عشق الفيتورى الشعر وولع به وساهم فى إسراء الساحة الشعرية بدواوينه الكثيرة ويقول الفيتورى:-
في حضرة من أهوى عبثت بي الأشواق حدقت بلا وجه و رقصت بلا ساق
و زحمت براياتي و طبولي في الآفاق عشقي يفنى عشقي و فنائي استغراق
مملوكك…. لكنـي سلطان العشاق
والفيتورى يفخر بنفسه ويعتز بأفريقيته وزنوجيته ويقول عن نفسه :-
فقير أجل ودميم، دميم بلون الشتاء، بلون الغيوم
يسير فتسخر منه الوجوه وتسخر حتى وجوه الهموم
فيحمل أحقاده في جنون ويحضن أحزانه في وجوم
ولكنه أبدا حالم وفي قلبه يقظات النجوم
بهذه الأبيات الشعرية وصف الفيتورى نفسه ،وكان الفيتوري اسود البشرة قصير القامة لكنه طيب القلب و أفضل من الكثير الذين يحملون جمال الملامح و هم سود القلوب ،فهو لم يعد اللون الاسود عيباً او عاراً لانه من صنع الله و الله لا يخلق إلا جميلاً حتى انه ويصور في إحدى قصائده نظرات الناس اليه و يتعجب منها يقول :
أنا زنجي ، قلها لا تجبن.. لا تجبن !
قلها في وجه البشريه..
وأبي زنجي الجد؛ وأمي زنجية..
أنا أسود ، أسود لكني حر أمتلك الحرية
أرضي إفريقيا
وكثيراً ما أعلن ثورته السوداء قائلاً :
لتنتفض جثة تاريخنا ** ولينصب تمثال أحقادنا
آن لهذا الأسود المنزوي ** المتواري عن عيون السنا
آن له أن يتحدى الورى ** آن له أن يتحدى الفنا
فلتنحن الشمس لهاماتنا ** ولتخشع الأرض لأصواتنا
إنا سنكسوها بأفراحنا ** كما كسوناها بأحزاننا
أجل فإنا قد أتى دورنا ** إفريقيا.. إنا أتى دورنا
وتعد أفريقيا فضاء ومشهداً أساسياً في نص الفيتوري الشعري، ومحنة الإنسان الأفريقي وصراعه ضد العبودية والاستعمار وتوقه إلى التحرر موضوعا أساسيا في قصائده،واستطاع الفيتوري ان يثبت وجوده من خلال ايمانه بقارته السوداء ومبادىء سار عليها وتوظيفه للرموز بطريقة قصصية مبدعة فمن خلال البحث عن قصائده التى احيانا تكون اقرب للنثر من الشعر لكن في طياتها تحمل رؤية وفكر شاعر عاش وعاصر الكثير من الاحداث والوقائع التي تجعله كفيلا اًن يكون شاعرا يطبق ما يؤمن به ،وقد كتب دواوين للقارة السوداء منها «أغاني أفريقيا »1955، و»عاشق من أفريقيا »1964، و»اذكريني يا أفريقيا »1965، و»أحزان أفريقيا »1966، حتى أصبح صوتَ أفريقيا وشاعرها، ومحرض أهلها على فعل الحرية، مستحضراً هموم عصور خلت:
جبهة العبد ونعل الســيد وأنين الأسود المضطهـد
تلك مأساة قرون غبـرت لم أعد أقبلها لم أعــــد
كيف يستعبد أرضي أبيض كيف يستعبد أمسي وغـدي
كيف يخبو عمري في سجنه وجبال السجن من صنع يدي
أنا فلاح ولي الأرض التـي شربت تربتها من جســدي
ولد الفيتوري في السودان بمدينة الجنينة في عام 19366م و نشأ في الاسكندرية بمصر ثم عمل محرراً في الصحف المصرية و السودانية وشغل عدة مناصب إعلامية ودبلوماسية.
ترك الفيتوري الجامعة قبل أن ينهي دارسته فيها واتجه نحو العمل الصحفي هارباً من رتابة الدروس وقوانين وقيود الجامعة والحقيقة أن عمله في الصحافة أمن له لقمة العيش وهو ما كان يبحث عنه.
مارس الفيتوري أثناء إقامته في القاهرة العمل الصحفي وكتب الكثير من الدراسات الأدبية والسياسية والمقابلات في صحيفة الجمهورية,وبعد انتقاله الى السودان عام 1958 ترأس تحرير أكثر من مجلة وجريدة ومن أبرزها مجلة «الإذاعة والتلفزيون »السودانية .. وفي لبنان عمل محرراً أدبياً في مجلة «الأسبوع الأدبي ومحرراً في جريدة بيروت وشارك في إصدار مجلة «الديار» كما أسند إليه مهام رئيس تحرير مجلة «الثقافة العربية» الليبية .
كما شغل وظيفة خبير إعلامي في جامعة الدول العربية في القاهرة إلا أنه تركها وقدم الى بيروت ليعمل من جديد في الصحافة، لكن الفيتوري أبعد عن لبنان لأسباب قيل أنها سياسية وقد اختار السفر الى ليبيا ومن ثم الى دمشق وكان لإبعاده ضجة في الأوساط الفكرية التي استنكرت هذا الترحيل وسمح له بالعودة الى لبنان في 8 مايو عام 1975 .
عاش الفيتوري غريباً عن أرضه التي ولد فيها لكن آلام الغربة لم تثبط من عزيمته بل زادته تحدياً و اصراراً فوقف في وجه الحياة زاهداً من كل شيء ثائراً على كل شيء لا يعجبه حتى كان له ما أراد.
عندما اشتدت وطأة الحرب العالمية الثانية عام 1944
فالفيتوري يرى انه في هذا الزمن يسقط كل شيء حتى الشعراء فهو شاعر صلب لم يهادن و لم يساوم حطم كل القيود و خرج من عباءات الذل والعبودية رافضاً كل ما خلفه الاستعمار من ظلام و ضعف يقول-:
يا أخي في الشرق ، في كل سكن يا أخي فى الأرض ، فى كل وطن
أنا أدعوك .. فهل تعرفنى ؟ يا أخاأعرفه .. رغم المحن
إنني مزقت أكفان الدجى إننى هدمت جدران الوهن
لم أعد مقبرة تحكى البلى لم أعد ساقية تبكى الدمن
لم أعد عبد قيودى
حصل الفيتوري على جائزة الوسام الفاتح عام 19888 و جائزة الوسام الذهبي للعلوم و الفنون و الآداب في السودان كما عمل قبلها مستشاراً ثقافياً في السفارة الليبية 1970 اهم دواوينه الشعرية )اذكريني يا افريقيا – سقوط بشليم -عاشق من افريقيا – معزوفة لدرويش متجول البطل – الثورة المشنقة – سولارا-شرق الشمس – غرب القمر دنـيـا أقوال شاهد اثبات – ثورة عمر المختار- ابتسمي حتى تمر الخيل- لا يملكها من يملكها – عريان يرقص في الشمس .
توفي شاعر أفريقيا محمد مفتاح الفيتوري في يوم (24/4/2015) بمستشفى الشيخ زايد بالعاصمة المغربية الرباط عن عمر يناهز 85 عاما بعد معاناة طويلة مع المرض.
المصدر : صوت الهامش\ مجلة افريقيا قارتنا