يبدو أن الضغوط الخليجية التي ترفض بتاتا وجود الإخوان المسلمين في المنطقة كقوة قادرة على الوصول للسلطة والتحكم في الدول قد نجح جزئيا في مسعاه. فبعد المقاطعة والضغط على قطر حتى تحجم دورها في المنطقة ومن قبل مساعدة مصر على التخلص من الاخوان، وخلق رفض لهم في ليبيا واليمن، فها هو أحد أكبر منظري الاسلاميين في المنطقة، واحد المقربين من الراحل الترابي، راشد الغنوشي زعيم الاسلاميين في تونس يقوم بخطوة تعد تاريخية بإعلانه فصل الحركة الدعوية الإسلامية عن السياسية وتحول حركة النهضة التي حكمت تونس بعد الثورة إلى حزب سياسي مدني.
وقد تمكنت القوي المدنية العلمانية في تونس من أجبار حركة النهضة التونسية على التخلي عن الحكم، في عملية نقل سلطة من الإسلاميين إلى حكومة مدنية وتنقراط أدت إلى إنقاذ تونس من فوضى حقيقية. وهذا الانتقال تم برعاية مجموعة من الشخصيات الوطنية التونسية والاتحاد العام للشغل( للعمال)، مما أدى أن تفوز المجموعة من الشخصيات التي قادت الحوار من أجل الانتقال السلمي للسلطة إلى أن تفوز بجائزة نوبل للسلام للعام الماضي. وقال الغنوشي في إعلانه عن هذا التحول انه ينظر ويسعى إلى النظر إلى المستقبل والذي لا يمكن فيه خلط الدين والسياسية.
ورغم أن الوضع التونسي يعد فريدا من نواحي عدة، فتونس ظلت الدولة الأكثر علمانية في المنطقة منذ استقلالها وربما من أكثر دول المنطقة استقراراً، الا انها أيضا تعد قائدة للحراك السياسي وملهمة التغيير في المنطقة. فتونس كانت شرارة الثورة التي عمت المنطقة بأكملها. ولم ينجح السودان في اتباع الربيع العربي وشرارة تونس الأولى قبل خمس سنوات، فهل سيتبع السودان شرارة تونس الثانية في عملية التخلي عن الاخوان المسلمين ومشروع الإسلام السياسي ؟ وهل موت الترابي عراب الحركة الإسلامية السودانية سيسهل هذا الانتقال.؟
ان التقارب بين البشير والخليج وتخليه عن إيران، ومحاولات تجاهل اخوان مصر وتجنب دعمهم على الأقل على المستوى الرسمي، دعمته تصريحات سابقة للبشير يتبرا فيها من الإسلاميين. وكان البشير قد صرح بشكل متكرر خلال العام الماضي أن اسلاميي السودان ليسوا أعضاء في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. بل وصل إلى أن يتبرا شخصيا من عضوية الجماعة. وعمليا اتخذ البشير عدة إجراءات لإبعاد وجوه الحركة الإسلامية من السلطة التنفيذية أبرزهم على عثمان محمد طه ونافع. وأصبحت الحكومة ذات طابع عسكري بشكل أكبر، مع مجموعة من مرتزقة المؤتمر الوطني، الكيان الهلامي المبنى على المصالح والفساد أكثر من الانتماء للحركة الإسلامية.
وفي محاولة صناعة قاعدة سياسية جديدة بديلة للإخوان ودعم شعبي حاول البشير من خلال الحوار الوطنى جمع شراذم أحزاب وخلطها في نظامه. إضافة بالطبع إلى محاولة شراء تذكرة رضاء المجتمع الدولي لتحجيم المعارضة. لم يعد للإسلاميين مكان في المنطقة، وهذا ما أدركه البشير، فأصبح يعتمد أكثر على الجيش وعلى ترويج نظامه كحليف دولي ضد الإرهاب لدول المنطقة والغرب. وتبرؤ البشير من الإسلاميين كتنظيم قد حدث إلى حد كبير نتيجة للضغوط الإقليمية وعجز الاسلاميين أنفسهم عن تقديم سند سياسي للبشير.
لكن الأزمة التي تبقى هل من الممكن أن يتخلى نظام البشير عن استخدام الدين في الشحن السياسي؟ وهذا سؤال ربما يتخطاه إلى أحزاب وكيانات سياسية أخرى. فالإسلام كدين وعلاقته بنظام الحكم في السودان قد احتل المركز الأبرز في النقاش السياسي السوداني منذ الاستقلال، فهل ستكون هناك نهاية لهذا النقاش، يضعها البشير ونظامه وليد الحركة الإسلامية؟ وهل سينتهي وهم الإسلام السياسي في المنطقة بقيادة تونس كما انتهت ديكتاتوريات عديدة في المنطقة عقب الربيع العربي الذي قادته ثورة التوانسة، هذا سؤال ستجاوب عليه مقبل الايام. لكن السودان فعليا جرب الإسلام السياسي وأكد على فشل و هم هذا المشروع الذي أطلق عليه الغنوشي وأعضاء حركته في مؤتمرها الأخير قبل أيام، أطلقوا على الإسلام السياسي انه مفهوم عائم ولذا هم يختارون ممارسة سياسة دون اسلمتها، فهل سيعي البشير وبقية حملة الفكر الإسلامي في القوى السياسية هذا الدرس ويتخلوا عن مشاريع أسلمة الدولة السودانية؟ هذا هو السؤال الذي ستحدد إجابته مصير السودان.
osman.habila@gmail.com