عماد عنان
في كثير من الدول النامية تلجأ الأنظمة الحاكمة إلى العديد من الإستراتيجيات والأساليب التي من شأنها ” إلهاء” الشعب عما يدور حوله، و” إشغاله” بقضايا غير ذات أهمية، على غرار نظرية ” بص للعصفورة” كما يقول المصريون، لاسيما إن كانت حكومات تلك الأنظمة غارقة في الأزمات تلو الأخرى، والتي تفشل في وضع حلول لها، أو السير قدما نحو الخروج منها.
فما بين مباريات كرة القدم، وأزمات الفتن الطائفية المفتعلة، وتصدير بعض القضايا التافهة إعلاميا، وإشغال الرأي العام بالخصومات الشخصية، والقضايا الخاصة، تعزف الحكومات النامية ليل نهار في محاولة لغض طرف مواطنيها عما يعانوه من آلام وازمات.
الإعلام السوداني أقام الأفراح ودق طبول الإنتصار لإهداء لاعب نادي برشلونة، الأرجنتيني “ليونيل ميسي” قميصه الموقع، للرئيس عمر البشير، قابلها الأخير بالترحاب الشديد، والتعبير عن عشق الشعب السوداني للنادي الكتالوني العريق، والإفصاح عن نيته في دعم كرة القدم السودانية، والعمل على الإرتقاء بها..ليبقى السؤال: ما هي دلالات التضخيم الإعلامي لهذا الحدث في هذا الوقت خصيصا؟ وهل يستطيع قميص ” ميسي” والهالة الإعلامية المصاحبة له أن يغض طرف السودانيين عن أزماتهم ومعاناتهم لاسيما وأن مايقرب من 80% منهم على حافة الفقر؟
80% تحت مستوى خط الفقر
تعاني السودان منذ إنفصال الجنوب عام 2011 من أزمات إقتصادية طاحنة، اودت بالملايين من الشعب السوداني في غياهب الفقر والحرمان، وغياب الأمن والإستقرار، فضلا عن الإحتراب الداخلي الذي أوشك أن يوقعها في مستنقعات الحروب الاهلية الطاحنة.
وبالرغم من عدم وجود نسبة رسمية لعدد الفقراء في السودان، إلا أن آخر مسح للفقر في السودان أجري قبيل الإنفصال ، كانت نسبة الفقر العامة في السودان 46.5%، منها 26.5% من سكان المدن و57.5% من سكان الريف، فضلاً عن اختلاف ما بين الولايات، حيث كانت النسبة في ولاية شمال دارفور – غربي البلاد 69% كأعلى نسبة، وفي ولاية الخرطوم 26% كأدنى نسبة.
ومع بدايات عام 2012 تعرضت البلاد لأزمات إقتصادية طاحنة، جراء إنفصال الجنوب السوداني، الذي حرم السودان من 75% من المخزون النفطي، الذي يشكّل نحو 68% من موارد البلاد، مما تسبب في زيادة زيادة نسبة الفقر بين قطاعات عريضة من السودانيين، وصلت نسبتها حسبما كشف المسح الإحصائي الجديد الذي جرى بالتعاون الفنّي مع جهاز الإحصاء النرويجي إلى عتبة الـ80% من السودانيين.
إنفصال الجنوب، حرم السودان من 75% من المخزون النفطي، الذي يشكّل نحو 68% من موارد البلاد
الخبراء السودانيون أرجعوا تزايد معدلات الفقر إلى تراجع الناتج من الزراعة، والهجرة من الريف إلى المدن والمهن الهامشية، وتوسّع نطاق الصراعات المسلحة لتشمل، إلى جانب إقليم دارفور، كلّاً من ولاية النيل الأزرق وكردفان؛ صراعات تنفق فيها ملايين الدولارات التي تُخصم من جيوب الفقراء، وقد أدّت إلى نزوح قرابة 300 ألف بين أواخر فبراير ومنتصف أبريل 2014، يضاف إليهم 2.2 مليونا شخص، يعيشون أصلاً في مخيمات النزوح منذ بدء الأزمة قبل 11 عاماً.
وعلى مدار السنوات الماضية، ومع إرتفاع الأسعار بشكل جنوني، صاحبها تدني في مستوى معيشة المواطن، بذلت حكومة البشير جهودا حثيثة للخروج من الأزمةن، كان آخرها الوثيقة المبرمة للحد من حالة الفقر المنتشرة داخل البلاد، ودعا البرلمان في تلك الوثيقة إلى زيادة الاعتماد المرصود لمشاريع وبرامج الحد من الفقر، عبر الموازنة العامة للدولة والبحث عن قروض ميسرة عبر مؤسسات التمويل الدولية والاستثمارات، وتوسيع تجربة التعاونيات ووضع السياسات اللازمة للتعدين التقليدي وربط الطرق، وتخفيف تعرفة المواصلات وتفعيل مصادر مكافحة الفقر من الزكاة والضمان الاجتماعي، وزيادة الرواتب ودعم الأسر ومكافحة الفساد، واعداد إحصائيات للأسر الفقيرة ودعم الصندوق القومي لرعاية الطلاب وتنفيذ مجانية التعليم.
