فقدت الرياضة العالمية، صباح السبت 4 يونيو/حزيران 2016، واحداً من أساطير لعبة الملاكمة على مستوى العالم، البطل محمد علي عن عمر ناهز 74 عاماً وذلك بعد صراع مع المرض.
فاهي أبرز المواقف التي عاشها الاسطورة
1- دخل إلى عالم الملاكمة بعد أن سرقت دراجته الهوائية (1954)
ربما لم نكن لنسمع عن بطل الملاكمة محمد علي ، إن لم يكن ثمة ذلك المعرض المغري للطعام المجاني. عندما كان الصبي كاسياس كلاي يبلغ من العمر 12 عاماً، ركب دراجته ماركة “شوين” الملونة بالأحمر والأبيض، متجهاً نحو معرض “لوزيفيل”، الذي يحتضن الأعمال الخاصة بذوي البشرة السمراء في الولايات المتحدة، ويوفر النقانق والفشار والحلوى المجانية. لكن دراجته الهوائية اختفت عندما تركها، لينصحه أحد الغرباء بأن يذهب ليتحدث مع ضابط الشرطة “جوي مارتن” في صالة ألعاب “كولومبيا” القريبة من المكان. وقد ذكر علي في سيرته الذاتية التي حملت عنوان “الأعظم”، قائلاً “ركضت نحو الطابق السفلي وكنت أبكي، ولكن مشاهد الملاكمة ورائحتها وصوتها استثارني، لدرجة أني نسيت كل شيء عن دراجتي”. وعندما غادر كلاي، وضع مارتن يده على كتف الصبي وقال له “بالمناسبة، نحن نمارس الملاكمة كل ليلة، من الإثنين وحتى الجمعة، من السادسة وحتى الثامنة. وهذه هي استمارة الطلب إن أردت المشاركة”.
2- فاز بأول مباراة له، وتوسم النقاد أنه سيصير بطلاً للعالم (1954)
لم يبدُ كلاي طبيعياً منذ بداياته، ففي المرة الأولى التي تطأ قدمه حلبة الملاكمة، كان يواجه ملاكماً يكبره في السن، وقد بدأ في الضرب بشراسة وفي دقيقة واحدة كان أنفه ينزف فغادر الحلبة. يقول مارتن “لم يكن يعرف الفرق بين اللكمة الخطافية باليسرى وبين الركل في المؤخرة”. ولكن بعد ستة أسابيع، استطاع كلاي الذي كان يزن وقتها أقل من 50 كيلوغراما، أن يفوز بأول مباراة له بقرار لجنة التحكيم، ضد ملاكم واعد يدعى روني “روني أوكيف”، وذلك خلال العرض التلفزيوني الذي كان يقدمه مارتن “بطل الغد”، والذي كان يعرض بجميع أرجاء ولاية كنتاكي. وقد عقب أبوه “كاسياس كلاي الكبير” عن ذلك الفوز قائلاً “ابني سيصير مثل “جوي لويز” بطل العالم للوزن الثقيل: كاسياس كلاي”.
3- ذهبية أولمبياد روما (1960)
كان كلاي على وشك ألا يسافر إلى الأولمبياد بسبب خوفه من الطيران، حتى أنه اشترى مظلة باراشوت من أحد المحال التي كانت تبيع خردة الجيش لكي يرتديها أثناء الطيران. وبعد أن حقق ثلاثة انتصارات على منافسيه بسهولة، وجد كلاي نفسه على موعد مع مواجهة صعبة ضد “زبيغنيو بيي تريكوفسكي”، الحاصل على الميدالية البرونزية في نسخة أولمبياد 1956، بالمباراة النهائية التي عانى خلالها أمام الملاكم الأعسر قبل أن يفوز عليه بإجماع لجنة التحكيم. وقد ذكر في سيرته الذاتية فيما بعد أنه ألقى بالميدالية الذهبية في نهر أوهايو، وقال “منذ دقائق، كنت أقاتل رجلاً حتى الموت تقريباً، لأنه أراد أن يأخذها مني.. والآن علي أن ألقيها في النهر. ولم أشعر بالندم أو الألم. بل شعرت براحة وقوة جديدة وحسب”. كان أمراً خيالياً، فالحقيقة كانت أكثر مادية: لقد ضيع الميدالية.
