النَخَّاسُ في اللُّغَةِ – وفقُ المعاجم – هو بَائِعُ الدَّوَابِّ أو (دَلاَّلُهَا)، كما يُطلَق هذا المُصطلح على بائعي الرَّقيق/العبيد، فيُقال نَخَّاسُ العبيد أو نَخَّاسُ الدَّوَابِّ أي بائعها/بائعوها، حيث كان النَخَّاسون يتجمَّعون قديماً في أسواقٍ تُسمَّى (سُوق النِّخَاسة). ولعلَّ البشير وعصابته فاقوا – بانحطاطهم الفريد – جميع (النَخَّاسين) الذين شهدهم التاريخ الإنساني، إذ لم نسمع بـ(نَخَّاسٍ/نَخَّاسون) يبيع/يبيعون حُمَاته/حُماتهم كما يجري مع الجيش السُّوداني الآن.
فالشاهد أنَّ جيشنا كان مُحترماً ويتمتَّع بسُمعةٍ طيبة قبل سَطو البشير على السُلطة، وكان مُلتزماً – لحدٍ بعيد – بأخلاقيات ومهنية الجيوش المُتعارف عليها دولياً وإقليمياً، وتحديداً حماية الدولة من الاعتداءات الخارجية، والمُحافظة على أراضينا وحدودنا البرية ومياهنا الإقليمية ومجالنا الجوي. وأحياناً، كانت قُوَّاتنا المُسلَّحة/الجيش تدعم ضبط الأمن الداخلي في حالات الثورات/الانتفاضات الشعبية، أو الظروف والأحوال الاستثنائية/الطبيعية غير المُواتية، كما حدث في أبريل 1985 أو المجاعة التي سبقتها عام 84 أو فيضانات 88، وما إلى ذلك. وعقب قيادة البشير للجيش، تغيَّر حاله تماماً، وتحوَّل لمليشياتٍ لقتل واغتصاب وتشريد المُواطنين العُزَّل، دون تمييزٍ بين الأطفال والنساء أو العَجَزة، وكأَنَّ أفراد هذا الجيش من كوكبٍ آخر، ولا يرتبطون بصلةٍ مع الشعب السُّوداني الأبي. والمُدهش، أنَّ المُتأسلمين قابلوا خضوع واستسلام القُوَّات المُسلَّحة بجبروتٍ وإذلالٍ فريد، واستكثروا على العديدين منهم مُجرَّد المُطالبة بحقوق نهاية الخدمة، وضربوهم بالهراوات والغاز المُسيل للدموع والسجون! كما تَجَاهَلَ البشير وعصابته علاج أفراد الجيش، وطردوهم من المُستشفى دون إكمال علاجهم عدا المُوالين لهم، وكانوا يهتمُّون فقط بموتى المُتأسلمين ويتغافلون عن بقية أفراد الجيش غير المُنظَّمين، وهي أمورٌ شهدناها رأي العين ولا تحتاج لاستدلال!
والواقع أنَّ سَعَى المُتأسلمين للسيطرة على الجيش وإضعافه وتفكيكه بدأ منذ سَطْوِهِم على السُلطة، ليس فقط بأدلجته، وإنَّما بغرس الجَهَويَّة والقَبلية تطبيقاً لسياسة (فَرِّقْ تَسُدْ)، مع استلاب مهامه ومكانته وإتاحتها لجهاز الأمن. وبلغ الأمر ذُروته، بتعديلات (البشير) الدستورية عام 2015، التي (جَرَّدت) الجيش من مهامه الأصيلة ومَنَحَتها لجهاز الأمن ومليشياته (الدعم السريع)، في واحدة من أكبر الجرائم الوطنية، مما أسفر عن اختلالات دستورية وقانونية كبيرة ومُدمِّرة، وتمَّ اعتماد جهاز الأمن كقُوَّةٍ نظاميةٍ (قومية)، ترعى الأمن الوطني (الداخلي والخارجي)، وترصد الوقائع وتُحلِّل مغازيها وخطرها وتتخذ تدابير الوقاية منها، وتُكافح الإرهاب والجرائم السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية (كافة)، مما يعني (عملياً) إلغاء دور الجيش وتجريده من مهامه الأصيلة المعروفة دولياً وإقليمياً. ولم يَمضِ شهرٌ على تلك التعديلات، حتَّى قامت مليشيات الدعم السريع، بالاعتداء على عميدٍ في الجيش، وجلدوه أمام جنوده بالكرباج كما يُجلَد (الحمار)، ثمَّ تركوه بالملابس الداخلية!