لكن قوبلت هذه الوثيقة بالرفض الشعبي غير المتوقع، وبحسب المراقبين، فإن هذا الرفض يعود لعدم تطبيق المعالجات الاقتصادية بشكل صحيح، ناهيك عن مخاوف وهواجس الفقراء جراء سياسة رفع الدعم. أمّا الصدمة الثانية فتمثلت في ضعف الصرف الحكومي على مشاريع الحد من الفقر. ولعل ذلك ما أكّده وزير الدولة في المالية السودانية عبد الرحمن ضرار قائلاً إنّ “نسبة الصرف على مشروعات الحد من الفقر ليست بالقدر المطلوب حتى الآن”.
فشل حكومة البشير
الكاتب والمحلل السوداني محجوب صالح، في مقال له بجريدة العرب القطرية تحت عنوان “أزمة الاقتصاد السوداني مؤشر على الأزمة الأشمل” استعرض بعض مظاهر الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها السودان خلال السنوات الأخيرة، منها تراجع قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية بصورة مقلقة، والفجوة الهائلة بين الأوضاع المعيشية في الريف والحضر، مما ساهم في حالة الإحتقان والكراهية بين أبناء الشعب الواحد.
صالح أكد في مقاله فشل السياسات الحكومية، والإجراءات التي اتخذها القطاع الاقتصادي في السوق في إحداث زيادة في حصيلة صادرات السودان، ما يوفر من العملات الأجنبية بما يكفي لتمويل الواردات الرئيسية، بل على العكس من ذلك رفعت الحكومة يدها عن تمويل واردات هامة مثل الدواء وبعض المنتجات النفطية بحجة تحريرها، وبذلك بات على المستوردين أن يلجؤوا للسوق الحرة لتدبير العملات الأجنبية المطلوبة، إضافة إلى أن الحكومة فتحت باب الاستيراد دون تحويل القيمة لقائمة كبيرة من السلع، ما زاد الطلب على العرض المحدود من العملات الأجنبية، وبالتالي أسهمت هذه الزيادة في الطلب على العرض في ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في مواجهة العملة الوطنية.
وبنبرة يعلوها الإحباط من تحسن الأوضاع، أشار المحلل السوداني أنه لا يبدو في الأفق ما يفيد أن ثمة أملا في حل عاجل لكل هذه الأزمات التي تحيط بالاقتصاد السوداني، وما زال الأثر المباشر يتحمله المواطن في زيادة معدلات الغلاء وتصاعد حدته، وقد لاحظنا مؤخراً أن القيادات الاقتصادية المعنية بالأمر قد توقفت عن إرسال رسائل مبشرة بقرب انفراج الأزمة، ما بات يثير تساؤلاً عما إذا كانت هي –أيضاً– ما عادت ترى بادرة أمل في حل عاجل للأزمة، وباتت على قناعة بأن تترك الأمور تسير هكذا إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً؟وفي السياق نفسه أكد الخبير الإقتصادي، والاستاذ بالجامعة الامريكية بالقاهرة، حامد التيجاني، في مقابلة له مع راديو ” دابنقا” أن خطاب الرئيس عمر البشير الذي أعلن فية عن حزمة إجراءات لاصلاح الوضع الاقتصادي بالبلاد بانة اعتراف واضح وصريح بفشل الحكومة في إدارة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، مشيرا أن الاجراءات التي اعلنها البشير وحكومته وتبناها برلمانه، ستزيد من ارتفاع الاسعار وتفاقم من الضائقة المعيشية الحالية ، وسيؤدي كذلك الي انهيار القطاعات الانتاجية بالكامل .
التجاني لفت الي ان اصلاح الوضع الاقتصادي في السودان يحتاج الي برنامج شامل للاصلاح يتعامل مع ارتفاع معدل التضخم الذي وصل الي 30% ، والبطالة التي وصلت الي 60% ، والفقر الذي وصل الي 95% ، وذلك عن طريق وضع سياسات تراعي الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وتشجع علي الانتاج ، مشخصا الأزمة السودانية في وجود ازمة سياسية خانقة ادت الي ضياع 100 مليار دولار دخلت الخزينة السودانية في العشرة سنوات الماضية، وحلها لا يكون الا عبر ازالة النظام القائم بثورة شعبية لتتاح للبلد فرصة ان تاتي بقيادات جديدة توقف الحروبات الدائرة، وتضع برنامج سياسي اقتصادي يسترد الاموال المنهوبة في العشرين سنة الماضية، وتشجع علي الاستثمار.