4- كلاي يقابل المصارع جورجيوس جورج (1961)
بعد أن صار كلاي محترفاً، فاز بست مواجهات خلال ستة أشهر. ثم واجه المصارع “جورجيوس جورج فاغنر” في المواجهة السابعة، وذلك خلال عرض لاس فيغاس الإذاعي، وقد دفعت مهارات فاغنر القتالية الجمور ليحضروا لمشاهدة المواجهة. وقد أخبر علي كاتب سيرته الذاتية “توماس هاوزر” عن تلك المواجهة قائلاً “بدأ (جورج) في الصراخ وقال: إن استطاع هذا التافه هزيمتي، سأزحف بالحلبة كلها وأقص شعري، ولكن هذا لن يحدث لأنني أنا أعظم مقاتل في العالم وفي التاريخ. حينها قلت لنفسي: “يا رجل، أريد أن أرى تلك المواجهة، وقد بيع المكان بأكمله بمن فيه أنا شخصياً، من أجل أن يروا جورجيوس جورج يصارع. وعندها قررت أنني إن تحدثت أكثر، لا يمكن توقع كم سيدفع الناس من أجل مشاهدتي”.
5- كلاي يتحول إلى “نوستراداموس” الملاكمة (1962)
بدأ علي بعد ذلك بقليل في تنبؤ الجولة التي سيفوز فيها -حيث نجح في ذلك خلال 7 مناسبات من أصل 8 مناسبات- وفي فبراير 1962، عندما فاز على “دون وارنر” في الجولة الرابعة بدلاً من الخامسة التي توقع أنه سيفوز فيها، ادّعى أنه أنهى القتال قبل الجولة التي توقعها لأنّ وارنر لم يصافحه. وكانت تلك المهارات ناجحة للغاية، وعندما وصل الكاتب في رياضة الملاكمة “إيه جي ليبلينغ” إلى ماديسون سكوير غاردن، قبل 30 دقيقة من بداية المواجهة الأولى بين كلاي و “دوغ جونز”، تفاجأ بعلامة “بيع بالكامل”، وبالناس التي تجبر لمغادرة المكان.
6- أظهر قلبه أمام هنري كوبر (1963)
دخل كلاي إلى ويمبلي كالملوك، مرتدياً عباءة مكتوب عليها “كاسياس العظيم”، وعلى رأسه تاج مرصع بأحجار ماس غير أصلية. ومع توقع بأن كوبر سوف يسقط في الجولة الخامسة، فضّل علي بأن يجعله موتاً بطيئاً عن طريق آلاف الجروح. ولكن عندما تبقى على انتهاء الجولة الرابعة 5 ثوانٍ، سدد كوبر لكمة خطافية يسرى -أو ما تسمى مطرقة هنري- ليحبط حالة النشاط والثورة لكلاي.
كان كلاي يقف ويسقط مثل الجرس، لكنه كان ما زال مترنحاً عندما لفت مدربه، أنجيلو دوندي، نظر الحكم إلى قطع موجود في قفازه، ليسكب المساعد بعضاً من الثلج على الأطراف السفلى لكلاي. ولم يكن ثمة قفازات احتياطية موجودة، لكن التوقف أعطى علي ثواني إضافية لكي يرتاح. مزقت لكمة قاتلة وجه كوبر ليتوقف النزال في الجولة الخامسة، كما توقع.
7- حصل لنفسه على مواجهة مع سوني ليستون (1964)
كلاي كان سريعاً ووسيماً وسريع الرد، لكنه كان أيضاً جريئاً. قبل أن تبدأ المواجهة الثانية بين سوني ليستون وفلويد باتيرسون في عام 1963، تبع كلاي ليستون إلى فيغاس، وبعد أن رآه يخسر الرهان، صاح كلاي “انظروا إلى هذا الدب القبيح الكبير، لا يستطيع أن يفعل شيئاً صحيحاً”. قال متعهد المراهنات هارولد كونراد إلى توماس هاوزر ما حدث بعدها، قائلاً “ألقى ليستون النرد، وذهب إلى كلاي وقال له “اسمع أيها الزنجي الشاذ، إن لم تخرج من المكان الآن في 10 ثوان، سأخرج هذا اللسان الكبير من فمك وأضعه في مؤخرتك”. أحس كلاي بالخوف، فخرج. لكنه ذهب فيما بعد إلى منزل ليستون في “دنفر”، ليصرخ في وجهه أمام منزله. بعد فترة قصيرة من ذلك، وضع الاتفاق على المواجهة. ليحصد لقبه العالمي.
