عبدالغني بريش فيوف
أصدرت مهزلة -عفواً مسخرة -عفواً، محكمة في سنار وسط السودان يوم الأربعاء 1/8/2018م حكماً قضي بالغرامة (50) الف جنيه والسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ علي نائب رئيس الحركة الاسلامية بولاية سنار وجه إساءات عنصرية لعامل في محطة وقود يدعى رحال تيه كوكو من أبناء جبال النوبة (الجنوب السوداني الجديد).
وفور النطق بالحكم، عقد محاميي الحاج رحال تيه، مؤتمرا صحفيا أعلنوا فيه عن رفضهم لهذا الحكم المخفف، وقالوا انهم سيستأنفون الحكم لدى “محكمة الاستئناف”.. لكن هل هناك أي جدوى من هذا الاستئناف في ظل نظام يأتي الأوامر لمحاكمه بدرجاتها المختلفة؟
انزعج كثير من أبناء النوبة وغيرهم من أبناء السودان على الحكم غير العادل وغير المنصف من خلال بيانات ومقالات آراء، وتسجيلات وسائطية واتسابية وفيسبوكية وولخ. لكن هل هناك مبررا لهذا الانزعاج وان النظام الذي يحكم السودان لتسع وعشرين عاما، قتل ما لا يقل عن ثلاثة مليون جنوبي (الجنوب القديم)، وقتل ما لا يقل عن 500 ألف مواطن دارفور، وقتل مئات الآلاف في جبال النوبة والنيل الأزرق، وما زال القتل يسير حتى يومنا هذا بقدميه هناك؟
إذا كانت ذاكرة المنزعجين من هذا الحكم المستفز مقدودة ومخرومة، فإني هنا أذكرهم بعدم وجود استقلالية للقضاء في السودان حتى تكون الأحكام عادلة ونزيهة، ذلك أن استقلالية القضاء هي تجسيد للعدالة وعنصر محوري وهام ضمن الأسس التي ترتكز إليها دولة القانون، بما يسهم في ضمان الاستقرار داخل المجتمع ويكفل سير المؤسسات بشكل سليم، ويرسخ ثقة المواطنين فيها، لكن سودان نظام الإسلام عروبي يفتقر إلى نزاهة القضاء وشفافيتها ومن غير المتصور ابدا ابدا ان تصدر محاكمه احكاما تخالف إرادة عمر البشير وعصابته.
الحاج رحال تيه كوكو قبل اصدار الحكم في الدعوة التي رفعها ضد المدعو عثمان الزين، كشف عن ضغوطات تمارسها ضده حكومة الولاية لإثنائه عن المواصلة في إجراءات التقاضي، وأن والي ولاية سنار بجانب رئيس المجلس التشريعي وقيادات بالولاية، سجلوا له زيارة خاصة طالبوه من خلالها بالتراجع عن السير في إجراءات المحاكمة، وأنه رفض كل هذه الضغوطات والمضي في إجراءات التقاضي لأخذ حقه وفقاً للقانون،، وها هو قد صدر الحكم، وقال القانون كلمته، وأخذت العادلة مجراها -لكن أي عادلة، إنها عادلة دولة عمر البشير التي لا تعرف العدالة والنزاهة والشفافية. إنها عدالة الخذلان واستحمار الجميع.
اللجوء إلى المحاكم لرد الحقوق شيء عظيم وأسلوب حضاري راقي، لكن المشكلة الأساسية هي ان تلك المحاكم كما ذكرت تتحكم في شؤونها السلطة التنفيذية، وبالتالي يستحيل ان تحقق العدالة المطلوبة لصالح الضعفاء -أي لا نفع يرتجى منها، ولا يمكن أن تأتي بخير، وأن أي اصوات احتجاجية على احكامها هي كالآذان في مالطا.
قوانين النظام ومحاكمه بمختلف درجاتها، تعتبر أدوات قمعية للسلطة لإظهار القوة والتنمر من أجل ادخال الخوف واليأس في نفوس السودانيين. كما أنها واحدة من الطرق والوسائل التي يدير بها السفاح عمر البشير البلاد.
ولطالما الوضع القضائي والمحاكمي كارثي مظلم ومظلم جدا في سودان اسلام العروبة والبداوة، فإنه وجب تغيير هذا النظام وإسقاطه كخطوة أولى نحو التغيير الشامل في السودان، وانشاء قضاء ومحاكم مستقلة، حيث انه لا يتصور رقي وتقدم دولة ما ما لم تكن سلطتها القضائية متقدمة في إصدار أحكامها وطريقة الوصول اليها، كون القضاء ركيزة أساسية في بناء الدولة ومحور أساسي في وجود الثقة في مؤسساتها.
على الأصوات المحتجة على الحكم الصادر ضد المدعو عثمان الزين، وهو حكم حقا وفعلا جائر بكل ما تحمل هذه الكلمة من معني، ان ترحم نفسها قليلا وتحّول غضبها هذا إلى حراك ثوري يومي لإسقاط السلطة السياسية والنظام الحاكم، لأنه لا يستقيم عقلا المطالبة بنزاهة القضاء والمحاكم في ظل نظام لا يعرف معنى القانون وحقوق الإنسان.