واشنطن – صوت الهامش
كتب كبير المساعدين في برنامج إفريقيا لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “ريتشارد داوني” تقريراً حول عرض الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بإنهاء عزلة ” السودان” برفع إسمها من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، و الذي قد يكون من المحتمل أن يكون قد بني على أساس واهية و ضعيفة.
وقال التقرير أنه و في وقت سابق من هذا الشهر و تحديداً في الـ7 من نوفمبر، أعلنت وزارة الخارجية ما بدى أنه خطوة هامة إلى الأمام في العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان، حيث أعلن المتحدث باسم الولايات المتحدة إن الولايات المتحدة ستنظر في إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إذا ما ساعدت واشنطن في تعزيز بعض أولويات سياستها الخارجية في أفريقيا وخارجها – بما في ذلك التعاون في مكافحة الإرهاب وإنهاء الصراعات الداخلية في السودان وعزل كوريا الشمالية.
كما دعا البيان الأمريكي السودان إلى تحسين سجله في مجال حقوق الإنسان، واحترام الحريات الدينية، والوفاء بالمطالبات القانونية المتعلقة بدعمه السابق للهجمات الإرهابية ضد المواطنين الأمريكيين.
وأكد التقريره الذي نشره موقع ” وورلد بوليتك ريفيو” على أنه لطالما كانت إزالة تسمية الراعي للإرهاب أولوية قصوى للسودان في واشنطن، لأنها ستجعل من المحتمل أن تفتح الأبواب أمام المساعدات التنموية الأمريكية التي تزداد الحاجة إليها يوماً بعد يوم، لأنها ستعمل على تخفيف الديون الدولية.
و يحدد بيان الخارجية الأمريكية شكل المرحلة الثانية من استراتيجية إعادة الارتباط مع السودان، و التي بدأت تحت إدارة “أوباما” في عام 2016 ، وكان تحول السياسة بمثابة اعتراف ضمني بأن محاولات الإدارات المتعاقبة لعزل السودان لدعم الإرهابيين وشن الحرب في “دارفور” قد فشلت، بالإضافة إلى التغيير الجذري في سلوك نظام الرئيس “عمر البشير” لفترة طويلة.
وقد استمر التقارب في عهد الرئيس “دونالد ترامب” ، الذي وقع أمرًا تنفيذيًا في أكتوبر 2017 لينهي به بعض العقوبات التجارية والاقتصادية ضد “الخرطوم” ؛ إلا أن سلسلةً من العقوبات التي فرضها الكونغرس لا تزال قائمة، كما زار نائب وزير الخارجية “جون سوليفان” السودان بعد شهر من توقيع الأمر التنفيذي، وهو أكبر مسؤول أمريكي يسافر إلى السودان منذ سنوات عديدة.
ولفت التقرير أن في الأشهر التالية، بدى أن التقدم قد توقف، في حين أنهت وزارة الخارجية ما أسمته “المرحلة الثانية” من عملية إعادة المشاركة، وفقد الزخم بسبب الجمود البيروقراطي في كلا البلدين اللذين يتصارعان مع أولويات السياسة الخارجية الأخرى .
و في الخرطوم، أعرب المسؤولون عن شكوكهم بأن واشنطن كانت ترغب في التقارب مع السودان، و أنها تفتقر إلى الصدق لمتابعة العملية.
وأشار التقرير بأن إعلان وزارة الخارجية عن المرحلة الثانية، و الذي تم تعزيزه خلال المحادثات الأخيرة في واشنطن بين “سوليفان” ووزير الخارجية السوداني “الديديري أحمد” ، قد أفسد بعض هذه المخاوف، و أوحى بأن التقارب ما زال على المسار الصحيح.
وأكد التقرير على أن الهدف العام المتمثل في إقامة علاقات أكثر دفئً مع الخرطوم هو موضع ترحيب، لأن محاولات عزل “السودان” لأكثر من ربع قرن لا تخدم سوى تقليل النفوذ الأمريكي في البلاد، حيث ملأت هذه الفجوة من قبل “الصين” و “دول الخليج العربية” ، ومؤخراً “روسيا”. ومع ذلك، فإن الأسباب التي تم تبريرها لإعادة الارتباط بين البلدين واهية إلى أبعد حد، حيث كان إعلان الخارجية الأمريكية بهذا الشأن هذا الشهر قصيرٌ للغاية ، و فقيرٌ من التفاصيل.
حيث تدعي واشنطن أن السودان يستحق أن يقترب خطوة من إعادة العلاقات الكاملة، لأنه حقق تقدماً في خمس مناطق خاضعة للمراجعة منذ عام 2016 ، والتي تتعلق في الغالب بأولويات السياسة الخارجية الأمريكية، و في الواقع، كان امتثال السودان غير مكتمل في أحسن الأحوال، حيث أن غياب التقدم في أيٍ من المسارات الخمسة، يعد خرقاً للشروط المحددة للخرطوم، وعلى رأسها تحسين سجلها المحلي في مجال حقوق الإنسان، حيث كان سلوك نظام “البشير” سيئًا أكثر من أي وقت مضى.
