عبدالغني بريش فيوف
بالرغم من كثرة المقالات لكثير من السودانيين الشرفاء التي حذرت من شخصية الصادق المهدي المخادعة ومن خطورة مواقف الرجل السياسية على مستقبل كل السودان، وبالضرورة على قضية دارفور والمنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق). إلا أن الذين اتخذوا من السياسة مهنة للتربح ومصدرا للمنفعة الشخصية لم يأخذوا بهذه المقالات المحذرة ليدخلوا معه في تحالف عُرف بنداء السودان، ليس هذا فحسب بل جعلوه رئيسا عليهم ولتحالفهم المتناقض الذي يقيم 90% من قادته في بريطانيا وفرنسا وأوغندا وكينيا.
في الأسابيع الماضية اشتعلت حرب بيانات بين الحركات الدار فورية المنضوية تحت لواء ” نداء السودان” إثر اقتراح الصادق المهدي -أي رئيس النداء المذكور، إجراء تسوية سياسية بشأن قضية السفاح عمر البشير في المحكمة الجنائية الدولية، حيث قال المهدي في مقابلة مع قناة روسيا اليوم “إن ثمة حلان لقضية المحكمة الجنائية مع البشير: إما أن يذهب للمحكمة ويدافع عن نفسه، أو أن يكون هنالك حل سياسي عن طريق مجلس الأمن عبر تلقيه عفوا من الضحايا”. والمهدي إذن دون أي حق وكأي ثرثار آثم تدخل في شأن الضحايا وأهلهم بكلامه عن العفو عن قاتل أكثر من 500 ألف دارفوري، الأمر الذي جعل حركة/ جيش تحرير السودان، بقيادة مني أركو مناوي، العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، تنتقد تصريحات المهدي حول تفعيل البند السادس في ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية والذي يقضي بإحالة ملف دارفور لدى المحكمة إلى الأمم المتحدة مرةً أخرى.
وبما أن الحركات الدارفورية قد انتقدت تصريحات المهدي حول الجنائية الدولية، إلا أن تلك الانتقادات لم تكن بحجم الأذى والضرر الذي سببته تلك التصريحات، ذلك أن تصريحات كهذه كان لابد مواجهتها بالقوة وأقلها، طرد المهدي من رئاسة تحالف نداء السودان. أما ولم يصدر موقف قوي من اركو مناوي وجبريل إبراهيم وآخرين من الكراتين المنضوية تحت “نداء السودان”، فهذا يعني شيئا واحدا، وهو أن مصالح الشعب الدارفوري وضحاياه ليس من أولويتهم، بل الأولوية هي مصلحتهم الشخصية كونهم يعيشون حالة من الضياع والانهزام الفكري ولا يمتلكون هوية فكرية سياسية واضحة المعالم.
هؤلاء الذين ركبوا موجة النضال وحمل السلاح من أبناء دارفور، تغيب عندهم رؤى سياسية صحيحة في تحديد المواقف، ويرجع ذلك إلى الخلفية الفكرية والثقافية والسياسية التي ترعرعوا في أحضانها. فغياب المنهجية العلمية أدى إلى انتاج اللا فكر واللاوعي حيث باتوا لا يرون اختلاف أو تباين مع أي قوى سياسية في السودان (إسلامية، عروبية، طائفية، يسارية، يمينية، وولخ)، وبالإمكان الاتفاق معها في قضايا كثيرة، طالما أنهم لم يحددوا معالمهم الفكرية.
قالوا انهم رفعوا السلاح ضد الظلم والقهر والعدوان، ومن أجل سودان جديد علماني ديمقراطي حر، لكنهم للأسف الشديد قبلوا بالصادق المهدي الذي تسبب وما زال يتسبب في مشاكل السودان ليرأس تحالفهم المتناقض. وما زالوا متمسكين به كرئيس عليهم حتى بعد تصريحاته التي دعا فيها إلى الإفلات من العقاب بكلامه عن إحالة ملف دارفور لدى المحكمة الجنائية إلى الأمم المتحدة مرة أخرى.
لكن السؤال.. كيف لهم أن يتمسكوا بالصادق المهدي حتى الآن رئيسا عليهم والرجل لم يحترم مشاعر الضحايا ولم يشعروا بفداحة ما تعرضوا له من ظلم وفظائع؟
كيف سيواجهون أهالي دارفور وقد تحولوا بهذا الموقف المخجل المخزي إلى مجرد أسرى وعبيد للمهدي؟
نعم، إن ضحايا جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب في دارفور هم وحدهم دون غيرهم من يملكون الحق الحصري في تحديد مصير حقوقهم ولا أحد يملك الحق في الحديث نيابةً عنهم بأي شكلٍ من الأشكال. لكن كان يجب على الحركات الدارفورية التي تدعي وتتبجح بالدفاع عنهم منذ عام 2003م ان تتخذ موقفا ثابتا وقويا ونهائيا من تصريحات المهدي، وأن ترفض أية مساومة بحقوقهم. أما وقد فشلت تلك الحركات التي تعيش قادتها خارج السودان في أداء أو بالتزام بوعودها للشعب الدارفوري، فقد حان الوقت أن تكون صادقة مع نفسها وتعترف بفشلها وتختفي من على الساحة السياسية الدارفورية نهائيا وألا تسعى لتحقيق أية مكاسب أو تسويات سياسية بقضية الضحايا.