8- “لقد زلزلتُ العالم”- كلاي معلقاً على فوزه بلقب بطل العالم للوزن الثقيل (1964)
كان ليستون من مجانين الملاكمة، الذين يمتلكون عيوناً لا روح فيها، فبعد أن يُفقد منافسيه الأمل ينهال عليهم باللكمات قبل أن يُفقدهم وعيهم. وخلال 36 مواجهة، لم يخسر إلا مواجهة واحدة، وحتى تلك المواجهة التي خسرها، كان السبب في ذلك يرجع إلى كسر فكه، ولكنه لم يعتزل. وفي ذلك الوزن، كانت نبضات قلب كلاي أكثر من المعدل الطبيعي. وظن الناس أنه خائف. لكنه شرح الأمر لطبيبه “فريدي باتشيكو”، أنه كان لديه خطة، حيث قال “ليستون لا يخشى من أي رجل، لكنه خائف من مجنون لأنه لا يدري ما الذي سأفعله”. وقد اكتشف فيما بعد أن كلاي وحده كان أكثر مهارة من ليستون، فبعد أن تمكن من البقاء على قدميه بعد الجولة الخامسة النارية، عندما تسبب بعض الزيت على قفازات ليستون في إيذاء عينيه، أجبر منافسه على الانسحاب في نهاية الجولة السادسة. وبعد ذلك أخبر كلاي الصحفيين قائلاً “لقد زلزلتُ العالم.. أنا الأعظم!.. أنا أجمل شيء جاء إلى الحياة على الإطلاق!” وكان وقتها يبلغ من العمر 22 عاماً.
9- كاسياس كلاي يصير محمد علي (1964)
بعد أن ينتهي الزلزال، تأتي التوابع. بدأ اهتمام كلاي بالمسلمين ذوي البشرة السمراء منذ عام 1959، عندما سمع رجلاً في “لويزفيل”، يبيع الصحف ويصرخ “محمد يتكلم! اقرأوا!” لكن الأمر بدأ في مارس عام 1961، عندما زار مُصلى، وصار مرتبطاً بالديانة للغاية. يقول باتشيكو عن ذلك “قبل أن يأتي علي إلى ذلك المعسكر، كان المسلمون ذوو البشرة السمراء يُنظر إليهم على أنهم مجموعة مهمشة من المجانين.. لكن علي تفهم أنه لا ينبغي أن تعبث مع المسلمين، فأحب قوتهم تلك”. أجّل كلاي إعلانه اعتناق الديانة لأنه كان يخشى من أن تتعرض مواجهته مع ليستون للخطر. ولكن قبل ذلك بأيام، أعلن والده الغاضب، كاسياس كلاي الكبير (الذي ادّعى أن المسلمين ذوي البشرة السمراء هددوا بقتله)، أكد أن ابنه، الذي صار اسمه فيما بعد كاسياس إكس، ثم محمد علي، انضم إلى الأمة الإسلامية.
