صوت الهامش
منذ أن تم توجيه تهمة إرتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية لرئيس نظام الإنقاذ عمر البشير، وإصدار مذكرة بإلقاء القبض عليه من المحكمة الجنائية في مقرها بمدينة لاهاي في هولاندا وعدم مثولة أمام المحكمة، منذ ذلك الوقت أصبح هم نظام البشير ومعاونوه هو كيفية إخراج عنق رئيس النظام من الأنشوطة التي وضعها حوله محققو المحكمة حولها.
في الأيام الأولى من إصدار المذكرة حاول البشير ونظامه إنكار التهمة جملةً وتفصيلاً، عبر الإدعاء أن السودان ليس عضواً ولم يوقع على ميثاق إنشاء المحكمة ذلك الميثاق المعروف بميثاق روما، ولكن بمرور السنوات إكتشف النظام أن هذه الذريعة لا تنقذ عنق رئيسه من أن يلتف حوله حبل الجنائية الذي أصبح كل يوم يزداد إحكاماً وطولاً، خاصةً بعد أن كاد يطبق على البشير في دولة جنوب أفريقيا أثناء إنعقاد مؤتمر القمة الأفريقي، وقد نجا بأعجوبة إذ كاد القضاء في جنوب أفريقيا أن يصفده مخفوراً إلى مقر المحكمة الجنائية في لاهاي، ولكنه فر من جنوب أفريقيا بعد ساعدة الرئيس جاكوب زوما على ذلك، وبسبب هذه الأحداث تعرض زوما إلى التحقيق.
بعد مرور كل هذه السنوات أيقن نظام البشير ألا مفر من كابوس المحكمة الجنائية إلا بالعمل الدؤوب وخلخلة فكرة المحكمة الجنائية من أساسها وأن أفضل وسيلة لذلك هي شن حملة وسط الرؤساء الأفارقة وحملهم على الخروج جملة واحدة من عضوية المحكمة الجنائية إكراماً لعيون الرئيس البشير، ولما لم تثمر الحملة بدأوا في تقديم الكثير من التنازلات ورشي بعض الدبلوماسيين فوجدوا من لا ضمير لهم، سايروهم وزينوا لهم سوء عملهم، وأكدوا لهم وقوفهم مع السودان وأن مسألة الإنسحاب من الجنائية ستتم في مؤتمر القمة الأفريقي الذي سينعقد في كيقالى عاصمة دولة رواند، وبدأوا في إحصاء عدد الدول التى وافقت على أن تتضامن معهم ولما أيقنوا أنهم لا محالة ناجحون في إستدراج الدول الأفريقية للخروج على ميثاق روما ونبذه في عراء دول الغرب بحجة أن المحكمة قد أُنشئت أصلاً للتنكيل بالدول الأفريقية وزعمائها، وتناسوا ، عمداً وغباءً، أن المحكمة الجنائية حتي الآن حكمت على الزعماء الأروبيين الذين ارتكبوا فظائع ضد الإنسانية أولاً ثم حكمت المحكمة على رئيسٍ أفريقيٍ واحدا هو تشارلز تايلور رئيس دولة ليبريا.
لكن جرت الأمور في قمة كيقالي على غير ما يهوي نظام البشير فقد هُزم النظام شر هزيمة وسقط مقترحه بالإنسحاب من الجنائية سقوطاً مريعاً. من التقرير الذي قدمه الناشط محمد سليمان عن ماتم في مؤتمر القمة بكيقالي، ننقل بتصرف أجزاء منه لنقف على حجم الهزيمة المريرة التى تجرعها النظام نكالاً بما ارتكبت أياديه في دارفور من قتل للإبرياء وإبادتهم ( إذ صار لاهل النظام هم ويسعون الي تجاوز هذه المعضلة التي أصبحت تضيق حلقاتها كل يوم حول رأس النظام، لقد ضجت صحافة النظام ونبح أقطاب النظام مبشرين بهزيمة الجنائية في رواندا … خاصة بعد تصريحات رئيسها المضيف للقمة الأفريقية مرحباً بالبشير و أنه لن يلتفت للجنائية و مذكرات التوقيف بحق البشير و الآخرين المطلوبين بتهم جرائم الإبادة الجماعية بدارفور. وبل بشّر بعضهم تطميناً لأنصار البشير المأزوم الملاحق …أن هناك سيكون خروجاً جماعياً للدول الأفريقية من الجنائية .. لأنها بزعمهم (باطلاً) تخصصت فقط في مطاردة القادة الأفارقة وإستعد خال البشير لذبح تور أسود إيذاناً بالفرج القادم من كيقالى (عاصمة رواندة) إلّا أن بعضهم نصحه أن يكون حصيف شوية politically correct … وأن لا يذبح ثوراً أسوداً … لأن ذلك لا يستقيم والبشير ذاهب إلي عمق القارة السوداء .. فقال: آه طيب سنذبح ثوراً أبيضاً رمز دول الإستكبار وسافر البشير وجوقته من المهرجين الفاسدين القتلة الي كيجالي … بدأوا ينشدون أناشيد ساحات الفداء في الطائرة الآن لقد أرسل الله القادة الأفارقة ليحاربوا مغهم ضد المحكمة الجنائية الدولية.
