واشنطن _ صوت الهامش
قالت صحيفة “واشنطن بوست ” الأمريكية بأن الرئيس السوداني “المتسلط” عمر حسن البشير بات أمام خيارين إثنين لا ثالث لهما في مواجهة ثلاثة أشهر من الاحتجاجات الدؤوبة في شوارع البلاد، والداعية لتنحيه .
ورجحت الصحيفة بأن أحد خيارات البشير أمام تلك الاحتجاجات هو الشروع في إصلاحات قد تقلل من الشعور بالضيق الاقتصادي والقمع السياسي الذي تسبب في القضاء على حياة العديد من السودانيين، أو أن يتخذ الخيار الثاني والذي يكمن في مضاعفة القوة الوحشية التي كانت سببًا في الحفاظ على حكمه الذي استمر لـ 30 عاماً.
ومن الواضح كما تقول الصحيفة أن البشير قد أختار الخيار الأخير، بإعلانه حالة الطوارئ لمدة عام، وهو ما يمنح قواته الأمنية صلاحيات غير محدودة تقريبًا لسحق الاحتجاجات، والتي هي أيضًا غير قانونية من الناحية الدولية والإنسانية الآن، وردًا على هذا الخيار استمرت الاحتجاجات ونمت وتأججت.
ويرى الكثيرون في شوارع السودان قرار البشير في الأسبوع الماضي باعتباره خطأً كلاسيكيًا يكرره الدكتاتوريون اليائسون في خضم آلامهم النهائية، وفي أوج إدراكهم بأن أيامهم باتت معدودة.
وقال “صلاح شعيب” -متحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين- التي تقود الاحتجاجات: “إن الخطوة الأخيرة للبشير ليست سوى محاولة للبقاء في السلطة من أجل تجنب المحاكمة على الجرائم التي ارتكبها، لكننا سنستمر في الكفاح من أجل التخلص من النظام وإعادة بناء البلاد بمؤسسات ديمقراطية جديدة”.
وتجدر الإشارة إلى أن البشير، البالغ من العمر 75 عاماً كان قد تعرض لتحدياتٍ من موجات الاحتجاجات على مدى العقود الثلاثة الماضية ، ولكن لم يكن إحداها مطالبًا برحيله أوعلى وشك التخلص منه كما تفعل الاضطرابات الحالية، حيث جعلت آخر خطوات البشير التصعيدية من تصاعد العنف، أكثر احتمالاً من أي وقت مضى.
وقالت جماعات حقوق الإنسان إن أكثر من 50 شخصًا قتلوا على أيدي قوات الأمن منذ بدء الاحتجاجات في منتصف ديسمبر، وتم احتجاز آلاف غيرهم – بمن فيهم شخصيات بارزة في المعارضة ومحامون وأطباء وصحفيون – إلى أجل غير مسمى في مجموعة من مراكز الاحتجاز التابعة لإدارة جهاز الأمن السوداني.
ولفتت الصحيفة بمحاولة البشير تعزيز سلطته إلى جانب إعلان حالة الطوارئ بقيامه بحل حكومة الوفاق والولايات ، ليحل محل جميع حكام الولايات السودانية البالغ عددهم 18 تقريباً ضباط الجيش، كما أمر البرلمان بتأجيل المداولات بشأن التعديلات الدستورية المقترحة، والتي من شأنها أن تسمح له بالترشح لفترة رئاسية -غير دستورية- في المستقبل.
وفي السياق ذاته، قالت “جيهان هنري” – المديرة المساعدة لأفريقيا في هيومن رايتس ووتش- : ” إن استخدام قوانين الطواريء والمراسيم لحظر الاحتجاجات إشكالية كبيرة، حيث يجب على قادة السودان أن يأمروا القوات بالتوقف عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، والتحقيق في جميع حالات القتل المبلغ عنها والضرب والتعذيب وسوء المعاملة حتى الآن”.
وفي الشأن الخارجي، تفيد الـ “واشنطن بوست” بأن مؤيدي البشير الأجانب يشعرون بالقلق منه، حيث أنه كان في الماضي مدعومًا بالمساعدة المالية من دول الخليج وكذلك مصر وروسيا ، لكن في الآونة الأخيرة ، لم يفعل هؤلاء الحلفاء سوى القليل ، لكنهم قدموا له بيانات وخطابات دعم غامضة.
أما الحكومات الغربية – التي بدأت تلتفت للفرص الاقتصادية في السودان، وتقدم الاستثمارات – التي باتت في أمس الحاجة إليها – فقد أصدرت توبيخًا صارمًا.
فقد قالت حكومات كلًا من الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج وكندا في بيان مشترك لهم بأنه لا يمكن تحقيق الاستقرار الاقتصادي دون الوصول إلى توافق سياسي في البداية. لا يمكن تحقيق الإجماع السياسي بالسجن وإطلاق النار وتجريم المتظاهرين السلميين ”
بينما ردت وزارة الخارجية السودانية بالخرطوم في بيان لها قائلةً: ” أنه لا يحق لهذه الدول التدخل في شؤون السودان وفي تدابير الرئيس البشير لم يروا سوى حالة الطوارئ، ولكن ليس دعوته لإجراء حوار . لن تؤثر حالة الطوارئ على حريات الناس وحقوقهم “.
وأكدت “واشنطن بوست” على أن حل “البشير” للحكومة خلق مساحة شغلها مع شركائه المقربين، ليصبح وزير دفاعه السابق “عِوَض بن عوف” نائباً له، كما أصبح “أحمد هارون” نائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني، ثم مفوضًا بأعمال رئيس الحزب.
ونوهت “واشنطن بوست” النظر إلى أن الرجال الثلاثة لديهم قاسم مشترك، فجميعهم متهمون بالتنظيم والإشراف على فظائع ارتكبت في حق مدنيين خلال نزاع طويل الأمد بين الحكومة السودانية والمتمردين في إقليم دارفور، وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أمرت باعتقال البشير لمدة عقد من الزمان.
ويقول بعض المحللين إن إعادة تشكيل الحكومة قد تخلق أعداء أكثر من الأصدقاء، حيث منح القادة العسكريين مناصب عليا على حساب أعضاء حزبه منذ فترة طويلة والذين كانوا يأملون في تولي السلطة كلما تخلى عنها البشير.
وبينما كان يُنظر إلى احتضان البشير للجيش على أنه وسيلة “لتثبيت الانقلاب” الذي قام به بنفسه، إلا أنه يمنح المزيد من السلطة لأولئك القادرين على القيام بانقلاب عليه.