10- علي يُظهر جانبه الشرير (1965 و 1967)
بعد أن تمكن من الفوز على ليستون في الجولة الأولى من مباراة الإعادة، وذلك بالضربة القاضية -استمرت وقتها أحاديث قوية تتساءل عما إذا كان ليستون، المقاتل الغوغائي، افتعل الهزيمة أم لا- واجه علي باتيرسون، الذي صرح لمنصة الإعلام الرياضية الأميركية “سبورتس إيلوستريتد” قائلاً “لقد تسببت صورة أحد المسلمين من ذوي البشرة السمراء وكذلك بطولة العالم للوزن الثقيل، في تشويه الرياضة والأمة”. كان رد علي في البداية بلسانه، حيث قال “باتيرسون لا يمثل شيئاً سوى العم توم” (في إشارة إلى رواية “كوخ العم توم”)، ثم رد عليه داخل الحلبة عن طريق تعذيبه خلال 12 جولة. في عام 1967، عندما قاتل علي إريني تيريل -الذي كان يناديه بكاسياس كلاي- كان خلال تلك المواجهة شريراً، حيث ظل يسأله طوال القتال “ما اسمي؟” وظل يضربه حتى يجيبه. يقول الكاتب جيمي كانون “كان قتالاً سيئاً ومقززاً ويحمل شرور التعصب الديني. لم تكن مباراة رياضية، بل كانت نوعاً من الثأر والعقوبة”.
11- “ليس لدي خلاف مع فيتكونغ” (1966)
تقدم علي مرتين لاختبارات الجندية عام 1964 ولكنه فشل خلالهما؛ لأن درجاته في اختبارات نسبة الذكاء كانت 78، أي أقل بكثير من المستوى المطلوب للقبول. فرد علي الذي كان غاضباً بسبب ذلك، قائلاً “لقد قلت إنني الأعظم وليس الأذكى”. إلا أن العام 1966 شهد تساهلاً في معايير الجيش مما سمح له بالانضمام. وبعد ساعات من أسئلة الصحفيين الذين سألوه ما هو موقفه من حرب فيتنام، فرد علي قائلاً “يا رجل، ليس لدي خلاف مع فيت كونغ (في إشارة إلى الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام)”. وها هي أميركا البيضاء، التي كرهته لأنه مسلم من ذوي البشرة السمراء، تتهمه الآن بأنه مراوغ أيضاً.
12- علي يفوز بحزام الوزن الثقيل خارج أميركا (1966)
على مدار خمسة عقود، بدءاً من خسارة جاك جونسون لقبه لصالح جيس ويلارد في هافانا في عام 1915، وحتى عام 1966، لم تحدث منافسة على لقب بطل الوزن الثقيل خارج أميركا سوى مرتين. وعندما وجد علي صعوبة في القتال داخل الولايات المتحدة، ذهب بحزامه خارج الولايات المتحدة، حيث واجه في طريقه جورج تشوفالو في كندا وهزمه، ثم ذهب إلى إنكلترا ليتخلص من هنري كوبر مرة أخرى، ثم برايان لندن، قبل أن يخطط للذهاب إلى ألمانيا ليهزم كارل ميلدنبرغر.
وقد عرفته مجلة بوكسنج إلوستريتيد “لقد كان سفيراً للنوايا الحسنة في الأراضي الأجنبية، وكان الشخص المحبوب بين جمهور الملاكمة، الذي لا يكترث لشيء في سبيل معتقداته الخاصة”.
13- رفع النقاب عن “حركة أقدام محمد علي” (1966)
عندما عاد علي إلى أميركا، قدم أحد أعظم عروضه على مدار مسيرته الرياضية. حيث تمكن من إيقاف ويليامز “القط الكبير لكليفلاند” في ثلاث جولات فقط، على الرغم من أن ويليام، الذي فقد كليته واحتاج إلى 4 عمليات بعد أن تعرض لطلق ناري عام 1964، كان مكسوراً في الأساس. تمكن علي من هزيمته بالضربة القاضية في 4 مناسبات، كما قدم سلسلة من حركات الأقدام السريعة، التي سميت بـ”حركة أقدام محمد علي the Ali shuffle والتي اعتبرها أفضل الرقصات منذ ظهور رقصة التويست. قليلون الآن يشككون في هيمنته. ووفقاً لما ذكرته مجلة بوكسنج إلوستريتيد “كثير من الصحفيين وجدوا طرقاً ووسائلاً لكي يقللوا من محمد علي، مثل أنه لا يستطيع أن ينفذ لكمة، أو أنه مهرج، أو أنه يرتكب كثيراً من أخطاء الهواة. أي شيء لكي يوقفوه من أداء مهمته.. قليل من هؤلاء المشككين بقوا بعده”.
