والتهافت على موائدهم – رغم كم العوائق لا يزال الشعب يملك قدرة إملاء الواقع
السيادي: ٥+٥ ورئاسة دورية؛ ٦+٤ ورئاسة دورية ؛ ٧+ ٣ ورئاسة دورية؟!
مفاوضة من لا يملك قراره (ولا يمُت الى الشرعية بصِلة) دائماً ما ترجع الأطراف إلى المربع الاول، فالمجلس العسكري مُسيّر بواسطة محور إ.م.س.، الجهة الوحيدة التي تمنحه سند خارجي هذه الأيام للإستمرارية في الحكم وضمان مصالحها في جنوب شبه الجزيرة.
*ما بين ق.ح.ت. و إ.م.س.*
نقطة الخلاف الاخيرة بين ق.ح.ت. والمجلس العسكري تركزت في السيادي وتعريف صلاحياته؛ هذا يؤكد ثقل السيادي ويُبعِد عنه طابع ال”رمزية” التي طُلي بها، وتم تأكيد ذلك من بعض الجهات المكونة ل ق.ح.ت. فقد تغير مضمون ومدى صلاحيات السيادي خلال التفاوض، وتعُم حالة من التكتم حتى الآن على مهام السيادي “الجديدة” وينتظر الشارع طرح هذه النقطة تحديداً وباق نقاط التفاوض بشفافية في هذه الأيام.
*حميدتي والمعادلة*
شغل دخول حميدتي تارة وخروجه تارة اخرى من المجلس العسكري في الأيام الأوائل لتنحي البشير او الانقلاب عليه حيز الرأي العام، وتأكد ذلك لاحقاً أنها كانت عملية جس نبض يقوم بها في السودان عموماً وأروقة مدينة الخرطوم بالتحديد، وتلى ذلك عملية “تحسين صورة” والتي تمخضت في رفضه للمجلس برئاسة إبن عوف آنذاك الذي نُظِر إليه كإمتداد للبشير. أراد لنفسه وايضاً ارادت له قوى الخارج أن يوصف ب”المحرّر” المساند للثورة والمخالف لمخطط البشير ب”سحل المتظاهرين بالخرطوم داخل ساحة الاعتصام”.
لكن ملفاته الملطخة بالدماء (اليد المنفذة للتهجير القسري، جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية) في متناول الجميع، خصوصاً عند اهل السودان في إقليم دارفور. فهو الجنجويد بكل ما ترمز له الكلمة، قتل، سحل، اغتصاب، حرق، دمار، تعذيب، اعتقال، إرهاب، إتجار بالبشر، سرقة الخ. اَي نفس الصفات والسمات التى عرِف بها خلال اكثر من ١٧ عام من الزمان. ما حدث في زالنجي في يوم الخميس ١١ أبريل ٢٠١٩ (قتل ٧ أشخاص بينهم الشفيع عبدالله إبن ١٢ عام وجندي جيش كان ضمن المجموعة التي تدافع عن المدنيين ضد قوات الجنجويد/الدعم السريع)، وايضاً بالفاشر تم مقتل بهاء الدين (لم نتمكن من معرفة الاسم بالكامل)، ١٧ عام، وغيره من الجرحى. يؤكد أن عملية جرائم الحرب التي تمرّس عليها في دارفور مستمرة لفرض هيبته بالقوة رغم تغيير رأس النظام بالعاصمة (من البشير الى البرهان مروراً بإبن عوف).
مع مرور الوقت، ومقابلة الدبلوماسيين الدوليين، السفير البريطاني، والقائم بالأعمال الأمريكي، والدعم المتواصل من محور إ.م.س.، أضحى احد أهم المهددات للإنتقال السلس من العسكرية إلى حكومة مدنية؛ وتجلى ذلك في أحداث نيالا وزالنجي يوم الخامس من مايو حين كان سقوط “البوتقة” في أول اختبار، ولم يتغير شيئ بالنسبة أهل السودان بدارفور حيث ما زال جنجويد حميدتي و”الوجه الخفي” البرهان يمارسون العنف والقمع ضد العُزل.
