صلاح الدين مصطفى
يعتبر المصورالفنان أحمد عبدالرحمن، المعروف في ولايات دارفور والمشهور بلقب «أحمد بيضة» واحدا من أبرز الإعلاميين المؤرخين والموثقين للحراك الحياتي في ولايات دارفور، ولاسيما ولاية جنوب دارفور وحاضرتها مدينة نيالا «البحير».
يوصف المصور أحمد بيضة بأنه ذاكرة دارفور المتحركة، عبر مشهد فوتوغرافي متعدد المحاور فهو ينقل ثقافة دارفور على العموم من محيطها المحلي إلى أفاق أوسع وأرحب، ولا تهدأ له حركة ولا يرتاح له بال قبل أن يجسد مشهد الحياة برسم الضوء بواسطة عدسة لا تخطئ الهدف.
حفظ المصور أحمد بيضة التاريخ السوداني، من خلال تخصصه في منطقة دارفور التي يعرفها الناس عبر صور وأخبار الحرب والدمار، لكنه وعبر أرشيف يحتفظ به منذ أزمان بعيدة، استطاع أن يلتقط صورا أصبحت وثائق نادرة بعد تغير تفاصيل المكان الذي زحفت عليه حياة المدينة وصخبها.
وتميزت عدسته باقتناص اللحظة الحاسمة وتقديمها بشكل يحدث الدهشة فهو يعرف متى وأين وكيف يصوب العدسة ليجمد اللحظة ويحول الحركة إلى سكون والعكس، عبرالصورة الفوتوغرافية، ولم يكتف بيضة بتسجيل الأحداث السياسية فقط، فكل الفنون الشعبية والفلكلور وعادات وتقاليد القبائل الدارفورية حاضرة في أرشيفه الفوتوغرافي، الذي أصبح مرجعا لكثير من الباحثين في التراث، وهو مصور يحب الطبيعة والتوثيق للشخوص والأحداث، وله لقطات نادرة لجبل مرة الذي تتاخم حدوده الجغرافية ثلاث ولايات.
بل إن الجبل الذى ألهم شعراء كثر بالتغزل في بهاء منظره وتدفق شلالات المياه الجارية بين الصخور، أصبح مسرحا لعدسته ليرسم مع الخضرة التي تلف خاصره لوحة بديعة، وأصبح الجبل محورا مهما في تجربة الفنان أحمد بيضة، رغم تحوله في السنوات الأخيرة من مكان جمالي يجذب السياح إلى ساحة للمعارك الحربية بين الفصائل الدارفورية المسلحة والجيش السوداني.
إضافة لعشقه لتصوير مظاهر الطبيعة والفلكلور، يجسد بيضة الإبداع الموجود في أسواق نيالا وما تحتويه من مستلزمات الحياة وما تبدع فيه الأيادي الدارفورية من مشغولات يدوية تؤكد فعلا أن الإنسان ابن البيئة يطوعها كيفما اتفق لمسايرة حياته وكذلك، فإن فن العمارة الذي يتلاءم مع بيئة المكان يجد مساحة كبيرة في أعماله.
في اليوم العالمي لحرية الصحافة تم تكريمه من الاتحاد العام للصحافيين السودانيين ضمن مجموعة من الصحافيين الذي وضعوا بصمتهم في تاريخ الصحافة السودانية، وسبق ذلك تكريمه من قبل العديد من الجمعيات ذات الصلة بالصحافة والتصوير. وكرمته في العام الماضي مبادرة «صحافيون ضد العنف القبلي» بمناسبة شفائه، وتحدث عنه الصحافيون الدارفوريون بكل محبة، وكذلك الصحافيون الذين يأتون من الخرطوم ومن خارج السودان لتغطية أحداث مهمة في إقليم دارفور، فهو يقوم بدور الدليل ثم يوفر الصور المطلوبة للصحافيين بعين فاحصة، ويعتبر مرجعيا توثيقيا في دارفور.
ويقول عن الصحافي كمال علي: «المصور البارع المتمكن من أدوات عمله بكل المهارة والبراعة والنضج الفني أحمد بيضة رقم إعلامي مميز ولافت ومبدع أخاذ وأعماله التصويرية لافتة وصاحب عدسة حساسة وقف خلف الكاميرا لأكثر من نصف قرن من الزمان يصور دارفور بإنسانها وطبيعتها وأفراحها وأتراحها وصخبها وسكونها. سجل كل لحظاتها التاريخية في السلم وفي الحرب، صور الجمال وبهاء الطبيعة ونعم الخالق المصور التي أنعم بها على دارفور، إضافة لذلك فهو رجل محتشد بالإنسانية والشهامة والكرم والرجولة ومكارم الأخلاق».