14- مُنع من ممارسة الملاكمة وتعرض للحبس (1967-1968)
تساءل علي قائلاً “كيف يمكنني أن أقتل شخصاً، بينما أصلي خمس مرات في اليوم من أجل السلام”، وكان ذلك خلال الأشهر المحمومة في عام 1967، عندما سُحب منه لقب بطل العالم في الوزن الثقيل، كما مُنع من ممارسة الملاكمة بعد أن رفض الانضمام إلى الجيش الأميركي. وبعد مرور عام من ذلك التاريخ، أودع في سجن مقاطعة ميامي داد لعشرة أيام بسبب قيادته بدون رخصة، حيث كان يقدم الطعام للسجناء المحكوم عليهم بالإعدام. وكتب محمد علي عن تلك التجربة قائلاً “رائحة الفضلات والبول كانت قوية، أردت أن أسد أنفي”. وأضاف “أول رجل تعرف علي قال: يا إلهي! لقد جلبوا بطل العالم للوزن الثقيل ليشاركنا العشاء.
لا بد وأن العالم يستعد للفناء!” وقد كتب الفيلسوف بيرتراند راسل له قائلاً “المناخ العام سوف يتغير، يمكنني أن أشتم ذلك”. وقد حدث ذلك بالفعل. ولكن الأمر استغرق حتى عام 1970، قبل أن تعلن المحكمة العليا أن علي يمكنه القتال مرة أخرى.
15- مواجهة القرن (1971)
بعد أن خرج محمد علي من سجنه، كان المزاج العام قد تغير. يقول مؤرخ تاريخ الملاكمة جيم جاكوب “لقد أظهر ما حدث أن محمد علي كان مخلصاً. فقد جعله خاسراً. وصار رمزاً للناس الذين لم يكونوا مهتمين بالملاكمة من قبل”. لكن السجن أزال مهاراته. في ماديسون سكوير غاردن مرة أخرى، ألقى علي والبطل الجديد جوي فريزر كل شيء على بعضهما. لكن علي لم يكن جاهزاً بما يكفي، كما لم يكن صعب المنال، وقد تمكن فريزر من السيطرة قبل أن تنال خطافية يسارية من محمد علي خلال الجولة 15. وكانت تلك هي اللحظة التي يصفها نورمان مايلر بأن علي وقتها “انتشرت صورته في 50 ألف صحيفة.. ووصفته بأنه فقد السيطرة على الأمور”. وقد استطاع محمد علي الوقوف مرة أخرى، لكنه خسر بإجماع لجنة التحكيم.
16- حصل على اللقب مرة أخرى في “ذا رامبل إن ذا جانجل” (1974)
لم يتوقع أي شخص، حتى المقربون من محمد علي، أنه سوف يهزم جورج فورمان. وبعد أن شعر بالحالة الموجود في غرفة تغيير الملابس، تساءل “ما الذي يدور هنا؟ الكل خائف؟ هل أنتم خائفون؟ من شيء صغير كهذا؟ إنه يوم آخر في صالة الألعاب الرياضية”. وكان فورمان قد تمكن من تدمير فريزر في جولتين، وخطط لأن يفعل نفس الشيء مع محمد علي، الذي كان يبلغ من العمر وقتها 32 عاماً. لكن علي عاد إلى الخلف نحو حبال الحلبة -مستخدماً تقنيته التي اشتهرت باسم robe- a-dobe- ودعا فورمان لكي يصب كل طاقته فيه قبل أن يهزمه. وعند الجولة السادسة، كان فورمان وصل إلى حالة الإرهاق. وقال مايلر عن ذلك “وجهه كان ممتلئاً بالتورمات، وكانت بشرته مثل القطران الذي سخّنته الشمس”. وقبل 20 ثانية من انتهاء الجولة الثامنة، نفذ محمد علي سلسلة من اللكمات التي جعلت فورمان يدور ثم يسقط في النهاية. وكان التعليق الذي أذاعه دافيد فروست، يقول “الرجل العظيم فعلها. تلك هي أمتع لقطة في تاريخ الملاكمة على الإطلاق!”