في الثامن من رمضان واجهت قوات الدعم السريع سلمية حماة المتاريس والمعتصمين بالرصاص الحي وراح ضحيت ذلك الفعل عدد من أهل السودان. ايضاً لا يفوتنا ذكر المسرحية العنصرية الهزيلة التي أراد بها إلصاق جريمة قتل المدنيين في شارعي النيل والجامعة بأهل دارفور، نفس السناريو الذي استخدمه صلاح قوش (الذي ما زال يحلق في اروقة دي سي) في يناير ٢٠١٩، وما أشبه اليوم بالبارحة. ايضاً ما يقوم به وحمدتي والبرهان من زيارات الى محور إ.م.س. الى غاية يوم ٢٦ مايو ٢٠١٩ لإكمال ترتيبات إبقاء المجلس في السيادي بأغلبية تمثل خطر على مجريات الأحداث في السودان.
*التهافت على موائد اللئام*
تصدُّر حميدتي الواجهة منذ تنحي إبن عوف يدل أنه منفذ أعمى لخطط محور إ.م.س. وعملية البناء المتوازي الذي يقوم به هذه الأيام لقوات الدعم السريع (فتح باب التجنيد بالعاصمة وشرق السودان؛ فتح دورات إستخبارات وأمن المعلومات لقواته؛ تدريب طيران عسكري لافراد من الدعم السريع بالعاصمة الأثيوبية جنوب وكالة الأرصاد الجوي القومية؛ دورات إعلامية وعسكرية في الإمارات لعدد من قيادات الدعم السريع) مؤشرات شؤم ودليل على بقائه في أي معادلة قادمة يصل لها السودان عن طريق الهبوط الناعم.
أخيراً بخصوص حميدتي ومعادلة المشهد السوداني، وتهافت بعض من قوى المعارضة بالدخول معه في حديث ثُنائي وتغيير لغة الخطاب ضده والتي تصل في بعض الأوقات الى التمّلق وفي ذلك دعم مباشر لشرعية يبحث عنها الأخير توطد قدمه في المشهد. هذه النقطة تحديداً فيها إجتناء على حق شهداء الثورة السودانية عموماً، وشهداء الإبادة الجماعية على وجه الخصوص.
أستخدام جُمل ك “هو ليس بعدونا” و”هو كويس” التي يتشدق بها بعض الساسة المعارضون هذه الأيام واضافة إلى تخبطاتهم الرعناء وصمات عار وإساء للضحايا وأهليهم ولكل مساند للثورة السودانية وعليهم مراجعة أنفسهم. وإذا كانت قد بعُدت عليهم الشِقّة، فاليترجلو وليفسحو الطريق للباقين.
أما من يسعون إلى الإقصاء ، والوصول الى الحل عن طريق معبر الهبوط الناعم الذي يضمن لهم دولة سودان تعمل من أجل حماية مصالحهم كما كان الحال منذ ٥٦، هم العدو ويستخدمون المتظاهرين كمطية للوصول لمبتغاهم، وهم نفس إولئك الذين كانوا يستخدمون دارفور كحديقة خلفية لهم ومركز للتصويت بالإشارة، وإنتخاب مرشحيهم من الخرطوم في دارفور بالريموت.
قضايا النازحين، اللاجئين،التهجير القسري، التغيير الديمغرافي، السلام والمظالم التاريخية كلها مستعجلة، لكن تعامل معها كfootenotes في ثورات/أوقات سابقة فلم يستقر البلد وتلى ذلك ما تلى.اَي عمل قادم يجب وضع الpriorities in order وليس ذلك بالصعب اذا وجدت الإرادة.
