سلسله مفاهيم وخطوات عملية مرجوه نحو مدنية الدولة السودانية- [83]»
بقلم/موسى بشرى محمود على-13/03/2021
نواصل في الجزء الثالث من سفرنا الطويل بتسليط الضوء نحو نماذج عديدة للفساد تتم ممارستها ولا حياة لمن تنادى لاجتثاث الفساد من جذوره نحو بناء سودان خالى من رواسب وجراثيم الأمس.
-2-
ابعاد المتنافسين الأقوياء من الفرز
بما أن المفوضية لديها تفويض غير محدود وصلاحيات واسعة لفرز ملفات المتقدمين من دون رقيب أو حسيب فمن الطبيعي أن يتم استبعاد ملفات المتقدمين الأقوياء من المنافسة للتخلص منهم حتى لا تكون المنافسة قوية ويكسبوا الجولة لصالحهم لكى تتاح لهم الفرصة الكافية لترتيب أوضاعهم حتى يتمكنوا من اضافه منسوبيهم وعناصرهم من غير المؤهلين ليكونوا عونا” لهم في عملهم الأمنى والاستخباراتى.
يتم التخلص من الملفات التى تعكر صفوهم ومزاجهم سوآءا” بحرقها أو رميها فى سله المهملات أو بتمزيقها الى أجزاء صغيرة بواسطة الماكينات الصغيرة المتخصصة فى التخلص من الأوراق او ما يعرف بالشريدر.
شاهدت نماذج لأكثر من طبيب في العام 2005 الى بواكير 2006 بمعسكر مورنى للنازحين-غربى دارفور عندما كنا نعمل سويا” مع ذلك الطبيبان فى منظمة أطباء بلاحدود الفرنسية والله شهيد على ما أقول هذان الطبيبان لا يستطيعان التحدث بالإنجليزية ولو لمدة نصف دقيقة متواصلة ويكتبون روشتتاهم بالعربية بينما الممرضين والمساعدين الطبيين والمعاونين الطبيين/الصحيين وموظفي الادارة والدعم اللوجستي ذاك القسم الذى كنت أعمل فيه وبالإضافة الى الموظفين الصغار والعمال فيه كانوا يتحدثون الإنجليزية بطلاقة بل البعض منهم كان يتحدث الفرنسية.
من الطرائف أن منظمة أطباء بلاحدود والمنظمات الأخرى العاملة فى إقليم دارفور كانت تصنف الموظفين والعمال حسب أنظمتها الداخلية كالاتي:
1-الموظفين الدوليين-{المقصود بهم الموظفين الدوليين بالمنظمة وفى حالة أطباء بلا حدود هؤلاء يطلق عليهم تعاقد باريس/ باريس كونتراكت وهم الذين تعينهم المنظمة من المقر الرئيسى لها في العاصمة الفرنسية باريس وتتكفل المنظمة بتوفير الإقامة والاعاشة لهم فى محطات عملهم وبالسفر الى ذويهم في بلدانهم ذهابا” وإيابا” حسب خطة اجازاتهم}
2-الموظفين الوطنيين-{المقصود بهم الموظفين السودانيين الذين تعينهم المنظمة من الخرطوم وتتكفل المنظمة بتوفير الإقامة والاعاشة لهم فى محطات عملهم وبتكاليف السفر الى ذويهم للخرطوم ذهابا” وإيابا” حسب خطة اجازاتهم}
3-الموظفين المحليين:{المقصود بهم الموظفين السودانيين الذين تعينهم المنظمة محليا” من نفس دائرة مناطق النزاع ولا تتكفل لهم المنظمة بتوفير الإقامة والاعاشة فى محطات عملهم وكذا تكاليف السفر الا فى الحالات الاضطرارية الماسة كحالات المرض وتعطيهم المنظمة شيء يسير يسمى بعلاوة السكن/الكولا وعلاوات أخرى صغيرة لا تسوى شيء مقارنه مع الموظف الوطنى}
هذان الطبيبان المشار اليهما من الموظفين الوطنيين حسب تصنيف المنظمة!
أثار جهل هذان الطبيبان حفيظة كل الموظفين والإدارة فذات يوم سألتنى المدير الطبي للمشروع وهى أمريكية من ولاية كالفورنيا تدعى «أن» لماذا لا يتحدث هؤلاء الطبيبان الإنجليزية وكيف درسوا وتخرجوا من الطب فى السودان؟ أنا أشك فى أهليتهما لممارسه مهنة الطب لأننى عملت مع أطباء سودانيين كثر فى بعثات تبع المنظمة فى دول كثيرة حول العالم ولكنهم كانوا جديرين ومحل اشادة من كل الموظفين الدوليين والمحليين والمجتمع المضيف.
قلت لها كثيرون من أمثال هؤلاء هم من يساهمون فى ضياع السودان وشعبه وأنا شخصيا” يساورنى ذلك الإحساس ولكن دعنا نرى ما ستفعله الأيام بنا.
كنت على يقين أن هذين الطبيبين ضابطان فى جهاز الأمن ولكن لخصوصية وحساسية الوضع تحفظت وظللت أراقب الوضع عن كثب حتى وقعا ذات يوم فى مخالفة لقوانين عمل المنظمة وقامت المنظمة بكتابة انذار مكتوب لهما الاثنان.
دارت دورة الأيام وساء الوضع فى الإقليم وكثرت حوادث النهب والاختطاف لموظفي وعمال المنظمات الإنسانية وسيارات المنظمات ما بين الجنينة ومورني وبين مورنى وبقية المناطق الأخرى وقررت المنظمات العاملة هناك التحرك للجنينة ذهابا” بكنفوى عسكرى بالتنسيق مع الحكومة السودانية لحماية الطوف الإنساني.
رفضت منظمتنا أطباء بلاحدود الأمر بحجة أنها منظمة إنسانية تعمل فى الحقل الانسانى الطبي ودعت كل الموظفين لاجتماع تنويرى عام وأشارت المنظمة الى أنها لاتذهب بصحبة كنفوى عسكرى من الحكومة السودانية وستذهب وتعود لوحدها ولو كلفها ذلك حياة موظفيها وممتلكاتها ايمانا” منها بمبدأها الأساسي وهو الإنسانية.
أراد الطبيبان التدخل ودافعا بشدة بأسلوب مغلظ يستشف من ورائه سيادة حكومية وطالبا بانصياع المنظمة لأمر الكنفوى ولايمكن للمنظمة أن تسبح عكس التيار وتغرد خارج السرب.
هنا انكشف أمر ضابطي الأمن الذين جاءا للعمل تحت عباءه المجال الطبي.
قررت المنظمة فصلهما فى اليوم الثانى وحجزت لهما تذاكر سفرهما للخرطوم وتم انهاء خدمتهما بالمنظمة!
منظمتى كونسيرن الايرلندية وأوكسفام البريطانية كانتا من المنظمات التى ارتضت أن تواصل عملياتها بالكنفوى العسكرى.
نواصل فى جزء رابع.