ثمَّ دخل البشير مرحلةً جديدةً من الانحطاط، فاق بها (نَخَّاسي) التاريخ القديم والحديث، حينما أحَالَ جيشه لسلعةٍ تُباع وتُشترى (مُرتزقة)، ونقل إجرامه ضد الإنسانية لخارج الحدود بحجة (الدفاع عن الحرمين)! بينما السعودية وحُلفائها الخليجيون، أعلنوا – مراراً – أنَّ عاصفة (حزمهم) تهدف لإعادة الشرعية باليمن! والمُضحك في الأمر، أنَّهم جميعاً، سواء السعودية أو حُلفائها أو (تابعهم) البشير النَخَّاس يفتقدون للشرعية، ولم يأتِ أياً منهم بالانتخاب أو بقي في السُلطة بإرادة شعبه، وإنَّما قفزوا عليها السُلطة في بُلدانهم بقوة السلاح، ومَارَسوا كل أنواع البطش والظلم والإجرام ضد شعوبهم، وهو حديثٌ لا يحتاج لاستدلال ولا يسع المجال لتفصيله! بخلاف أنَّ البشير (عَجَز) عن حماية السُّودان (أرضاً وشعب) من الاحتلالين المصري والأثيوبي، وتعدِّياتهم اليومية و(المُوثَّقة) ضد المُواطنين السُّودانيين، بدءاً بالنهب والتشريد وانتهاءً بالقتل والتعذيب وغيرها من التجاوُزات المَعِيبة والمُخجلة، ولكن البشير اتَّخذ من (الحرمين) حُجَّةً لتغطية انحطاطه، وبيعه لجيشه مُسترخصاً دماء وأرواح أفراده كما البلاد برُمَّتها. حيث ذكر تقريرٌ لمركز (ستراتفورد) الإستخباري العالمي، بأنَّ الهجوم البرى لما يُسمَّى تحالُف عاصفة الحزم يستند على القوات السُّودانية، وفقاً لتوقُّعات أولئك الحُلفاء/الخُبثاء لخسائر بشرية عالية وسط القُوَّات المُهاجمة، وهذا ما حدث فعلاً وأكَّدته النُعوش المُتتالية للسعوديين والإمارتيين والبحرينين، ولم نسمع عن نظرائهم السُّودانيين لأنَّهم (رخيصين) ولا يهمُّون البشير وعصابته، بعدما قبضوا (أثمان) بيعهم في سوق (النِخَاسة) الخليجي!
ومع احتدام المُقاومة اليمنية وازدياد القتلى وسط أعدائهم، آثَرَ الخليجيون المُحافظة على أرواح أبنائهم، وسعوا لاستبدالهم بآخرين (رخيصين)، وأقلَّ أهمية وليس لهم (وَجِيعْ)، وكالعادة وجدوا البشير (النَخَّاس) جاهزاً لإنهاء (الصفقة)، فهو لا يتوانى عن بيع (مَنْ أَرْضَعَتْهُ)، ناهيك جيش السُّودان الذي حَطَّمه ومَرَّغ بسُمعته وهيبته التُراب! فسارع لتنفيذ أوامر (سادته) و(أرباب) نعمته، إذ أعلن في حُواره مع قناة العربية قبل أيَّام قليلة، بأنَّ هناك قُواتاً سُّودانية يجري تجهيزها للانتقال إلى السعودية ثمَّ إلى اليمن، مُكرِّراً (أكاذيبه) بشأن حرصه على أمن وسلامة السعودية، ودعمها في مُواجهة (إيران) التي كانت حتَّى وقتٍ قريب (وَلياً) لنعمة البشير وعصابته، لدرجة إدخال الفكر الشيعي في المناهج الدراسية، وفق ما أعلنت وزارة التعليم أكثر من مرة! ثمَّ، وبعد حُواره مع العربية بيومين، كَشَفَ موقع عرب تايمز (تجدون الرابط في آخر هذه المقالة)، عن (استئجار) الإمارات لآلاف الجنود السُّودانيين مُقابل ألفي دولار (للرأس) تُدفع للبشير، أي مُمَارسَة (النِّخَاسَة) في أبشع صورها دون حياءٍ أو خوف! ولتتأمَّلوا يا أفراد الجيش إلى أي مدى (يسترخصكم) البشير، ويجُرُّكم معه في البِرَك الآسنة التي نشأ وترعرع فيها وتغذَّى عليها؟! لم يكتفِ بتجاهُل زُملائكم الذين قضوا نحبهم وإهمال أُسرهم (أرامل/يتامى/عَجَزَة)، وعدم علاج المُصابين منهم، بمن فيهم (قَتْلَى ومُصابي) اليمن، وإنَّما (أَمْعَنَ) في انحطاطه ومَارَسَ (النِخَاسَة) الرخيصة وأجَّركم (بالرأس) كالأنعام، وهي دَرَجَة أقَلَّ من (العبيد)! فلماذا تقبلون (الاسترقاق)، وتتبعون هذا (النَخَّاس) الوضيع يبيعكم ويشتريكم بأبخس الأثمان، ليُحيلها أموالاً وثروات لأسرته وخاصَّته من المُغامرين، بينما ترزحون أنتم وأهلكم في فقرٍ مُدقع، وتحيون في أسوأ ظروف يُمكن أن يحيا فيها الإنسان، وتقتاتون من فتات موائد النَخَّاس المسمومة، وبلادكم مُستباحة للقاصي والدَّاني من الأجانب والمقاطيع!