وأختتم الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة تخوفاته من الأثار المرتبتة على ممارسات حكومة البشير، بان هذه السياسات المعلنة من قبل الرئيس عمر البشير اذا تم تطبيقها سوف تزيد نسبة الفقر إلى 95% بين السودانيين، و ستلجأ الحكومة بعدها الي بيع ماتبقى من قطاعات حيوية مثل مصافي البترول ومصانع السكر، بالاضافة الي بيع كل الأراضي الخصبة التي قال بانها الآن معروضة للبيع في الاسواق العالمية للمستثمرين الاجانب ، مشيرا الى ان هذه السياسة ايضا ستزيد لهيب الحروب الدائرة الآن ، و تمتد لتشمل كل انحاء السودان، الامر الذي سيؤدى برأيه الي تفكيك السودان ودمارة .
قميص “ميسي” هل يكون الحل؟
جاء إهداء اللاعب لوينيل ميسي نجم منتخب الأرجنتين لقميصه للرئيس السوداني عمر البشير ليثير الكثير من علامات الإستفهام حول حقيقة هذا الإهداء، وما مناسبته، لاسيما وأن تعامل الإعلام مع الحدث قد استفز الكثير من السودانيين ممن وصفوه بـ” المناورة” التي تستهدف دغدغة مشاعرهم.
المبالغة في نقل الحدث، ونعته بعبارات النصر والتمجيد، دفعت السكرتير الصحفي للرئيس السوداني عمر البشير، أبي عزالدين، للكشف عن حقيقته، في محاولة لإزالة حالة الإلتباس التي رافقت تغطية هذا الإهداء، خاصة بعد إشتعال مواقع التواصل الإجتماعي بالحملات الساخرة.
أبي عز الدين – في تصريحات صحفية له – أشار إلى أن السيدة إليسا بلاسكو المفوضة الخاصة لنجم برشلونة -وهي خبيرة في مجال الاستثمارات الدولية- أعدت دراسة خاصة عن الاستثمار في السودان بالتعاون مع وزارة الاستثمار الوطنية تحت عنوان المرشد إلى الاستثمار في الاقتصاد السوداني، مشيرا أنها زارت السودان بغرض التعريف بالدليل الذي أعدته وتسليم نسخة منه لوزارة الاستثمار، وخلال الزيارة طلبت ترتيب مقابلة مع الرئيس السوداني بغرض عرض نتائج بحث آفاق الاستثمار السوداني وتسليمه نسخه من الدليل.
سكرتير الرئيس السوداني أضاف أيضا أن بلاسكو تواصلت مع ميسي ليهدي قميصا موقعا منه لرئيس الجمهورية، وتجاوب فوريا لهذا الطلب، وتم إهداء القميص للرئيس خلال لقائه، مما دافع البشير إلى الإشادة بهذه الخطوة، مبديا إعجابه بالنادس الكتالوني، قائلا : إن الرياضة أصبحت تمثل سفارة متنقلة ودبلوماسية ترتقي بها الشعوب.
[quote]البشير: إن الرياضة أصبحت تمثل سفارة متنقلة ودبلوماسية ترتقي بها الشعوب[/quote]
كما خاطب البشير خلال لقاءه بنخبة من الإعلاميين والرياضيين، ممثلة النادي الإسباني قائلا إن “90% من الشعب السوداني يشجعون البارسا”، متعهدا برعاية شباب منتخب بلاده في المرحلة القادمة حتى موعد مشاركته في بطولة الأمم الأفريقية التي ستحتضنها زامبيا في 2017، مشيدا بالجهود الكبيرة التي بذلوها خلال مرحلة التصفيات إلى أن تكللت بالارتقاء إلى نهائيات البطولة.
وكان لرواد مواقع التواصل الإجتماعي نصيب من هذا الحدث الذي فرض نفسه بصورة غير متوقعة، حيث إنقسموا إلى فريقين، الأول تعامل مع هذه الخطوة على أنها “مصطنعة”، على غرار مباريات كرة القدم في مصر، ومظاهرات الشيعة في السعودية، وذلك لصرف أنظار الشعب السوداني عن إخفاقات حكومة البشير وغلاء الأسعار ووصول سعر الدولار لأعلى رقم له وتسجيله (15) جنيها بالعملة المحلية، فضلا عن زيادة أعداد الفقراء بصورة غير مسبوقة في تاريخ السودان في ظل الفشل المتواصل للإستراتيجيات المتبعة من قبل النظام الحاكم، بينما دافع أنصار البشير عن هذه الخطوة واعتبروها تكريما للرئيس من قبل نجم عالمي، تعكس مايتمتع به الرجل من شعبية كبيرة تفند مايثار بشأن الإتهامات الموجهة له داخليا وخارجيا.
وبصرف النظر عن حقيقة وتكهنات هذه الخطوة، وكيفية تناولها إعلاميا، يبقى السؤال: هل ينجح ” قميص ميسي” في صرف أنظار السودانيين عن واقعهم المذري؟ وهل تستطيع شعبية اللاعب العالمية أن تزيد من شعبية البشير داخليا؟
نون بوست