استمعت امس لتسجيلات لحميدتي يتحدث فيها عن فساد النظام الساقط وعن جهده هو شخصياً في دعم خزينة الدولة بالمليارات حتى قبل يومين.
بهدوء، وحتى ننظر للصورة كاملة ولشخصية رجل التغيير التي يحاول حميدتي تقديم نفسه من خلالها، فلنذكِّر أنفسنا أولاً بمن هو حميدتي، وما هي الظروف التي وضعته في المجلس العسكري الانقلابي. التاريخ القريب جداً يقول أن حميدتي قد ضحَّى بموسى هلال، أحد أقربائه، طمعاً في ذهب جبل عامر و تقرباً للبشير حتى يجد موطئ قدمٍ بالسلطة، وقتها كان قد شن حملة دفتردار على موسى هلال وأهله بمنطقة مستريحة، قتل وحرق واعتقل أهالي المنطقة لينهي حملته بارسال هلال للمعتقل، الذي يقبع فيه حتى الآن. ثم اتَّبع ذات سياسة النفس الطويل ولعب دور البليد حتى تمكن من تقوية قوات الجنجويد وانتزع لهم مقر للقيادة بقلب الخرطوم. جاءت الأزمة المالية الأخيرة فبدأ ينفق على خزينة الدولة من أموال ذهب جبل عامر وعائدات ارتزاق جنوده باليمن كما ذكر في تسجيله الأخير.
لماذا انحاز حميدتي للثورة؟ ببساطة هو فعل ما ظل يفعله منذ ظهوره على المشهد السياسي السوداني، الإصطفاف مع الأقوى مقابل نصيب من السلطة. انحاز للثورة لأنه علم أن النظام ساقط لا محالة، ولأنه أقرب من غيره لما كان يعيشه النظام من أزمات، لذلك ومنذ بداية الثورة نفى مشاركة قواته في فض المتظاهرين. ولأن تجربته في السلطة منذ ظهوره تقوم على مبدأ الما عندو سلاح ما عندو رأي فقد حجز موقعه في المجلس الإنقلابي بقوة سلاحه، وبقدرته على اثارة الفوضى بقوة ذات السلاح إن تم استبعاده من معادلة السلطة الجديدة. لذلك عندما ننظر لحميدتي في صورته الجديدة يجب ألا ننسى كيف وصل لهذا المقعد.
وجود حميدتي الآن هو أحد الإفرازات المدمرة لسياسة الاستقطاب القبلي التي اتبعتها الإنقاذ، حينما كانت تضرب على هذا الوتر لضرب مكونات الشعب الإجتماعية ببعضها، لكن في حالة حميدتي فشلت الإنقاذ في تحجيم دوره، لأنه علم قواعد اللعبة.
حميدتي ليس بطلاً للتغيير، هو مظهر سالب في المشهد السياسي، أتت به إخفاقات الإنقاذ، ولا ولاء له إلا لطموحاته.
هل نحاربه أم نجعل منه بطلاً؟ المنطق يقول أن نتعامل معه بحذر، فهو لا علاقة له بالبطولة، لا يسهم في التغيير إلا بالقدر الذي يضمن له وجود متقدم في السلطة، وفي ذات الوقت، فإن سلاحه الذي انحاز به للتغيير قد يستخدمه لحظة الإحساس بالخطر لهدم المعبد، لذلك من الفطنة أن يتم التعامل معه بحذرٍ بالغ. قد يقول البعض أن حميدتي الآن هو آخر مخاوفنا، فلنتذكر أنه بالحيلة وبوضعه كقوة مسلحة خارج سيطرة القوات النظامية، استطاع أن ينقلب على نظام البشير الذي صنعه.
سلمى التجاني