*مصادر التمويل*
لا ننسى أن إحكام القبضة على إقليم دارفور خط أحمر عند حميدتي والجنحويد لان فيها بعض السند القبلي له من بعض بطون البادية والاهم من ذلك السند المالي، فمناطق تنقيب الذهب بجبل عامر (تم احكام القبضة على الجبل بعد معارك ضروس مع قوات جنجويد اخرى، موسى هلال، وكان انتصار حميدتي مكلوماً) وايضا مناطق اخرى بالإقليم تدر عليه المال الذي يضمن من خلاله الإبقاء على الجنجويد وغيرهم تحت مظلة قوات الدعم السريع. مصدر آخر مهم هو الزج بالأطفال نحو جحيم حرب اليمن (مرجع رقم ١) مقابل دعم مالي من السعودية والإمارات وايضاً إعطائه السند الإقليمي الذي يُسهِل له الإستمرارية في الحكم ويزيد من تعنته لتسليم السلطة للشعب.
مما لا شك فيه ان وجود الآلاف من جنود حميدتي في العاصمة يمثل مهدد للإنتقال السلس من العسكرية الى المدنية بشكل يرضي طموحات الشعب السوداني، وما يضعف الموقف الحالي قبول تهافت قوى المعارضة على في مائدة المجلس العسكري ومن فوقهم محور إ.م.س. علمنا أن تضحيات الشعب التراكمية منذ مجيئ الإنقاذ الى ما بعد ثورة ١٣ ديسمبر ٢٠١٨ وكسر حاجز الخوف جديرة بإرجاح كفة المدنية على العسكرية.
*محكمة الجنايات الدولية وقضية البشير*
المحكمة كانت وما زالت احد أدوات الضغط على البشير. البعض تحدث أن قضية البشير في محكمة الجنايات عرقلت خروجه من السلطة ذلك ان لا مفر له اذا كانت المحكمة تلاحقه مما أطال بقاءه بالسلطة. الإجابة على ذلك هي أن المحكمة كانت مهمة جداً لذياع صيت جرائم البشير بدارفور خصوصاً جريمة الابادة الجماعية (مرجع رقم ٢) وما تبعها من مطارده له محليا وإقليميا. صحيح أن المحكمة تفتقر للآليات خصوصاً عندما كان البشير في سؤدد الحكم، ولا سيما سفره (وإن كان محدوداً، وبضمانات مسبقة من بعض الدول المؤثرة) الى كينيا، والأردن وجنوب أفريقيا وتبعاته (مرجع رقم ٣). ولكن أسباب استطالة امد البشير في السلطة عديدة منها وجود الحاضنة الاجتماعية التي وفرت له المناخ المناسب للاستمرارية. ثانياً الخغرافيا السياسية لمنطقة السودان، ووجوده كمعبر للمهاجرين من القرن الأفريقي جعل السودان لاعب مهم واستخدم من قبل الأوربيين كصمام أمان للهجرة رغم التلاعب بالملف وعمليات الاتجار بالبشر (دعم الاتحاد الأوروبي للجنجويد بقيادة حميدتي بزعم مكافحة الهجرة غير الشرعية مرجع رقم ٤) . ثالثاً علاقات السودان الإقليمية ودخول حكومة البشير في تحالفات عدة – عاصفة الحزم على سبيل المثال – وفرت غطاء إقليمي ولو مؤقت للحيلولة دون زحزحة البشير من من على سؤدد الحكم. رابعاً ضعف المعارضة وتشظيها في السابق. خامساً ملف الاٍرهاب وتعاون الحكومة عن طريق قوش في تبادل المعلومات مع اجهزة مخابرات عدة على رأسها الCIA (رغم ضلوع حكومة البشير في نفس الوقت في استضافة قوات يوسف كوني – جيش الرب وايضا مسألة فتح الحدود والسكوت عن الإلتحاق بداعش)، في ظل وجود كل هذه المتغيرات لا تزال المحكمة مهمة بالنسبة لأهل الضحايا البلدة الجماعية الذين وجدوا عن طريقها انتصاراً مبدئيا للعدالة الضائعة في يوم ٤ مارس ٢٠٠٩.
