عبد الغني بريش فيوف
عندما وقعت الحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 2005م على اتفاقية السلام الشامل، فعلت ذلك عن قناعة بعد حروب ومجازر وحمامات دم. لكن بعد استقلال جنوب السودان عن شماله بموجب هذه الاتفاقية في يناير 2011م سرعان ما نقض النظام السوداني ذات الاتفاقية في جزئيتها الخاصة (ببرتوكول المنطقتين/جبال النوبة والنيل الأزرق)، وذلك بإعلان الحرب على الجيش الشعبي في جبال النوبة/جنوب كردفان بتأريخ 6/6/2011م بنية تجريده من سلاحه وهي الحرب التي لم تضع أوزارها بعد.
الحركة الشعبية كانت ابدا ودائما تبحث عن سلام عادل وشامل ودائم، ويدها ممدودة للجميع في أي وقت، لكن أي سلام يريده النظام العنصري الغاشم في الوقت الذي يستمر قادته وكبار جنرالاته كهربة الأجواء السياسية وتصعيد المواقف العسكرية العدوانية والقرصنة الموصوفة ضد الجيش الشعبي في المنطقتين؟
في تضليل آخر للرأي العام السوداني والدولي معا.. أعلن وزير الثقافة السوداني، لمدعو الطيب حسن بدوي، استعداد حكومته للتوقيع على اتفاق سلام حال تنازل الحركة الشعبية وقبولها الحوار كخيار لحل الخلافات. وقال إن الأجواء السلمية والتزام الطرفين المستمر بوقف إطلاق النار، يشير إلى وجود رغبة قوية لإنهاء الحرب.
ودعا بدوي الذي مثل رئاسة الجمهورية في صلاة العيد بميدان الحرية بكادوقلي في ولاية جنوب كردفان، الحركات المسلحة لوقف الحرب فوراً.
وقال إن رغبة الطرفين القوية لإنهاء الحرب، تتطلب اتخاذ خطوة أخرى أكثر جدية نحو المفاوضات لفرض سلام حقيقي يسمح بتقديم الخدمات التنموية لأهل جنوب كردفان.
وأضاف بدوي، السلام يعتبر الخيار الوحيد الذي يمكّن الحركة الشعبية من تحقيق أهدافها وليس الحرب كما يزعم البعض.
إذن الإسلامي الإنقاذي الطيب حسن بدوي الذي نقضت حكومته اتفاقية نيفاشا لعام 2005م في جزئها الخاص بالمشورة الشعبية للمنطقتين، خرج ليتحدث عن استعداد حكومته للتوقيع على اتفاق سلام، ولكنه كعادة أهل الإنقاذ لم يقل لنا عن مفهوم حكومته للسلام المزعوم.. وما هي الأسس الموضوعية التي يمكن أن تقوم عليها هذا السلام؟
نعتقد جازما أن السلام الذي يريده النظام السوداني هو سلام بشروطه وبمنطقه وبمزاجه، وليس سلاما شاملا عادلا دائما يعيد الحق والكرامة للشعوب السودانية جمعاء، وعليه من الاستحالة بمكان إذن تحقيق السلام في السودان مع وجود عمر البشير وحزب المؤتمر الوطني في الحكم.
التاريخ المأساوي لنظام عمر البشير في استخدام القوة والبطش والإرهاب ضد شعب “المنطقتين” ودارفور لعشرات السنوات، وعدم احترامها للعهود والمواثيق والاتفاقات، يجعل الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال متشككة في أن يتحول هذا النظام الى حمل وديع يريد فجأةً السلام، فلذلك فإن دخول أية قوى سياسية سودانية تدعي المعارضة في حوار أو مفاوضات بحجة تحقيق السلام في البلاد مع النظام القائم انما تحاول البحث عن مخارج لاستمرار الوضع الراهن على حاله.
الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال تريد سلاما شاملا عادلا دائما، وبالتالي فالمعادلة جداً بسيطة ويتوقف حلها على النظام السوداني عندما يستجيب لمستلزمات السلام العادل والشامل في السودان وفي مقدمتها ترك السلطة دون شرط أو قيد، ودون ذلك سيكون الحديث عن السلام مجرد وهم هدفه الخداع والمراوغة وشراء مزيد من الوقت.