إن ماذا حدث هناك بالضبط في كيقالى عاصمة رواندة ليخيب أمل البشير في الخلاص من حصار الملاحقة الجنائية؟ لماذا خذله إخوانه الجدد في الأفريقانية Pan Africanism و لم يقرروا الخروج جماعياً من المحكمة الجنائية؟ بل كيف إنقلب السحر علي الساحر … المجرم البشير … و وقفت دول بعينها ضد الخروج من المحكمة الجنائية .. بل ذهبت أكثر من ذلك (تلك الدول) .. بأنه علي واجب قادة أفريقيا عدم السماح لأي قائد إرتكب جرائم إبادة جماعية ضد شعبه .. أن لا يسمحوا له بالإفلات من العقاب .. تحت أي عذر أو مبرر أو سبب ؟
ما اللذي حقّاً جعل البشير و جوقته بالإسراع بالمغادرة ليعود مبكراً محبطاً خائباً متسللاً الي الخرطوم و ضنبو بين رجليه و عيونه زائغة؟
لماذا لم نقرأ أي بوستات فرح لود الباوقة : سيدي الرئيس عاد منصوراً مظفراً و حرّاً طليقاً من ملاحقة الجنائية؟
لماذا صمتت صحف الخرطوم عن إنجازات البشير في كيقالي و لم ينتظر حتي حفلة الرقيص الختامية .. و هو (أي البشير) معروف بمدي إدمانه الرقص .. في أي مناسبة .. و أحياناً كثيرة
بلا مناسبة؟
سنجيب علي هذه الأسئلة بإذن الله بالحقائق عمّا دار في مؤتمر القمة الأفريقي في رواندا و لماذا البشير رجع مثقلاً بهموم الملاحقة و العزلة … و سقوط آخر جدار تمني البشير و رهطه أن يكون قائماً لفلت من العقاب … عن جرائم إرتكبها بوحشية ضد مواطنين بسطاء في دارفور في يوم 17 يوليو الحالي … تم نشر خطاب في صحيفة القارديان البريطانية هذا الخطاب مُوقّع بأسماء خبراء قانونيين و قضاء و محامو دفاع و محامو نيابة عامة في بلادهم و بروفيسيرات في جامعات عريقة في أمريكا و الغرب و بلدانهم، هؤلاء اللذين سجّلوا أسماءهم … كلهم أفارقة وأن ضميرهم أملي عليهم توجيه رسالة بنرة عالية و في أوسع الصحف إنتشاراً دوليّاً … رسالة الي قادة أفريقيا المجتمعون في كيجالي: أنه لابد من وضع حد لثقافة الإفلات من العقاب … و أنه لابد من محاسبة كل من يرتكب جرائم إبادة جماعية ضد المواطنين الأفارقة،
و يجب عدم السماح لأي متهم بالتدثر بالأفريقانية أو بحجة حماية الدولة أو أي عذر آخر ….. لأن التاريخ و الإنسانية سوف لن يغفر لأي قائد أفريقي يقف مع متهم مثل هذا، في يوم 17 يوليو الحالي … تم نشر خطاب في صحيفة القارديان البريطانية، هذا الخطاب مُوقّع بأسماء خبراء قانونيين و قضاء و محامو دفاع و محامو نيابة عامة في بلادهم و بروفيسيرات في جامعات عريقة في أمريكا و الغرب و بلدانهم ، هؤلاء اللذين سجّلوا أسماءهم … كلهم أفارقة وأن ضميرهم أملي عليهم توجيه رسالة بنرة عالية و في أوسع الصحف إنتشاراً دوليّاً، رسالة الي قادة أفريقيا المجتمعون في كيجالي: أنه لابد من وضع حد لثقافة الإفلات من العقاب وأنه لابد من محاسبة كل من يرتكب جرائم إبادة جماعية ضد المواطنين الأفارقة ويجب عدم السماح لأي متهم بالتدثر بالأفريقانية أو بحجة حماية الدولة أو أي عذر آخر، لأن التاريخ والإنسانية سوف لن يغفر لأي قائد أفريقي يقف مع متهم مثل هذا.