أعلمُ تماماً أنَّ قادة الجيش مُتأسلمون، وجُزءٌ أصيلٌ من المنظومة الإسلاموية البغيضة، التي سَعَت وعملت بقوة لأدْلَجَة الجيش وتغيير عقيدته، وبذات القدر فإنَّ هناك المُستويات الوسيطة والدنيا من الجيش السُّوداني، وهم وقود مُغامرات البشير وضحاياه الحصريين، إذ نادراً ما ينزل قادة جيشه المُتخمين لميادين القتال الفعلية، ويكتفون بالتواري خلف الجُدُر، مُتمتعين بما لَذَّ وطاب وإشباع شهواتهم التي لا تنتهي. لذلك أوجِّه حديثي لتلك المُستويات الوسيطة والدنيا من جنود السُّودان الذين يدفعون هم وأُسرهم الثمن وحدهم، أملاً في أن يتوقَّفوا عند أسباب قتالهم في اليمن وبلادنا مُحتلَّة، وأهلنا يُقتلون بأيدي المليشيات الإسلاموية والمُحتلين! وليتهم يستصحبون معهم، حال زُملائهم القُدامى من ضحايا الحروب التي فرضها عليهم (النَخَّاس) وعصابته، وليتأمَّلوا مُعاقي العمليات ولهثهم المُتواصل خلف حقوق نهاية خدماتهم التي (استكثرها) عليهم المُتأسلمون، وواجهوا اعتصاماتهم المشروعة بالهراوات والغاز المُسيل للدموع والسجون، وبعضهم مات مقتولاً بعد وصفه بالجنون!
فيا أفراد الجيش، المسألة الآن تَعدَّت الانتماءات – الفردية – الضيقة بكثير، ولم تعد مُجرَّد ميول فكرية أو سياسية أو مُوجِّهات قَبَليَّة/جَهوية، فقد ثَبُتَ – عملياً – أنَّ البشير ومُعاونوه عبارة عن (نَخَّاسين)، يبيعون ويشترون كل شيء دون واعزٍ أو حدود، وها أنتم ترون الآن فصولاً جديدة من انحطاطهم الذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً. فبعدما باعوا الوطن، وتركوه لُقمةً سائغة، وفريسةً سهلةً للمُغامرين والطَّامعين، شرعوا في بيعكم أنتم أنفسكم وبثمنٍ بخس.
وبدلاً من أن تكونوا (الدَرَقَة) التي يحتمي بها (النَخَّاس) وعصابته، استنهضوا قدراتكم، وطَوِّعوا أياديكم وانقذوا (أنفسكم) أوَّلاً، وأرفضوا بيعها كالرقيق أو الدَّوَاب، ولا تتركوا (النَخَّاس) ومقاطيعه يتلاعبون بكم وبأهلكم وبلدكم، واستعيدوا احترامكم المفقود ولكم في نظيركم جيش بوركينا فاسو (مع الفارق بين حالتيكما) أُسوةً حَسَنة، حيث سارع للقيام بواجباته الأصيلة، وإزال الديكتاتورية التي كانت جاثمة فوق صدر شعبه، ودعم الجهود الديمقراطية وسيادة العدالة وحقوق الإنسان.
استدراك:
عقب إكمالي لهذه المقالة، قرأت خبراً عن اندلاع مُواجهات مُسلَّحة دامية، بين الجيش والمليشيات المُسلَّحة صباح الخميس 16 فبراير 2017، بحاضرة ولاية شمال دارفور الفاشر، واضطر العديد من المُواطنين للفرار من حي (الجبل) ومنطقة (البورصة) شرقي الفاشر. ووفقاً للأنباء، كان هناك تبادلاً كثيفاً لإطلاق النيران واستخدام المدفعية الثقيلة.. فتأمَّل ..!
رابط خبر عرب تايمز:
http://www.arabtimes.com/portal/news_display.cfm?Action&Preview=No&nid=23383