17- ثريلا في مانيلا (1975)
قبل المواجهة الأولى، قال علي عن فريزر “إنه الزنجي الخاطئ، فهو ليس مثلي، لأنه العم توم. إنه يعمل لصالح الأعداء”، على حد وصفه. وقبل المواجهة الثالثة بينهما، كان لاذعاً في حديثه أيضاً، حيث قال عن فريزر “إنه غوريلا قبيحة وغبية”. وبدأ القتال في قيظ العاشرة صباحاً، حيث كان -حسب وصفك للأمر- إما قتالاً كلاسيكياً، أو ما أصبح بالنسبة لكلا الرجلين مشهداً مؤلماً، حيث إنهما تعادلا مع بعضهما ووصلا إلى طريق مسدود. كان علي على القمة مسبقاً، وحشد فريزر قوته، ولكن عينه كانت مقفولة بعد أن تعرض للكمة خلال الجولة 13. وفي الجولة 14، أوقف إيدي فاتش، مدرب فريزر، القتال وقال له “لن ينسى أي شخص، ما الذي فعلته اليوم”. وقد قال علي لاحقاً عن تلك المواجهة، إنها كانت أقرب مواجهة للموت خلال مسيرته.
18- علي يصير بطل العالم للوزن الثقيل للمرة الثالثة (1978)
وصل عمر محمد علي إلى 36 عاماً، لكن بالنسبة للقتال كان أكبر من ذلك بكثير. فقد خسر لقبه في أحد أسوأ العروض التي قدمها خلال مسيرته الرياضية، وكان ذلك لصالح ليون سبنيكس، الملاكم الواعد الذي خاض 7 مواجهات. ولكن بعد أشهر قليلة، كان علي أخف، ليتمكن من الفوز خلال مباراة الإعادة ويصير أول رجل يفوز بحزام بطل العالم للوزن الثقيل 3 مرات. فيما بعد، تعهد علي بأنه سوف يعتزل اللعبة، حيث قال “لقد ضحيت وعانيت، أكثر من أي وقت آخر. ليس ثمة ما يمكن أن أربحه من خلال القتال”.
19- ليلة رهيبة ضد لاري هولمز (1980)
مثل كثير من المقاتلين، لم يستطع علي أن يحافظ على ما حققه. فقد وافق على مقاتلة هولمز، البطل الجديد الذي كان ينازله في الماضي، ودخل إلى الحلبة بعد أن تعاطى كمية كبيرة من مدرات البول. ولكن علي اعترف فيما بعد أن الأدوية قضت عليه، حيث قال “في اليومين الأخيرين لم أستطع أن أجري لميل واحد. وكنت شديد التعب بعد الجولة الأولى، في الوقت الذي كان ثمة 14 جولة متبقية”. في نهاية الجولة العاشرة، أراد مدربه أنجيلو دوندي أن يوقف القتال، لكن رئيس وكلاء محمد علي “درو بونديني براون، بذل ما بوسعه ليستمر القتال. فاز دوندي، وعلي الذي كان رأسه محنياً لم يمتلك الطاقة الكافية للاعتراض. ولم يتمكن من الفوز بجولة واحدة وفقاً للجنة التحكيم.
20- أتلانتا- إعادة التقييم (1996- حتى الآن)
لم يشتر الجميع الكتاب الذي جعل علي يبدو قديساً. ففي كتاب “أشباح مانيلا” قال كاتبه مارك كرام “علي كان قوة اجتماعية تضاهي فرانك سيناترا، فقد تشبث بالسياسة المألوفة آنذاك من خلال الذم العنصري الذي كان يتفوه به، ليبدو الأمر للرائي أنه حكمة. أما اليوم، قد يُنظر إليه أنه مفسد ويستخدم لغة الكراهية باستمرار، وأنه مدمن جنس”.
عندما أعلن أن محمد علي سوف يشعل شعلة الأولمبياد في أتلانتا، كانت يده ترتعش بسبب مرض باركنسون. وقد أظهرت ردود فعل الجمهور، التي امتزجت بين الضوضاء والدموع وكمية الحب التي أظهروها له، أن محمد علي لا يزال موقراً إلى الآن.
هافينغتون بوست