ولكن من هم هؤلاء النخبة الأفريقية الشجاعة من المحامين و القضاة و القانونيين اللذين وجهوا تحذيراً صريحاً للقادة الأفارقة المجتمعون في رواندة: أن كل من يتستر علي ملاحقة مجرم فار من العدالة هو (و هي) يُعتبر داعماً لثقافة الإفلات من العقاب؟
لماذا أتت قمة رواندة بما لا تشتهيه سفن البشير ؟
لماذا النتيجة النهائية لمؤتمر القمة الأفريقية أتت أكثر دعماً للمحكمة الجنائية و بصورة لم
يتوقعها البشير … ما دفع به للتعجيل بالرحيل من كيقالى؟
لنتعرف علي أفراد هذه الكوكبة الافريقية اللتي ساهمت (مع عوامل أخري ) علي جعل قادة أفريقيا يفرون من البشير في كيقالى فرار السليم من الأجرب، بالإضافة لمجهود هذه الكوكبة الأفريقية …
كان هناك ضغطا خارجياً متنوعاً علي القادة المجتمعين في كيقالى لعدم الإنسياق خلف أماني البشير لإجهض العدالة و مناصرة الجلاد علي حساب الضحية.
وكان هناك تركيزاً علي رؤساء بعينهم كانوا يتفاصحون بكلمات تحط من قدر الجنائية هؤلاء الرؤساء بلعوا السنتهم … لأن الكلام دخل الحوش … بالأحري دخل قصورهم … وجت chut سكتوا … زي الصبت فيهم مطرة لكن كان الضغط الأكبر… جاء من الداخل.. من داخل المؤتمر …. من دول أفريقية … بعضها ليست عضواً في الجنائية حتي هناك دول بعينها وقفت بصلابة غير معهودة في وسط نادي ديكتاتوريي أفريقيا و واجهوهم و بل حذروهم من مغبة حماية قتلة و مرتكبي إبادة جماعية بينهم … بل الأسوأ مهاجمة كيان مثل المحكمة الجنائية بقصد تدميرها و منح فرصة للملاحقين للإفلات من العقاب، يا تري ما هي تلك الدول الأفريقية اللتي أفشلت خطة البشير .. بل قلبت الطاولة في المؤتمر علي أنصار البشير لتكون النتيجة دعماً غير متوقع للمحكمة الجنائية الدولية؟.
موقع منظمة حقوق الإنسان الشهيرة Human Rights Watch.. بالأمس (20 يوليو ) أن دولاً داخل مؤتمر القمة الأفريقية قد أفلحت في تغيير المواقف من الهجوم علي المحكمة الجنائية الدولية الي دعم قوي لها:
أيضاً نشر موقع منظمة العدالة العالمية Global Justice أن آمال البشير قد تحطمت علي صخرة الدفاع القوي غير المتوقع عن المحكمة الجنائية الدولية في داخل مؤتمر القمة الأفريقية بقيادة دول بعينها و منها غير عضو بإتفاقية روما اللتي بموجبها أنشئت المحكمة الجنائية :
الدول الآتية هي اللتي قادت الهجوم علي مهاجي المحكمة الجنائية الدولية داخل مؤتمر القمة الأفريقية و نجحت في تحويل الموقف من ضد للمحكمة الجنائية .. لدعم قوي لها:
كل من دولة نيجيريا والسنغال وساحل العاج وتونس والجزائر ( برغم أنها ليست عضواً بالمحكمة الجنائية لكنها دافعت عنه).
المصدر : صوت الهامش