاما، والعمل على تصنيفهن بحيث يمكن لقادة المعارضة اختيار “زوجات” منهن، وقد ترك هؤلاء الذين لم يتم اختيارهم ضحية للاغتصاب مراراً من قبل مقاتلين آخرين، وفقاً لما ذكره التقرير بعد الاستماع من عدد من الضحايا والشهود.
“قد يكون هناك اتفاق سلام جديد في جنوب السودان، لكن القوات الحكومية ترتكب انتهاكات جديدة ضد المدنيين كما تقول “جيهان هنري مديرة منتسبي أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش” ، و التي أفادت هذا الأسبوع بأن القوات هاجمت المدنيين، وأحرقت منازل في غرب “بحر الغزال” من يونيو حتى سبتمبر، مما اضطر عشرات الآلاف إلى النزوح.
وفي حين أن حكومة جنوب السودان والبلدان الإقليمية التي توسطت في الاتفاق قد أيدت اتفاق السلام، فقد قوبل الإتفاق بالشكوك فيبلدان أخرى، فللمرة الأولى، قررت الولايات المتحدة، وبريطانيا، والنرويج، الثلاثية، عدم التوقيع على الاتفاقية، قائلة إنها لا تزال “تشعر بالقلق إزاء مستوى التزام الطرفين”
ووفقاً لتقرير تقدمي صدر في وقت سابق من هذا الشهر عن لجنة “الرصد والتقييم” المشتركة، و المكلفة بالإشراف على التنفيذ، فقد تم إهمال العديد من المواعيد النهائية.
ويشمل ذلك تشكيل كيانين رئيسيين كان من المفترض إنشاؤهما في غضون أيام من الاتفاق، وهما مجلس الدفاع المشترك، و المسؤول عن تأمين وقف دائم لإطلاق النار، ولجنة الحدود المستقلة المكلفة بتحديد عدد الولايات.
و على الرغم من الاعتراف بوجود نكسات، إلا أن حكومة جنوب السودان تنفي أن الأمور لن تتقدم، حيث أفاد “اتيني ويك اتيني” المتحدث باسم الحكومة أن “هذا غير صحيح، اتفاق السلام يجري تنفيذه حرفياً، ومن ينتقدونه يعتقدون أن السلام حدث ليلاً بدلاً من كونه عملية مستدامة”
و أظهرت الأيام الأخيرة بعض التقدم، فهذا الأسبوع عقدت لجنة منفصلة مكلفة بمراقبة تنفيذ اتفاق السلام مبكراً لأول مرة في السودان لمناقشة خارطة طريق للسلام، كما أفرجت الحكومة الأسبوع الماضي عن 24 معتقلاً، وأطلق سراح خمسة يوم الخميس.
في حين أن بعض خبراء جنوب السودان لم يفاجؤا بهذه البداية المهتزة إلى حدٍ ما، فإن أحدهم على الأقل لا يرى أن الوضع سيستقر في أي وقت قريب.
حيث يقول “ألان بوسويل” – كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية – لوكالة “أسوشييتد برس” : ” الكثير من التأخير، و يمكن للصفقة أن تتوقف” و اختتم حديثه قائلاً : ” إذا تم دفع الأطراف بشدة، فإن الاتفاق يمكن أن ينهار كما فعل في المرة الأخيرة “