*ملف المعتقلين والأسرى*
الحلقة الفقودة، أين معتقلي دارفور ؟ وأين الأسرى و سجناء الرأي ؟
اكتفى المجلس بفك أسر عدد قليل من من كانوا في السجون، وأبقى على العدد الأكبر خلف الزنازين، تأكيدا لمواصلة النهج القديم. لذلك، على الثائرين، والحقوقيين والناشطين في مجال حقوق الانسان ان لا ينسوا أولئك الذين ضحوا بقدر ليس باليسير من أعمارهم و صحتهم في تلك الأوضاع المهينة في سجون الأمن. وعملية فرق تسد هي الآلة التي ارتكز عليها النظام طيلة العقود الماضية في شتى المجالات و يجب ان لا تجد موقعاً بعد اليوم. فالثورة لفظت من يقومون بهذا فلنقف معاً لنزع الحرية للمعتقلين فبوجودهم وسطنا تكمل الفرحة ويبدا الوطن في التعافي.
*ماذا بعد*
مطالب اهل السودان واضحة: إسقاط النظام بكل رموزه وتسليم السلطة للشعب. تغيير الوجوه بالطريقة التي تتم منذ يوم ١١ ابريل ٢٠١٩، لا تعدوا ان تكون سوى لعبة كراسي للإبقاء على رموز النظام خارج دائرة المُساءلة. قبل كل شيء، أين البشير؟ وكيف تم “اعتقاله”؟ وأين باقي معتقلي يوم ١١ ابريل، علي عثمان، نافع على نافع، عوض الجاز واحمد هارون؟ ولماذا رفض المجلس العسكري إعطاء اجابة تفصيلية عن مصير البشير وذكر فقط انه موجود لدي الجيش؟
الإجابة الوحيدة التي إسترسل فيها المجلس مسألة محكمة الجنايات الدولية، حيث قال أن المجلس لن يسلم البشير او اَي سوداني “ولو كان متمرداً” على حد تعبيره، “لان ذلك لا يمت الى طباع اهل السودان ولا الى اخلاقيات المنظومة العسكرية”. السؤال هو ماذا عن جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، وقتل المتظاهرين، والاغتصابات الجماعية، والتعذيب، والتهجير، والاعتقالات التعسفية والمعاملة السيئة والفساد بكل جوانبه التي لم يحاكم أحد بسببها حتى اللحظة؟ هل هي من الاخلاقيات التي ينتمي لها أفراد المجلس العسكري ولماذا لا يذكرونها؟
الحل في السلمية وفِي الشارع و على جميع قطاعات الشعب التدفق الى مناطق الاعتصامات في كل الأقاليم والوقوف إلى جانب المعتصمين بالكلمة الطيبة، والعينيات والنفس، فالعمل جماعي والهدف واحد.
عاشت نضالات الشعب السوداني. وتستمر الاعتصامات حتى تتحقق الآمال وتُنتزع المطالَب.
أسامة محمود
شُعبة الإتصال
إتحاد دارفور بالمملكة المتحدة
الموقع : http://darfurunionuk.wordpress.com
إيميل: [email protected]
تويتر: darfurunionuk@
ق.ح.ت. = قوى الحرية والتغيير
إ.م.س. = إمارات مصر سعودية
مرجع رقم ١:
مرجع رقم ٢
https://www.icc-cpi.int/CaseInformationSheets/albashirEng.pdf
مرجع رقم ٣:
مرجع ٤:
https://www.google.com/url?sa=i&source=web&cd=&ved=2ahUKEwiKhNna7rbiAhX2A2MBHckEBhcQzPwBegQIARAC&url=https%3A%2F%2Fdarfurunionuk.wordpress.com%2F2016%2F02%2F19%2Fdarfur-union-in-the-uk-stands-on-the-proposed-e100-million-grant-to-sudan-to-tackle-migration%2F&psig=AOvVaw1pizXOwFtdI5uVhp8uDwKT&ust=1558880008915808