ويشير السجل المروع للحكومة السودانية إلى أنها ستواجه صعوبة في تلبية أهداف حماية حقوق الإنسان.
ونوه التقرير إنه علي مدار العام الماضي، خرج المواطنون السودانيون إلى الشوارع للاحتجاج على سياسات التقشف وسوء الإدارة البائس لاقتصاد السودان، حيث ردت الحكومة بقمع المظاهرات بعنف، واحتجزت مئات المحتجين دون توجيه اتهامات – في بعض الحالات يصل الإحتجاز لعدة أشهر – وعذبت المعتقلين، كما أعاقت السلطات وسائل الإعلام من تغطية الاضطرابات من خلال تعليق الصحفيين ونشر وكالات الاستخبارات لتفتيش الصحف بحثاً عن مواد مثيرة للالتهاب قبل الموافقة على النشر.
وفي الوقت نفسه، يذكر التقرير أن القتال اشتعل في منطقة “جبل مرة” بدارفور، وهو ما أدى بدوره إلى تشريد الآلاف من المدنيين، كما تدهورت الحرية الدينية منذ إنفصال “جنوب السودان” ، حيث يقيم معظم السكان المسيحيين، و حيث تواجه الجالية المسيحية الصغيرة التي لا تزال في “السودان” اضطهاداً مستمراً، وقد هدمت حكومات الولايات الكنائس، ولا سيما في الخرطوم، بناء على طلب من مطوري الأراضي المتصلين سياسياً بالمخابرات السودانية.
ويغلق إطار المرحلة الثانية بعض الثغرات في التقرير السابق من خلال تضمين شرط للسودان لتعزيز “حماية حقوق الإنسان وممارساتها ، بما في ذلك حريات الدين والصحافة” ، لكن سجل الحكومة السودانية المروع يوحي بأنها ستواجه صعوبة في الوصول إلى هذه الحقوق.
وعدد التقريره أسباباً أخرى للشك في ذلك، كحقيقة أن حكومة البشير تعيش حاليًا معركةً من أجل البقاء في مواجهة الاضطراب السياسي والاقتصادي الساحق، ما يجعل قدرتها على التركيز في مهام أخرى محدودة، وعلاوة على ذلك، رشح حزب المؤتمر الوطني الحاكم “البشير” كمرشح رئاسي للانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2020 ، متجاوزًا قواعده الخاصة التي تنص على أن لا يخدم المرشحون لأكثر من فترتين.
و يجدر التذكير بأن “البشير” جاء إلى السلطة في انقلاب عسكري في عام 1989 ، وانتخب رئيسًا أربع مرات في انتخابات خاضعة لسيطرة شديدة وانتقادات دولية حادة، و لذلك يرجح “داوني” بأن هذه بيئة لا يمكن ان يتوقع أن تزدهر فيها تحسينات كبيرة للحريات المدنية.
و تكمن المفارقة في أن المنطقة الوحيدة التي ساعدت فيها السودان الولايات المتحدة بشكل لا لبس فيه، كانت التعاون في مكافحة الإرهاب ومع ذلك يبقى السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب في الوقت الراهن على الأقل.
وقال التقرير بالرغم من إنعدام الأسباب لتبرير بقائها في تلك القائمة كما تعترف وزارة الخارجية الأمريكية، لكن القائمة هي أهم مصدر “لواشنطن” للضغط على نظام يشتهر بسرعة التخلي عن وعوده، لذلك لا ينبغي التخلي عن إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب بسهولة، حتى لو أراد “ترامب” بشخصه أن يزيل السودان من قائمة تضم “إيران” و”سوريا” و”كوريا الشمالية” مؤخراً، فإنه سيتعين عليه أن يبحر في عملية بيروقراطية طويلة تعتمد على قبول الكونغرس الذي يضم معارضين صامدين لنظام “البشير” على كلى الجانبين، الديموقراطي و الجمهوري.
وأقترح التقريره بأن تكون الولايات المتحدة أكثر شفافية أمام العالم، و أمام الشعب الأمريكي، بخصوص معاييرها لتقييم التقدم في السودان.
فيجب وضع معايير هذه المرحلة الثانية من إعادة الارتباط مع السودان، بحيث يمكن للجمهور الأمريكي أن يدقق فيها، ويمكن الحكومة السودانية من أن تفهم بوضوح الخطوات التي يجب عليها اتخاذها.
وأختتم التقريره بأن خلاف ذلك من إجراءات، سيبقى الشك في أن هذه العملية هي تمثيلية سيتم استخدامها لتبرير أي قرار تتخذه واشنطن في نهاية المطاف بشأن “السودان” – سواء لإخراجه من العزلة أو إطالتها.